قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، إن حقيقة التوكل على الله رعاية الأسباب، إذا راعيت الأسباب فأنت متوكلٌ على الله، إذا تركت الأسباب فأنت متواكل، ولست متوكلًا.
جاؤ في حديث وإن كان بسندٍ ضعيف: أن أحدهم أتى ببعيرٍ فتركه خارج المسجد، وسأل رسول الله ﷺ: يا رسول الله، هذه بعيري أو راحلتي، أعقلها وأتوكل . – يعني: أربطها لكي لا تذهب هنا ولا هنا، وتوكل على الله. يعني: آخذ بالسبب وأتوكل على الله؟ أو أتركها وأتوكل؟- قال: «بل اعقلها وتوكل».
فصارت هذه العبارة مثالًا بين الناس. يقول لك: يا أخي، اعقلها وتوكل. يعني: ائتِ من الأسباب ما تستطيع ثم قل: يا رب.
حتى قالوا: إن الفلاح يلقي الْحَبّ ثم يدعو ويقول: يا رب. فإذا لم يلقِ الْحَبّ لن يوجد زرع ، يعني: لو جلس الفلاح ولم يلقِ الْحَبّ وقال: يا رب، أنبت لي هنا قمحًا ، ولا شيء حيطلع .
لكن لو ألقى الْحَبّ -حَبّ القمح- ودعا: يا رب، استرها، يا رب، أنزل المطر، يا رب، طَلَّع النبات. فيطلع النبات .
إذن، ترك الأسباب: جهل، والاعتماد على الأسباب وأن هي الفاعلة شرك .
قال العلماء -وهذا موجود في حديث عمر بن الخطاب : « لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير». وماذا عن الطيور ؟ تغدو وتروح. ولكن إذا جلست في وكناتها، في أوكارها، في عشتها، ولم تسعى ؟ والله في سماه، ما هتاكل ولا هتشرب. لازم الطير يطلع يبحث عن رزقه، فربنا يرزقه.
إذن لابد من السبب «تغدو خماصًا». (خماصًا) يعني: جائعة ، عايزه تاكل، «وتروح … » ترجع « … بطانًا». بطنها مليان وشبعانة ، من أين أتت بالرزق ؟ ربنا رزقها، من غير تدبير .
سيدنا النبي ﷺ عندما خرج إلى أُحُد، دخل فلبس درعين، وليس درع واحد، وخالف بينهما. يعني: درع في الوجه ، ودرع بالظهر، الدرع ده عبارة عن زراديات من الحديد؛ علشان السيف لو نزل عليها لا يجرح .
ولكن أليس درع واحد يكفى؟ لأ، درعين، درع فوق درع. ولبس الخوذة، يسموها: اللأمة.
ولكن الله تعالى قال له: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ربنا يحميه فلا يوجد شيء يؤذيه ، ولكن يجب أن نأخذ بالأسباب ونلبس الدرع، ونخالف معه درع أخر، ونلبس الخوذة، ونحضَّر السيف، ونقول: يا رب انصرنا، يا رب استرها معنا.
إذن لابد من الغدو والرواح؛ حتى يتحقق التوكل مع إتيان الأسباب وليس الاعتماد عليها، ونقول دائمًا : يا رب.
فيأتي من يقول: هذا الفلاح الذى ألقى الْحَبّ دعا، وهذا الفلاح الذى ألقى الْحَبّ لم يدع، فهذا حَبّه خرج وهذا حَبّه خرج !
فنرد عليه: ربنا سبحانه وتعالى هو الذى رزق هذا، ورزق هذا ، والذى لم يدع هو حر فـ«الدعاء هو العبادة» فهو عايش في حياته بِرِجْل واحدة، عايش بالحياة الدنيا وأسبابها ، أما الذى دعا فهو في حالة عبادة، في حالة إيمانية، في حالة يرى فيها الحقيقة.
إذن نحن نقرأ القرآن، ونقرأ الأكوان: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}. وهو الأكوان.
{اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} وهو الوحي، فنحن نرى كتاب الله هذا، وكتاب الله هذا.
هذه الأحاديث رَبَّت في أنفس المسلمين أعلى أنواع التوكل على الله، والتوكل على الله ينتج منه: الرضا بأمر الله.
التوكل على الله ينتج منه: التسليم والرضا بأمر الله، وأنه لا يكون في كونه سبحانه وتعالى إِلَّا ما أراد، فاللهم اجعلنا مِمَّنْ يتوكلون عليك حَقَّا.