افتتحت نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي فعاليات مؤتمر ” الاستثمار المجتمعي المؤثر والشراكات الفعالة”، الذي تنظمه وزارة التضامن في إطار حرص الوزارة على دمج مبادئ الاستثمار الاجتماعي في برامجها ومشروعاتها، بالإضافة إلى تنوع شراكاتها مع القطاع الخاص وقطاع الأعمال والقطاع الأهلي، بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية لكافة فئات الشعب المصري لتحقيق رؤية مصر 2030.
وشهد المؤتمر حضور أحمد كوجك نائب وزير المالية، وأحمد الشيخ رئيس البورصة المصرية، ولفيف من ممثلي القطاع الخاص ومنظمات المجتمع الأهلي في مصر، وممثلي تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين.
وأكدت وزيرة التضامن الاجتماعي في افتتاح فعاليات المؤتمر أن التجارب المختلفة أظهرت عبر العصور التي مر بها هذا الوطن الحبيب، أن القضاء على الفقر وتطبيق التنمية المستدامة لا يمكن أن يقتصر فقط على الجهود الحكومية فقط، حتى لو أضيف إليها الجهود الأهلية، وأن إنفاذ وممارسة حقوق الإنسان تمتد لجميع مؤسسات وكيانات الدولة، كما أن عوائد الاستثمار الذي يتم على كافة المستويات لا يمكن أن يتم اختزاله على الجانب المالي فقط، ولكن تمتد آثاره للفرد وللمجتمع والبيئة.
وأضافت القباج أن هناك معتقدات خاطئة تتمثل في أن العمل الاجتماعي لا يستوجب الفكر الاستثماري والمادي، وأن كبار المستثمرين لا يهتمون بالتنمية الاجتماعية أو البيئية، وهذا غير صحيح، وتشهد على ذلك مليارات من الأموال المحلية والدولية التي تم ضخها في مناحي تنموية عديدة، إلا أن مؤشرات التنمية تتحرك ببطء، وهناك فئات عديدة نراها لا تشارك بفعالية في العملية التنموية، وتنتظر فقط حظها من عوائد التنمية البسيطة، والتي قد يكون الكثير منها غير محسوب بشكل تكاملي بين الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، ومن هنا، بدأ البحث عن طرق فعًّالة وجديدة ليكون هناك مصاد آمنة ومستقرة ومتجددة للتمويل، للمساهمة في توفير حلول للقضايا الاجتماعية والاقتصادية المعقدة.
وأفادت وزيرة التضامن الاجتماعي أن فكرة الاستثمار الاجتماعي تتطور، أو كما أطلق عليها البعض “الاستثمار الأخلاقي” و”المسؤول اجتماعيا”، وبدأ الحديث عن العدالة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وعن الدمج المجتمعي، كما أن هذا الفكر لم يكن ببعيد عن المجتمع المصري، فعرفت مصر منذ أمد الوقف الخيري، ثم امتدت للتمويل الملائكي، وللاستثمار التكافؤي، والمضاربة والمشاركة، وريادة الأعمال الاجتماعية، حتى وصلت إلى الصناديق الاستثمارية وأشكال متنوعة من الاستثمار الاجتماعي، مما دفع الكثير ينادي بتخصيص نسب مئوية مختلفة من صافي الأرباح لمبادرات الاستثمار الاجتماعي، مشيرة إلى أن الاستثمار الاجتماعي هو تحديث جوهري لفكر التنمية التقليدية إلى التنمية المستدامة والعادلة والدامجة، وانتقالها من الرعاية إلى الاستثمار الاجتماعي، ومن الدعاية إلى الأثر، ومن الفرد إلى المجتمع بأكمله،كما أن المسئولية المجتمعية ليست تمويل، أو مساهمة نقدية أو عينية فحسب، وإنما هي دراسة متأنية لكفاءة استخدام الموارد التي تم ضخها، واحتساب الفرص الضائعة، وتقصي عناصر الاستدامة والأثر المجتمعي والتنموي المتحقق من خلال التمويل، مؤكدة أن الأثر الذي يتم قياسه ليس فقط مادي بتنمية رأس المال وتراكمه، وإنما هو الانتقال من عوائد الاستثمار المادي إلى العوائد المجتمعية والبيئية، بما يعود بكفالة حقوق الفئات الأولى بالرعاية، وبما يعود بالاستثمار في البشر، وبما يؤدي إلى حماية المجتمع والبيئة وتحسين جودة الحياة.
