اختتم منتدى قناة “تي آر تي” التركية فعالياته في مدينة إسطنبول، وفي حين سيطرت مأساة غزة على أعماله، دعا العديد من المتحدثين إلى نظام دولي أكثر عدالة، منتقدين في الوقت نفسه استخدام واشنطن حق النقض (الفيتو) لرفض قرار مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار في غزة.
وفي كلمتها أمام المنتدى، قالت وزيرة الأسرة والخدمات الاجتماعية التركية ماهينور غوكطاش إن الوقت حان للحديث عن نظام دولي أكثر عدلا يتبنى بالفعل القيم الإنسانية العالمية.
وعن الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على غزة، قالت الوزيرة التركية “نواجه أزمة لا يتم فيها تدمير القيم الإنسانية فحسب، بل حياة الناس أيضا، وإن ما نشهده في غزة هو إبادة جماعية ترتكبها الحكومة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وتمثل اعتداء وحشيا على الوجود الإنساني والحق في الحياة والأجيال المقبلة”.
وأكدت أن الوقت حان لإيجاد طرق جديدة للبحث عن حلول للأزمات العالمية، قائلة “من الواضح أن النظام العالمي والمؤسسات الدولية التي تدعي الحفاظ على السلام والعدالة في العالم، لم تعد تخفف المعاناة ولا شاملة ولا تحمي الإنسانية”.
مأساة رهيبة
من جانبه، انتقد السفير الأميركي السابق روبرت فورد سياسة بلاده الداعمة للحرب الإسرائيلية على غزة، ووصف الأوضاع في غزة بـ”المأساة الإنسانية الرهيبة”.
وعن استخدام الولايات المتحدة للفيتو ضد قرار مجلس الأمن بوقف فوري لإطلاق النار، قال فورد إن السياسة الأميركية تواجه الآن تناقضا رهيبا؛ فهي تريد إزالة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من غزة، ومن ناحية أخرى تريد التقليل من حجم القتل والخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين.
وأشار فورد إلى أن استخدام الفيتو أثار غضبا دوليا عارما، وسيكون على واشنطن أن تجد طريقة للتعامل مع هذا التناقض وتحديد الأولويات؛ هل الأولوية إنقاذ المدنيين، أم للحل العسكري ضد حماس؟ وعبّر عن أمله في أن تختار بلاده إنقاذ حياة المدنيين.
موقف مخز
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت عبد الله الشايجي فوصف استخدام الولايات المتحدة حق الفيتو لمنع وقف إطلاق النار في غزة بـ”المخزي”.
وقال الشايجي إن القوى الكبرى تدعم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في غزة، “ويقفون مع المعتدي والظالم ضد الضحية”، مؤكدا أنه وفق اتفاقية جنيف والقانون الدولي فإن من حق الفلسطينيين مقاومة الاحتلال.
واعتبر الشايجي أن “ما تقوم به إسرائيل في غزة جريمة حرب مكتملة الأركان”، وذلك بقصف المدنيين والمستشفيات بلا هوادة، إضافة إلى حصار شعب بأكمله وقطع الماء والكهرباء عنه.
وأشاد الشايجي بوعي جيل الشباب -سواء في العالم العربي أو في الغرب- بالقضية الفلسطينية، معتبرا أن ذلك بمثابة “الحسنة الوحيدة” لما يجري في غزة.
تسيطر عليه الدول العظمى
من جهته، قال أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة قطر عبد الله باعبود إن مجلس الأمن تسيطر عليه الدول العظمى، والدليل عجزه أمام ما يحدث في غزة، ولا بد أن يتغير ذلك الآن من خلال إعادة تأهيل المنظمات الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن.
وأضاف باعبود أنه عندما يرى العالم كله حجم القتل والدمار وحرب الإبادة الحاصلة في غزة، ثم لا يستطيع مجلس الأمن أن يفعل شيئا لأن دولة واحدة لا توافق على ذلك، فهذا “انحطاط لكل القيم الإنسانية والأخلاقية”.
وأكد أن الوقت قد حان لتعديل نظام مجلس الأمن وتجاوز فكرة الفيتو والدول الخمس المسيطرة على المجلس من خلال آلية جديدة لاتخاذ قرارات تحمي الإنسانية.
