نشرت صحيفة “التايمز” البريطانية قبل أيام قصة مطولة لشهادة قالت إنها لأحد الناجيين من هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، روى فيها تفاصيل “مروعة” حول ارتكاب عناصر من حماس حادثة اغتصاب بحق فتاة إسرائيلية قبل قتلها.
ورد كثيرون على القصة، وعلى كونها لا تستند لمعايير صحفية رصينة، خاصة أنها تعتمد على شهادة واحدة، دون التحقيق من صدقيتها.
وقد قامت “بي بي سي” بنشر قصة مشابهة استنادا لشهادات لايمكن التوثق من صحتها، فيما بدا أنها محاولة إعلامية لإعادة زخم للدعم الدولي للحرب.
وكانت حركة حماس قد ردت على التقارير التي تتهم أفرادها بارتكاب عنف جنسي خلال عملية 7 أكتوبر، بأنها أكاذيب وتهدف للتغطية على صورة التعامل الإنساني للحركة مع المحتجزين الإسرائيليين، بحسب الحركة.
من جهتها، فندت المؤثرة والإعلامية منى حوا الروايات، وكشفت عن ارتباط الشهود بمؤسسات إسرائيلية ذات سمعة سيئة، بما فيها اتهامات بالاغتصاب لمسؤولين كبار داخلها. بل إن حوا وفي فيديو من حوالي 10 دقائق، سردت العديد من الأدلة التي أثارت جدلا واسعا حول استخدام الاحتلال الإسرائيلي تكتيك اختلاق قصص مروعة بهدف شيطنة الفلسطينيين، وتبرير البربرية التي يرتكبها جيشه بحق أطفال ونساء غزة.
وتتصاعد مخاوف من ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي جرائم حرب جديدة في غزة، قد تتضمن اعتداءات جنسية، في ظل التحشيد الإعلامي الإسرائيلي للترويج بارتكاب الفلسطينيين انتهاكات من هذا النوع في هجوم 7 أكتوبر.
وتبرز هذه المخاوف انطلاقا من سجل طويل للجيش الإسرائيلي في ارتكاب اعتداءات جنسية في الضفة الغربية يستعرضها هذا التقرير. إذ وثقت منظمات حقوقية، ووثائق أمام المحاكم، حالات اغتصاب وانتهاكات جنسية اقترفها جنود إسرائيليون بحق ضحايا مدنيين فلسطينيين.
وتناول تقرير منى حوا مسألة الإفلات من العقاب لمقترفي الاعتداءات الجنسية من جنود وقوات الاحتلال الذي عادة ما يتسم فيه هذا السلوك، خاصة عندما تخضع جرائمهم لآليات المحاسبة الشكلية أمام المحاكم الإسرائيلية.
وكانت آخر حادثة قد كشف عنها الموظف المستقيل من الخارجية الأمريكية مؤخرا، جوش بول، الذي ترك منصبه احتجاجا على سياسات بلاده في انتهاك القانون الدولي من خلال دعمها لجرائم الحرب الإسرائيلية المرتكبة في غزة.
وقد كشف بول خلال لقائه على قناة “سي إن إن” بأنه كان جزءا من عملية فحص حالة حقوق الإنسان في وزارة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الأمريكية المتجهة إلى إسرائيل، وأنهم كانوا قد تلقوا خبراً من مؤسسة حقوقية فلسطينية، هي الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في فلسطين، تشير إلى وقوع عملية اغتصاب نفذها عناصر أمن إسرائيليون بحق طفل فلسطيني يبلغ من العمر 13 عاما خلال اعتقاله في سجن المسكوبية في القدس.
وتابع بول أنهم دققوا في القصة التي اعتقدوا أنها كانت صادقة، وهو ما دفعهم لإبلاغ الحكومة الإسرائيلية، التي قامت بدورها بتوجيه الجيش الإسرائيلي لاقتحام مقر المؤسسة الفلسطينية وإغلاقها، ومن ثم إعلانها كيانا إرهابيا.
ولا تبدو حالات الاعتداءات الجنسية والاغتصاب معزولة في سلوك قوات الأمن والجيش الإسرائيلي، في ظل الخطاب الذي ينزع فيه قادته الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين، وكان آخرها تصريحات وزير الدفاع غالانت بأنهم يتعاملون مع “حيوانات بشرية” في غزة.
