يتفق محللون ودبلوماسيون سابقون على وجود خلافات وتناقض في المواقف بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل بسبب الحرب في قطاع غزة، ورجحوا أن تضغط واشنطن على حليفتها تل أبيب من خلال اشتراطات تتعلق بالدعم العسكري.
ومع تأكيده أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ستستمر في دعم “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، كشف الدبلوماسي الأميركي السابق، تشارلز دان أن هناك “تصدعات” بدأت تظهر في جدار الدعم الأميركي لإسرائيل، ووجهات نظر مختلفة بين الطرفين على خلفية ما يحدث في قطاع غزة.
ولم يستبعد الدبلوماسي السابق أن ينتهي الخلاف بين واشنطن وتل أبيب إلى تصادم خاصة إذا تسببت إسرائيل في سقوط ضحايا مدنيين فلسطينيين مرة أخرى في حال لم تتوقف الحرب على غزة.
وأكد دان أن الرئيس جو بايدن بات يخشى من التداعيات السياسية ولا سيما في أوساط الشباب الأميركي ومن المعارضة الداخلية، حيث إن هناك امتعاضا لدى الكثيرين ممن يعملون في الحكومة الفدرالية، وقد وقّعوا على عرائض تطالب بوقف إطلاق النار في غزة.
وأوضح أن الامتعاض وعدم الرضى الشعبي عن الدعم الأميركي لإسرائيل في حربها على غزة يدفع بايدن إلى محاولة تقييد عمل إسرائيل في المرحلة المقبلة.
وقال إن الإدارة الأميركية لديها تأثير كبير على تل أبيب ويمكنها أن تفرض قيودا على عمل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو السياسي، وتأخير حزمة المساعدات الإضافية.
وأكد الدبلوماسي الأميركي -في حديثه ضمن الوقفة التحليلية اليومية على قناة الجزيرة “غزة.. ماذا بعد؟”- أن أعضاء في الكونغرس ومجلس النواب يريدون ضمانات قبل التصويت على حزمة المساعدات لإسرائيل، ومنها أن إسرائيل يجب عليها أن تحترم قوانين الحرب.
وركز الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات، الدكتور لقاء مكي على ما سمّاه التناقض الأميركي الإسرائيلي بشأن المخرج من الحرب الحالية على غزة، حيث تريد إدارة بايدن الخروج نحو تسوية، بينما نتنياهو وفريقه يريدون تدمير غزة.
ولفت إلى أن هذا الأمر يبدو مستحيلا من الناحية الميدانية، فالمقاومة الفلسطينية أثبتت أنها لا تزال قوية حتى في شمال قطاع غزة، وهو ما ظهر خلال عملية تبادل الأسرى.
ووفق مكي، فهناك رغبة أميركية في استمرار الهدن الإنسانية، وهو ما عبّر عنها بايدن عندما قال “يجب استرجاع جميع الرهائن”.
كما كشف في السياق نفسه أن الأميركيين منحوا إسرائيل شهرا واحدا لإنجاز ما يمكن إنجازه في غزة، ووفق شروط واشنطن، أي عدم الاقتحام البري والتدمير كما فعلت في شمال قطاع غزة.
فشل إسرائيلي
غير أن الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات توقع أن تبقى إسرائيل تحت الحماية الأميركية لتكون خارج إطار المعاقبة والحساب الدولي، مشيرا إلى أن ما يفعله المسؤولون الأميركيون حاليا هو محاولة الضغط على القيادة الإسرائيلية حتى تستجيب لطلباتهم.
وقال إن إسرائيل تعلم أنها غير قادرة على مواجهة الفلسطينيين والعرب دون حماية أميركية، سياسية وقانونية وعسكرية، متوقعا أن يزداد الضغط الأميركي على حليفها الإسرائيلي من خلال اشتراطات.
وأوضح مكي أن الاشتراطات تتعلق بالدعم العسكري، ومن خلال ضغوط قضائية على نتنياهو، وقد يكون هناك اتفاق مع المعارضة الإسرائيلية لتكون هي الحاكم المقبل وينتهي اليمين في صفقة كاملة تتضمن التسويات المقبلة.
واتفق الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، الدكتور مصطفى البرغوثي مع المحللينِ، في مسألة وجود تناقض في المواقف بين واشنطن وتل أبيب، مؤكدا أن 65% من الرأي العام الأميركي لا يؤيد موقف إدارة بايدن بشأن الحرب على غزة.
ومن وجهة نظر البرغوثي، فإن بايدن الذي قال إنه شارك في الحرب على غزة وكرّر الأكاذيب التي حاول نتنياهو وفريقه ترويجها، بدأ يشعر أن الحرب ستكلفه منصبه، ولا سيما بعد أن انقلب عليه الرأي العام الأميركي.
وشدد على أن إسرائيل فشلت في تحقيق هدفها المركزي من العدوان على قطاع غزة، والذي لم يكن تصفية حركة المقاومة الإسلامية (حماس) كما تزعم، بل تصفية الشعب الفلسطيني وتصفية وجوده.
وأوضح أن هذا ما حاولوا فعله من خلال التطهير العرقي لسكان غزة وترحيل الفلسطينيين إلى سيناء المصرية، ثم انتقلوا للخطة “ب” التي تقضي بتهجير سكان غزة لجنوب القطاع، وهو ما فشلوا فيه أيضا.
وقال البرغوثي إن فشل الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق أهدافه جعل حربه على غزة بلا معنى ولا مغزى، وحتى لو أطال أمد الحرب فسيبقى نضال الفلسطينيين الذين وصلت صورة معاناتهم إلى العالم أجمع.