“السجن 5 سنوات نافذة ومصادرة الأموال المتحصل عليها بطرق غير قانونية مع الحرمان من الحقوق المدنية”، هذا هو منطوق الحكم الذي قضت به محكمة نواكشوط المختصة بجرائم الفساد في الرابع من ديسمبر/كانون الأول الجاري، على الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الذي حكم البلاد في الفترة الممتدة بين 2009-2019.
وقد أعادت محاكمة ولد عبد العزيز إلى الأذهان تاريخ الرؤساء الموريتانيين السابقين الذين تعرضوا للسجن والملاحقة بعد خروجهم من القصر الرئاسي.
وعلى مدار الستين عاما الماضية تعاقب على حكم موريتانيا10 رؤساء تشابهت مصائر أغلبهم، سواء المدني منهم والعسكري.
وقد رصدت الجزيرة نت عبر هذا التقرير مسار الرؤساء الموريتانيين الذين تعرضوا للإدانة والسجن والنفي والمضايقة ومصادرة الأموال.
الجنرال محمد ولد عبد العزيز:
الرئيس التاسع لموريتانيا، كان قائدا للحرس الرئاسي، حكم البلاد بعد انقلاب عسكري في السادس من أغسطس/آب 2008 على الرئيس المدني المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.
ترأس ولد عبد العزيز البلاد لولايتين متتاليتين من 2009 حتى 2019.
وعندما قال، إنه يريد احترام الدستور الذي يمنع الترشح لمأمورية ثالثة، اختار وزير دفاعه ورفيقه محمد ولد الغزواني -الذي شارك معه في انقلابين- ليكون خلفا له، حتى لا يقع فيما وقع فيه الرؤساء السابقون من المحاكمات والملاحقات.
لكنّ رياح السياسة لم تجر بما يشتهيه ولد عبد العزيز، فسرعان ما انقطع حبل الود بينه وخلفه ولد الغزواني، فاتهمه عدد من أركان حكمه -الذين كانوا يطالبونه بمأمورية ثالثة- بالفساد وطالبوا بمحاكمته.
وفي يناير/كانون الثاني 2020 صادق البرلمان على تشكيل لجنة للتحقيق في ملفات قالت، إنها على صلة بالفساد وسوء التسيير، عرفت لاحقا بـ”ملف العشرية” إشارة إلى فترة حكم ولد عبد العزيز الذي حكم البلاد 10 سنوات متتالية.
واستمعت اللجنة البرلمانية لعدد من الوزراء في عهده، وطالبته بالمثول أمامها، ثم أحالت ملفه للمحاكم المختصة.
وقد اتهمه القضاء بالإثراء غير المشروع وتبديد ممتلكات الدولة، وجمّد حوالي 100 مليون دولار قال، إنها من أمواله، وأموال بعض المقربين منه.
وبعد 4 سنوات من الاتهام، والتحقيق، والمحاكمة، والسجن الاحتياطي، أصدر القضاء الموريتاني يوم 4 ديسمبر/كانون الأول الجاري، قراره بسجن ولد عبد العزيز 5 سنوات، ومصادرة أمواله المتحصل عليها من الإثراء غير المشروع.
ويوافق هذا الحكم انتهاء الفترة الثانية للرئيس الحالي محمد ولد الغزواني، وذلك ما يعني تحييد ولد عبد العزيز عن المشهد السياسي طيلة المأمورية الثانية.
الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله:
أول رئيس مدني ينتخب عن طريق الاقتراع العام المباشر في تاريخ موريتانيا، وقد خاض انتخابات رئاسية وصفت بأنها نزيهة في 2007، ونجح في الجولة الثانية، تسلّم الرئاسة من رئيس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية الذي كان يقود مرحلة انتقالية يوم 19 أبريل/نيسان 2007.
وفي السادس من أغسطس/آب 2008 أطاح به العسكر في انقلاب عسكري قاده الجنرال محمد ولد عبد العزيز.
اعتقل سيدي محمد ولد الشيخ محمد عبد الله دون محاكمة ثم أحيل للإقامة الجبرية في مسقط رأسه “قرية لمدن” بولاية لبراكنة (250 كلم) شرقي العاصمة نواكشوط.
وقد أخلي سبيل ولد الشيخ عبد الله بعد اتفاق دكار في يونيو/حزيران 2009 الذي قبل من خلاله أن يقدّم استقالته ويتخلىّ عن طموحه السياسي.
العقيد أعلي ولد محمد فال:
قاد انقلابا على الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطائع في الخامس من أغسطس/آب 2005 وترأس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية ورئاسة الدولة.
ونظمت في عهده انتخابات رئاسية رفض المشاركة فيها وشهد الطيف السياسي بنزاهتها، وسلّم السلطة للمدنيين في 19 أبريل/نيسان 2007.
وبعد خروج العقيد أعلي ولد محمد فال من السلطة تمت مضايقته، ومنع من راتبه ومستحقاته المالية الذي يتقاضاها الرؤساء السابقون من خزينة الدولة، وقد توفي في 2017 في ظروف وصفت بأنها غامضة وغير طبيعية.
العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع:
حكم البلاد 21 سنة وكان أطول الرؤساء فترة في القصر، وقد وصل للسلطة عن طريق انقلاب عسكري على الرئيس محمد خونه ولد هيداله يوم 12 ديسمبر/كانون الأول 1984، وقد حاول بعض العسكريين الإطاحة به في 2003 لكنهم أخفقوا في ذلك.
