تتزايد صعوبة الإحصاء الدقيق لشهداء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مع استمرار القصف العنيف وتدمير البنية التحتية الأساسية، وتكرار تعطل خدمات الهاتف والإنترنت، واستشهاد أو فقد عدد من القائمين على عملية التوثيق، في حين بلغت الحصيلة الأخيرة أكثر من 16 ألف شهيد و43 ألف مصاب، جُلّهم من النساء والأطفال.
ففي الأسابيع الـ 6 الأولى من العدوان، أرسلت مشارح المستشفيات في أنحاء غزة الأرقام إلى مركز الإحصاء الرئيس التابع لوزارة الصحة بغزة في مستشفى الشفاء، واستخدم المسؤولون برنامج إكسل في تسجيل أسماء الشهداء وأعمارهم وأرقام بطاقات هُوياتهم، ونقلوا ذلك إلى وزارة الصحة الفلسطينية في رام الله.
غير أن المسؤولين الأربعة الذين أداروا عملية التوثيق بمجمع الشفاء الطبي، استشهد أحدهم بغارة إسرائيلية على المستشفى، واعتقل الآخرون حين استولت القوات الإسرائيلية على المبنى بحجة أنه مركز عمليات حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، حسب وزارة الصحة برام الله.
ومع انهيار الهدنة الإنسانية التي استمرت أسبوعا واحدا وانتهت الجمعة الماضية، أصبح تحديث حصيلة الشهداء والمصابين الذي كان يصدر يوميا بمؤتمر يعقده المتحدث باسم وزارة الصحة أشرف القدرة، غير منتظم.
حصيلة غير شاملة
وأكد خبراء لوكالة رويترز أن الحصيلة الحالية ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة غير شاملة.
فقد قال متحدث باسم وكالة لحقوق الإنسان تابعة للأمم المتحدة، إن رصدهم للأرقام التي قدمتها وزارة الصحة بغزة يشير إلى أنها أقل من الواقع؛ لأنها لا تشمل القتلى الذين لم يصلوا إلى المستشفيات، أو من يُحتمل وجودهم تحت الأنقاض، حسب تعبيره.
كما قالت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة، إن عدد الجثث التي يخشى أنها مطمورة تحت الأنقاض يصل الآن إلى الآلاف، مضيفة أن الدمار لحق بجزء كبير من معدات الحفر التابعة لقوات الدفاع المدني في غزة، خلال الغارات الجوية الإسرائيلية.
أرقام ذات مصداقية
وأفاد خبراء بالصحة العامة لوكالة رويترز أن غزة قبل الحرب كانت تتمتع بإحصاءات سكانية جيدة، ومعلومات صحية سلسة، وأفضل من معظم دول الشرق الأوسط، وليس هناك أي سبب للشك في صحتها.
وأكدت الأستاذة في كلية لندن للصحة أونا كامبل، أن السلطات الصحية الفلسطينية تتمتع بمصداقية راسخة في أساليبها للحفاظ على الإحصاءات الأساسية وتتبع الوفيات بشكل عام، ليس في أوقات الحرب فقط، وتعتمد عليها وكالات الأمم المتحدة.
من جهته، أشار المدير التنفيذي لمختبر البحوث الإنسانية في كلية الصحة العامة في جامعة ييل، ناثانيال ريموند، إلى أن قدرات جمع البيانات الفلسطينية احترافية، وكثيرون من موظفي الوزارة تدربوا في الولايات المتحدة، حسب قوله.
التوثيق أكثر صعوبة
ومنذ توسع رقعة العملية البرية إلى جنوب قطاع غزة بعد الهدنة، تراجعت قدرة وزارة الصحة الفلسطينية على جمع بيانات دقيقة عن عدد الشهداء، لا سيما مع التدمير الممنهج الذي يتعرض له القطاع الصحي.
وأكد مبعوث منظمة الصحة العالمية إلى غزة ريتشارد بيبركورن أن توثيق ضحايا الحرب يزداد صعوبة، لأنهم يحصلون عادة على الأرقام من وزارة الصحة، لكن منذ أيام اعتمد التوثيق أكثر على التقديرات لصعوبة جمع البيانات.
إسرائيل لم تنكر
ولم تشكك السلطات الإسرائيلية بحصيلة الضحايا التي أعلنت عنها وزارة الصحة الفلسطينية بغزة، إذ قال مسؤول إسرائيلي، إن الحصيلة المعلن عنها “صحيحة بشكل أو بآخر”.
وأضاف، أن نحو ثلث القتلى في غزة حتى الآن ممن وصفهم بالمقاتلين الأعداء، مقدرا عددهم بين 5 آلاف و10 آلاف، دون أن يقدم تفاصيل عن مسوغات لتقديره هذا.