ودعا باعبود لحماية الفلسطينيين من “آلة القتل الإسرائيلية التي تحاول إبادتهم وتشريدهم وفق أكذوبة تاريخية خاصة بالإسرائيليين، وهو أمر يندى له جبين الإنسانية”، على حد قوله.
الإعلام والاقتصاد
وفي جلسات أخرى ضمن منتدى “تي آر تي”، قال رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية فخر الدين ألطون إن عالم اليوم متأثر بالتطورات التكنولوجية السريعة، مشيرا إلى أن المعلومات المضللة في وقت الأزمات تؤدي إلى اندلاع العنف.
وأضاف ألطون أن الرقمنة أعادت تشكيل قطاعات البث والإعلام، معتبرا أن وسائل الإعلام التقليدية تواجه منافسة شرسة مع عمالقة التكنولوجيا، خصوصا في ظل إمكانية استغلال أنظمة الذكاء الاصطناعي في تعميق وترسيخ المعلومات المضللة.
أما وزير المالية التركي محمد شيمشك فقال أمام المنتدى إن بلاده تفعل كل ما يلزم لخفض التضخم، مشيرا إلى أن النمو في تركيا يسير على قدم المساواة مع نظرائه في الاقتصادات الناشئة.
وأضاف شيمشك أن الاحتباس الحراري ليس وجهة نظر بل حقيقة نعيشها ستؤثر بلا شك في النمو الاقتصادي العالمي، مؤكدا أن التعامل مع كارثة التغير المناخي يحتاج إلى تحرك جماعي مشترك.
9 جلسات
وعلى مدى يومين، بحث منتدى “تي آر تي”، في 9 جلسات بنسخته السابعة هذا العام، العديد من القضايا السياسية والإعلامية، من أبرزها “رؤية قرن تركيا.. تركيا كعنصر فاعل في بناء النظام العالمي”، و”حرب إسرائيل في غزة.. الأزمة الإنسانية وآفاق السلام”، و”عودة الجغرافيا السياسية.. المنافسات وإعادة التحالفات في القرن الجديد”.
ومن القضايا الإعلامية التي ناقشها المنتدى، “الإعلام الحكومي في العالم الرقمي”، إضافة إلى “إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي”، و”الذكاء الاصطناعي الذي يعرف كل شيء.. إمكانات إبداعية أم كارثة مدمرة؟”.
كما بحث أيضا قضية “العمل من أجل تعددية فعالة” بالأمم المتحدة، و”تمكين الإنسانية.. معالجة الأزمات الاجتماعية وعدم المساواة”، و”الارتباط بين الأمن الغذائي والمياه والطاقة”.
عصابات الإعلام الغربي
وشارك في الجلسة الافتتاحية، أمس الجمعة، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تساءل -في كلمته- “أين الصحف الغربية المشهورة إزاء ما يجري في غزة؟”، معتبرا أن ما وصفها بـ”عصابات الإعلام العالمي” تتغاضى عن الوحشية على أهل غزة، وتحاول أن تضفي شرعية على ارتكاب مجازر بحق الصحفيين بحجة أنهم من حماس.
وأشار إلى أن إسرائيل لم تقتل النساء والأطفال فقط، بل قتلت الإعلاميين أيضا، لافتا إلى أن أكثر من 70 إعلاميا قُتلوا في قطاع غزة الذي يتعرض لحرب إسرائيلية مدمرة منذ أكثر من شهرين.
وكان لافتا ارتداء عدد من الحضور الكوفية الفلسطينية، تعبيرا عن تضامنهم مع الفلسطينيين وسكان غزة على وجه الخصوص.
كما عرض المنظمون في الجلسة الافتتاحية مقطع فيديو عن معاناة الأطفال الفلسطينيين خلال الحرب، لتسليط الضوء على حجم الألم والدمار في القطاع.
يشار إلى أن منتدى “تي آر تي” في إسطنبول بدأ للمرة الأولى عام 2017، وضم أكثر من 8500 ضيف و651 متحدثا من العديد من البلدان على مدى 6 سنوات. كما اشتمل على 30 خطابا بروتوكوليا، و52 جلسة مفتوحة و59 اجتماع مائدة مستديرة.