وفي يوم 3 أغسطس/آب 2005 أطاحت به مجموعة من كبار الضباط عرفوا بـ”المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية”.
وإثر الانقلاب عليه لجأ العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع للنيجر ثم إلى غامبيا، وأخيرا استقر به المقام في الدوحة وما يزال لاجئا فيها، وتطالب مجموعات عرقية وسياسية بتقديمه للعدالة ومحاكمته.
محمد خونا ولد هيداله:
تولّى حكم البلاد في 4 يناير/ كانون الثاني 1980 بعد أن نفّذ انقلابا ضد الرئيس محمد محمود ولد أحمد لولي.
وأطاح به انقلاب عسكري في 12 ديسمبر/كانون الأول 1984، ووقتها كان في زيارة لعاصمة نيجيريا أبوجا وعندما رجع للعاصمة اعتُقل وسجن 4 سنوات.
وفي 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1988 أطلق سراح محمد خونا ولد هيداله، وعندما رجع للحياة السياسية وترشح للانتخابات الرئاسية سنة 2003 اتهم بالتخطيط للانقلاب، وقُدّم للعدالة وحكم عليه بالسجن 5 سنوات مع وقف التنفيذ.
المصطفى ولد محمد السالك:
كان قائدا للجيش ووصل للرئاسة عن طريق انقلاب على الرئيس المختار ولد داداه يوم 10 يوليو/تموز 1978، وقد أُزيح من طرف اللجنة العسكرية للخلاص الوطني يوم 3 يونيو/حزيران 1779.
اعتقل ولد السالك 3 سنوات وحوكم أمام القضاء العسكري بتهمة التدبير للانقلاب، وحكم عليه بالسجن 10 سنوات لكن أخلي سبيله في 1984.
الرئيس المؤسس المختار ولد داده:
حكم البلاد من يوم الاستقلال 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1960 ثم انتخبه البرلمان الموريتاني، وبقي في الحكم حتى أطاح به الجيش في 10يوليو/تموز 1978.
وفور الإطاحة به اعتقل وأرسل لسجن ولاته (1350كلم شرق العاصمة نواكشوط) وبعد 16 شهرا من السجن، تدهورت صحته وأرسل للعلاج في فرنسا.
وفي 1980 حوكم غيابيا بتهمة الخيانة العظمى والمساس بالدستور، وحكم عليه بالمؤبد والأشغال الشاقة.
استثناء
ولم ينج من قاعدة الاعتقال والملاحقة إلا الضابط محمد محمود ولد أحمد لولي، كان ضابطا في المؤسسة العسكرية حكم البلاد يوم 3 يونيو/حزيران 1979 وأُطيح به في 4 يناير/كانون الثاني 1980.
وبعد الإطاحة به ترك المشهد واعتزل الحياة السياسية، وواظب على المساجد وانخرط في جماعة الدعوة والتبليغ.
وكذلك شذ عن قاعدة الملاحقة رئيس مجلس الشيوخ مامادو با الملقب إمبارى، الذي حكم البلاد 3 أشهر من تاريخ 15 أبريل/نيسان إلى 5 أغسطس/آب 2009.
وتولى الرئاسة في فترة الشغور التي نصّ الدستور على أن رئيس مجلس الشيوخ يكون رئيسا خلالها.
العودة للمشهد
ولا يترك الرؤساء الموريتانيون السابقون الحياة السياسية، فبعد سجنهم وتحجيم دورهم يعودون للمشهد السياسي.
فقد ترشح المصطفى ولد السالك بعد الإفراج عنه للرئاسة في انتخابات في 1992 و1997.
كما ترشح المقدم محمد خونه ولد هيداله للرئاسة في 2003 وذلك بعد عقدين من الإطاحة به والزج به في السجن.
وبعد خروجه من السلطة انضم العقيد اعل ولد محمد فال لقادة المعارضة، وترشّح ضد الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
أما ولد عبد العزيز فبعد خروجه من السلطة قال، إنه لن يخرج من الحياة السياسية، وانضم للحزب الحاكم وحاول السيطرة عليه فترة يسيرة، لكن أعضاء المكتب التنفيذي تنكّروا له، وحاولوا إبعاده من قيادة الحزب.
وبعد مضايقات له في الحزب الحاكم انضم في 2020 لحزب الرباط، وقال، إنه سيحارب المفسدين وأركان النظام السياسي القائم، لكنه اعتقل وقدّم للمحاكمة قبل خوض الانتخابات.
المساءلة ومخاوف الخروج
وفي تعليق للجزيرة نت قال المحامي والأستاذ الجامعي الدكتور محمد الحسن ولد اعبيدي، إن مساءلة الرؤساء بعد خروجهم من السلطة عن أفعالهم المجرّمة بالقانون أمام القضاء سيحدّ من نزعة التصرف في المال العام، وتبديده في طرق الفساد.
لكن الدكتور ولد اعبيدي أكّد أن محاكمات الرؤساء وملاحقتهم لن تكون رادعة للرؤساء المقبلين، ما لم يتم تطهير الإدارة من الطبقة الفاسدة التي تتحكم في تسيير الأشخاص وتوجيههم؛ لأن الرئيس قد يأتي بخلفية مشبعة بالمبادئ والمثل العليا، وما يلبث أن ينقلب على كل شيء لصالح الطبقة التي تتحكم في مفاصل الدولة.