وأشارت القباج إلى أن أحد العوامل الأساسية التي تُظهر الرؤية التنموية، والمسئولية والمصداقية للعاملين في مجال التنمية، هو عدم الاعتماد على التبرعات وعلى التمويل الخارجي والداخلي فقط، وإنما السعي الدؤوب لبناء علاقات قوية مع المستثمرين وأصحاب الأعمال والأموال، ولا سيما الناجحين منهم، لإيجاد فرص متجددة للاستخدام الأمثل للموارد المتاحة لدعم البرامج والمشروعات التي تستهدف قطاعات واسعة، ولها أثر طويل الأجل، ويمكن إعادة استثمار عوائدها تباعاً وتكراراً واستمراراً، وهو استثمار لا ينفذ، وإنما يمتد ويتجدد، إلا أن هذا الاستثمار التراكمي والمُضاعف سيتواجد فقط مع الأفكار الريادية والمبدعة، ومع الجرأة في كسر حواجز العثرات الإدارية والبيروقراطية، ومع نقل المهارات والمعارف بقوة دون خوف من نفاذها، ومع اكتشاف الطاقات الكامنة التي تحتاج لعين ثاقبة، ومع توظيف الوقت الأمثل، وتعبئة المتطوعين واحتساب وقت وجهد التطوع، ومع إجراء دراسات جدوى وأثر مجتمعي للمشروعات الممولة، ووغيرها من أوجه الاستثمار التي توفر نفعًا حقيقيا للمجتمع ككل.
وشهد الاستثمار الاجتماعي تطورات متلاحقة في عصرنا الراهن في رحلة تحوله من السمة الخيرية التطوعية إلى الآلية المؤسساتية المنظّمة التي تؤتي آثاراً تنموية موسعة تؤتي بثمارها على قطاعات عديدة وفئات متنوعة مما يزيد من فرص تحقيق الاستدامة، ومن هنا جاءت فكرة السندات الاجتماعية كنوع من أدوات التمويل الابتكاري، الذي يجمع بين الهدف الربحي والمادي والغاية الاجتماعية، بشكل يحول المشكلة الاجتماعية إلى فرص قابلة للاستثمار، وبالتالي يؤدي ذلك إلى تحقيق وفورات ومكاسب، وإلى تشغيل فئات معطلة، بما يحفز المستثمرين على استكمال عمليات الاستثمار.
وأكدت وزيرة التضامن الاجتماعي أن هناك ثمة علاقة وطيدة بين الاستثمار الاجتماعي وبين حقوق الإنسان، فنرى تقاطع قوي بين مبادئ الاستثمار الاجتماعي وحقوق الإنسان، في إقرار كلاهما بالعمل على تحسين الخدمات الأساسية وإتاحتها للجميع، ومنع عمالة الأطفال، ودعم التعليم الدامج، ونشر التكنولوجيا وتداول المعرفة، وتعزيز حقوق العمل والحماية الاجتماعية، والمشاركة الاجتماعية والسياسية، واعتبار سلاسل الإمداد الأخلاقية التي تراعي حقوق الإنسان، وتمكين الفئات الأولى بالرعاية، وتكافؤ الفرص والدمج لكافة الفئات، وتنمية المجتمع، والاستدامة البيئية.
وأوضحت أن وزارة الاجتماعي باتت تتبنى فكر الاستثمار الاجتماعي فأصبحت تنتهجه عند تنفيذها لكثير من برامجها، أو في تطوير شراكاتها؛ وهذه ليست سياسة وزارة فحسب، ولكنه توجه بناء الدولة الذي تؤكد عليه القيادة السياسية وتكرار السيد رئيس الجمهورية لخطابات عدة يشدد فيها أن عمليات التمكين الاجتماعي والاقتصادي هو جزء لا يتجزأ، من الأولويات الوطنية؛ وأن الاستثمار الاجتماعي واستثمار رأس المال البشري، والفكر الحر والإبداع هو السبيل الذي سيؤدي بنا إلى الارتقاء بحياة المواطنين كفاعلين منتجين مشاركين، وهم ايضاً مسئولين.
وشددت القباج أن المستثمرين المسئولين اجتماعيًّا: يشجعون مُمارسات الاستثمار البشري الجيد والشراكة التي تعزز قيم مضافة في مجالات تكافؤ فرص التعليم الجيد والدامج، والرعاية الصحية المتكاملة، والأمن الغذائي، وتوطين الصناعة المصرية، وتمكين المرأة، والعمل اللائق، والطاقة النظيفة والمتجددة، وتعظيم التراث الحرفي، والحماية الاجتماعية، وحماية المستهلك، والحفاظ على التوازن البيئي.
وأشارت إلى التوصيات التي نحث على اعتبارها لإحراز تقدم في مجال الاستثمار الاجتماعي، تتمثل في تحفيز جانب التمويل وتنوع مصادره، حيث يشكل نقص رأس المال لهذا النوع من الاستثمار تحديًا حقيقياً، وزيادة خبرة رؤوس الأموال بهذا النوع من الاستثمارات، وبسبل استيعاب السوق وادارة تعقيداته، بشكل مناسب في الوقت المناسب مع السيطرة على سياسات الادخار العشوائي، بالإضافة إلى إجراء دراسات الجدوى، وقواعد الاستهداف، ودراسة السوق، تقوية الجانب البحثي واحتساب المخاطر ودرئها في مراحلها المبكرة، وتعزيز التحول الرقمي والميكنة والتحليل الإحصائي للبيانات، بما يلبي مبادئ الإفصاح والشفافية والممارسات الجيدة في إعداد التقارير اللازمة، فضلا عن دعم دراسات قياس الأثر، لتقوية الإلمام الكافي بآليات قياس الآثار الاجتماعية والبيئية خاصة في القطاع غير الربحي.