قال المدير التنفيذي السابق لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” كينيث روث إن حصار قطاع غزة عقوبة جماعية، و”إنه جزء من نظام الفصل العنصري الذي تفرضه حكومة إسرائيل على الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال”، وإن “تحولا كبيرا حدث في السنوات الأخيرة في مواقف اليهود الأميركيين تجاه حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية، ولا ينبغي أن يكون هذا مفاجئا”.
وأضاف -في حوار خاص للجزيرة نت- أن القانون الإنساني الدولي يطالب بالسماح للمدنيين بالحصول على المساعدات الإنسانية، ولا شك أن المدنيين في غزة في أمس الحاجة لهذه المساعدات، نظرا للحصار الذي استمر أكثر من 16 عاما وجعلهم معتمدين على المساعدات، بالإضافة إلى الدمار الذي تسبب فيه القصف والتهجير القسري.
وكينيث روث يعمل حاليا أستاذا زائرا في كلية برنستون للشؤون العامة والدولية في جامعة برنستون بالولايات المتحدة، وسبق أن تولى قيادة منظمة “هيومن رايتس ووتش” خلال الفترة من 1993 حتى عام 2022.
وأشار في حواره إلى أنه تعرض -شخصيا- لضغط كبير قبل عام في كلية كينيدي هارفارد نتيجة آرائه السياسية والحقوقية، حيث “رفض العميد منحي منحة دراسية في مجال حقوق الإنسان بسبب انتقادي في هيومن رايتس ووتش لإسرائيل”.
ورأى “عراب العمل في مجال حقوق الإنسان” أن نهاية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ستتطلب إنهاء الاحتلال، حيث أدى بناء المستوطنات الإسرائيلية إلى جعل هذا الأمر أكثر صعوبة، لأن البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة أدت إلى تقليص الحكم الفلسطيني، ولم تعد هناك دولة متصلة أو قابلة للحياة.
وإلى تفاصيل الحوار..
-
ما السند القانوني أو الإنساني الذي يوجب فتح معبر رفح حتى من دون موافقة إسرائيل؟
يطالب القانون الإنساني الدولي بالسماح للمدنيين بوصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، ولا شك أن المدنيين هناك في أمس الحاجة لهذه المساعدات، نظرا للحصار الذي استمر 16 عاما، الذي جعلهم معتمدين على المساعدات، بالإضافة إلى الدمار الذي تسبب فيه القصف والتهجير القسري.
من الواضح أنه يمكن لمصر فتح معبر رفح من دون موافقة إسرائيل، ولكن حكومة مصر كانت شريكا وثيقا في حصار غزة والآن في الحصار الحالي. وهناك أيضا خطر أن تقوم إسرائيل بقصف أي شيء يعبر إلى غزة من دون موافقتها.
ويجب أن أشير إلى أن معبر رفح من مصر صغير جدا على التعامل مع 500 شاحنة تجارية وإنسانية كانت تصل إلى غزة يوميا قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فمعبر رفح -في الأساس- مخصص للأفراد، ولهذا يجب أيضا على إسرائيل فتح معبر كرم أبو سالم للشاحنات، ويجب أيضا عليها إعادة توصيل المياه والكهرباء إلى غزة، وإلا ستتفاقم معاناة المدنيين.
يجب على رؤساء الجامعات أن يعلنوا بوضوح أنهم لن يقبلوا أي تبرعات من المانحين الذين يحاولون استخدام منحهم المالية للتأثير على حرية الأكاديميين والطلاب
-
هل واجهت الجامعات الأميركية ضغوطا من المانحين بسبب انتقاد بعض الطلاب لإسرائيل؟ وكيف تتوقع مستقبل حرية الجامعات؟
لقد تعرضت إدارات الجامعات لضغوط نتيجة توجيه بعض الطلاب انتقادات لإسرائيل، وكنت أتوقع أن يعتمد مستقبل حريات الجامعات -سواء كانت عامة أو خاصة غير ربحية- بشكل كبير على قدرتها على الدفاع عن حرية الأكاديميين والطلاب في التعبير عن آرائهم حول الأحداث العالمية.
خلال فترة رئاستي لمنظمة هيومن رايتس ووتش (1993-2022)، لم أكن سأقبل تبرعا من مانح يحاول توجيه تقاريرنا وتحليلاتنا الموضوعية. إن هذا هو ثمن الوقوف بحزم لصالح مبادئ حقوق الإنسان. وبالمثل، يجب على رؤساء الجامعات أن يعلنوا بوضوح أنهم لن يقبلوا أي تبرعات من المانحين الذين يحاولون استخدام منحهم المالية للتأثير على حرية الأكاديميين والطلاب.
الحصار عقوبة جماعية، ومصمم لعرقلة الاقتصاد في غزة بالكامل، حيث يمنع معظم المدنيين من السفر إلى العمل أو الدراسة أو زيارة العائلة، وينبغي أن ينتهي بشكل واضح
-
وهل تعرضت لمثل هذا الضغط على المستوى الشخصي؟
واجهت هذا الضغط قبل عام في كلية كينيدي هارفارد، حيث رفض العميد منحي منحة دراسية في مجال حقوق الإنسان بسبب انتقادي في هيومن رايتس ووتش لإسرائيل. ولقد أنكر أنه تحدث إلى المانحين، لكنه قال إن ذلك كان بناء على طلب أشخاص غير محددين “كانوا مهمين” له.
الشيء الوحيد الذي استنتجناه هو أن هؤلاء الأشخاص لا بد أن يكونوا قلقين بشأن ردة فعل المانحين.
وعاد العميد عن قراره وسمح بمنحتي للزمالة بعد احتجاج كبير من قبل الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والخريجين ووسائل الإعلام بسبب هذا الانتهاك للحرية الأكاديمية.
-
كيف تنظر إلى المنظمات الدولية -بما في ذلك الأمم المتحدة ووكالاتها- بعد فشلها في وضع حد للحرب في غزة؟
لا ينبغي أن تكون لدينا توقعات مفرطة تجاه الأمم المتحدة، فأقصى ما يمكنها القيام به هو التعبير عن رأيها بشأن أمور مثل جرائم الحرب، وهي أيضا مكان تجتمع فيه حكومات العالم التي لديها تأثير أكبر بكثير.
على سبيل المثال، حكومة الولايات المتحدة أكبر مزود للأسلحة والمساعدة العسكرية لإسرائيل، وينبغي لها أن تمتنع عن تقديم أي أسلحة أو مساعدة يمكن استخدامها في قصف أو الهجوم على المدنيين الفلسطينيين. على الأقل، يجب أن تربط رسميا أي أسلحة أو مساعدة بوقف هذه الهجمات.
-
إذا فشلت إسرائيل في القضاء على حماس، هل تتوقع أن يستمر الحصار بالطريقة نفسها التي كانت عليها قبل اندلاع الحرب؟
الحصار عقوبة جماعية، إنه أكثر قمعا من منع شحنات الأسلحة إلى حماس، إنه مصمم لعرقلة الاقتصاد في غزة بالكامل، حيث يمنع معظم المدنيين من السفر إلى العمل أو الدراسة أو زيارة العائلة، وينبغي أن ينتهي بشكل واضح.
حدث تحول كبير في السنوات الأخيرة في مواقف اليهود الأميركيين تجاه حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية، ولا ينبغي أن يكون هذا مفاجئا
إنه جزء من نظام الفصل العنصري الذي تفرضه حكومة إسرائيل على الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال. ومع ذلك، لم تظهر “حكومة نتنياهو المتطرفة” أي مؤشر على رفع الحصار، ونأمل فقط أن تتولى حكومة إسرائيلية أكثر إحساسا بالمسؤولية.
-
تلقت المحكمة الجنائية الدولية طلبات من بعض الدول للتحقيق في الهجمات الإسرائيلية على غزة، هل تتوقع أن تتخذ المحكمة إجراءات ملموسة؟
أجرت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا مفتوحا في ما يحدث في فلسطين منذ مارس/آذار 2021، ومع ذلك ظل المدعي العام الحالي كريم خان يتابع التحقيق من دون أي إشارة واضحة حتى وقت قريب إلى أنه سيمضي قدما في التحقيق، وأخيرا مع ارتكاب جرائم الحرب في غزة وإسرائيل عقد مؤتمرا صحفيا في رفح بمصر في أكتوبر/تشرين الأول 2023، مما يشير إلى أنه سيأخذ الأمر على محمل الجد، كما زار عائلات الضحايا الإسرائيليين من دون زيارة ضحايا القصف الإسرائيلي على غزة. وآمل أن يتحرك على وجه السرعة لتوجيه اتهامات بارتكاب جرائم حرب ضد المسؤولين الإسرائيليين ومسؤولي حماس في أقرب وقت ممكن، ومن شأن ذلك أن يساعد في ردع المزيد من جرائم الحرب.
نتنياهو تخلى منذ فترة طويلة عن معظم اليهود الأميركيين كمصدر للدعم السياسي، ويعتمد بشكل أساسي على الإنجيليين المسيحيين الذين يدعمون إسرائيل
-
أنت يهودي وانتقدت مرارا انتهاكات الحكومة الإسرائيلية لحقوق الإنسان، وكذلك فعلت العديد من الجماعات اليهودية، فهل هذا التوجه يعكس رأي نسبة كبيرة من اليهود في الولايات المتحدة؟
لقد حدث تحول كبير في السنوات الأخيرة في مواقف اليهود الأميركيين تجاه حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية، ولا ينبغي أن يكون هذا مفاجئا، لأن معظم اليهود الأميركيين ينتمون إلى يسار الوسط من الطيف السياسي، وهم غير راضين عن احتلال نتنياهو الذي لا نهاية له، وتوسعه الاستيطاني، والفصل العنصري.
ومع ذلك ما زال بعض اليهود الأميركيين يدعمون نتنياهو، مثل منظمة “أيباك” ولجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية القوية التي يبدو أنها تدعم الحكومة الإسرائيلية بغض النظر عن فظاعة قمعها للفلسطينيين تحت الاحتلال، لكنها تمثل أقلية من حيث العدد، ولهذا السبب تخلى نتنياهو منذ فترة طويلة عن معظم اليهود الأميركيين كمصدر للدعم السياسي، ويعتمد بشكل أساسي على الإنجيليين المسيحيين الذين يدعمون إسرائيل لأنهم يرون أنها مقدمة للمجيء الثاني للمسيح.
-
ورغم كونك يهوديا فقد اتهمت بمعاداة السامية وكراهية اليهود، ألا ترى أن هذه تهمة جاهزة لإسكات أي نقد لإسرائيل؟
إنني أشعر بقلق عميق إزاء إساءة استخدام اتهامات معاداة السامية في محاولة لإسكات الانتقادات الموجهة إلى قمع الحكومة الإسرائيلية. من الواضح أن بعض منتقدي إسرائيل معادون للسامية، لكن العديد من الأشخاص الذين يوجهون انتقادات مشروعة لسوء السلوك الإسرائيلي ليسوا كذلك.
معاداة السامية مشكلة عالمية خطيرة، وأنصار الحكومة الإسرائيلية يقوضون النضال المهم ضد معاداة السامية عندما يتعاملون مع معاداة السامية بوصفها علامة ملائمة لخنق انتقاد إسرائيل، وهذا يقلل من قيمة مفهوم معاداة السامية ويضعف المعركة المهمة ضدها.
تعاطف كثير من الناس مع إسرائيل بعد هجوم حماس على المدنيين الإسرائيليين في أكتوبر/تشرين الأول، لكن إسرائيل سرعان ما فقدت الدعم الشعبي بسبب الخسائر الفادحة التي ألحقتها بالمدنيين الفلسطينيين
-
انتقدت هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وسبق أن صرحت بأنك تؤيد الحق في مقاومة الاحتلال، فما الخيارات التي تقترحها لاستعادة الشعب الفلسطيني حقوقه؟
لا يوجد أي مبرر على الإطلاق لمهاجمة المدنيين واختطافهم، وهي تعتبر دائما جريمة حرب، لذا فلا يهم إذا كانت حماس ترد على الاحتلال الإسرائيلي الذي لا نهاية له، والتوسع الاستيطاني، والفصل العنصري، ستبقى مهاجمة المدنيين واختطافهم جريمة حرب.
-
حسب استطلاعات رأي مختلفة، هناك تحولات جوهرية في الرأي العام الأميركي نحو إظهار المزيد من التعاطف مع الفلسطينيين، فما أسباب هذا التحول؟ وكيف يمكن للجامعات التعامل مع هذه التغيرات؟
لقد تعاطف كثير من الناس مع إسرائيل بعد هجوم حماس على المدنيين الإسرائيليين في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لكن الحكومة الإسرائيلية سرعان ما فقدت الدعم الشعبي بسبب الخسائر الفادحة التي ألحقتها بالمدنيين الفلسطينيين في غزة أثناء قصفها وحصارها. إن جرائم الحرب التي يرتكبها أحد الطرفين لا تبرر أبدا جرائم الحرب التي يرتكبها الجانب الآخر، وإن التحول في الرأي العام يعكس هذا الواقع القانوني.
المستوطنات والبؤر الاستيطانية والطرق الالتفافية في الضفة الغربية المحتلة أدت إلى تقليص الحكم الفلسطيني ولم تعد دولة متصلة أو قابلة للحياة
-
هل يمكن تحقيق السلام بين الطرفين وإقناع الجميع بأن هذا ليس صراعا بين المسلمين واليهود؟
ليس الصراع بين المسلمين واليهود، هناك العديد من المسلمين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك الفلسطينيون في الدول المجاورة وفي إسرائيل، يعيشون في سلام مع إسرائيل لأنهم لا يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي، كما أن هناك العديد من اليهود في إسرائيل وفي جميع أنحاء العالم الذين يعارضون قمع حكومة نتنياهو.
إن نهاية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ستتطلب إنهاء الاحتلال، وقد أدى بناء المستوطنات الإسرائيلية التي لا نهاية لها إلى جعل هذا الأمر أكثر صعوبة، لأن المستوطنات والبؤر الاستيطانية والطرق الالتفافية في الضفة الغربية المحتلة أدت إلى تقليص الحكم الفلسطيني إلى سلسلة من “البانتوستانات”، وليس كدولة متصلة وقابلة للحياة، والحلول هي إما الاعتراف بواقع الدولة الواحدة مع حقوق متساوية لجميع السكان، أو تفكيك أو نقل معظم تلك المستوطنات، إن لم يكن كلها، كجزء من اتفاق سلام ينشئ دولتين مستقلتين إسرائيلية وفلسطينية.