وفي هذا السياق، لفت البروفسور هيدي فيتيربو، أستاذ القانون في جامعة كوين ماري لندن، إلى سلسلة منشورات كان قد غرّد بها قبل حوالي 4 سنوات على حسابه في منصة إكس، تناولت بشكل موثق حوادث الاغتصاب والاعتداء الجنسي بحق الضحايا الفلسطينيين المرتكبة من قبل الجنود وعناصر الأمن الإسرائيليين. ولفت فيتيربو إلى كون هذه الممارسات غالبا ما كانت تفلت من العقاب رغم الإدانات القضائية.
ويبدأ فيتيربو بدحض نتائج دراسة إسرائيلية نُشرت في عام 2006، ادعت أن حوادث الاغتصاب التي اقترفتها القوات الإسرائيلية بحق فلسطينيات منذ 1950 نادرة ولا أساس لها. ويستشهد أستاذ القانون في كوين ميري بإدانة حارس إسرائيلي قام باعتداء جنسي داخل أحد سجون الاحتلال مستشهدا بقرار إدانته المنشور باللغة العبرية.
وتابع فيتيربو أنه في عام 2018 مثَلَ جنديان إسرائيليان أمام المحكمة، بسبب إجبارهما امرأة فلسطينية على خلع ملابسها، قبل أن يقوما بالتحرش بها وبملامسة أعضائها الحساسة. وفي السياق ذاته يضيف الدكتور هيدي، أنه في عام 2016 أُدين جندي إسرائيلي بارتكاب جرائم جنسية خطيرة بحق امرأة فلسطينية. وأكد أن السلطات الإسرائيلية لديها سجل طويل في التجاهل المنهجي للشكاوى الفلسطينية، إذ يعتقد الأكاديمي البريطاني بوجود حوادث اغتصاب واعتداءات جنسية أخرى قد حدثت.
وقد كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في وقت سابق من هذا العام قيام مجندتين إسرائيليتين بإجبار 5 فتيات فلسطينيات خلع ملابسهن في مدينة الخليل. وذكرت الصحيفة أن الحادث وقع تحت تهديد السلاح وإطلاق كلب شرس مدرب لمهاجمتهما.
وكانت قناة الجزيرة قد نشرت في 2017 قصة اغتصاب امرأة فلسطينية من قبل عناصر الشرطة الإسرائيلية على أحد حواجز الاحتلال في القدس، حيث روت المرأة محاولات التحرش بها قبل اقتيادها إلى أحد المقرات، حيث أدخلها شرطي إسرائيلي إحدى الغرف، واغتصبها وهي تصرخ وتستنجد دون أن ينقذها أحد. وقد رفضت أجهزة القضاء الإسرائيلية فتح أي تحقيق في الحادثة، رغم تقدم الضحية بشكوى أكثر من مرة. ومثل هذه الحوادث كانت قد تكررت في السابق، ففي عام 2005 وجهت النيابة العامة الإسرائيلية اتهاما بالاغتصاب لضابط الحراسة الإسرائيلي، عوديد زخاريا، الذي كان يعمل في مستوطنة “معاليه أدوميم” في القدس، حيث كشفت لائحة الاتهام أن زخاريا قام بالاعتداء الجنسي على طفلة فلسطينية تبلغ من العمر 14 عاما، حيث اغتصبها 10 مرات، في وقت قام الحارس ذاته باغتصاب فتاة أخرى تبلغ من العمر 23 عاما تحت تهديد السلاح.
وتشير الحوادث المتكررة لحالات الاغتصاب والاعتداء الجنسي التي يرتكبها جنود الاحتلال إلى كونها سلوكا ممنهجا، خاصة أن المعتدين عادة ما يفلتون من العقاب، أو يخضعون لعقوبات رمزية وخفيفة. فقد أعادت المحكمة الإسرائيلية ضابطا إسرائيليا إلى الجيش بعد فصله منه إثر إدانته باغتصاب فلسطينية خلال خدمته في الإدارة المدنية بين عامي 2013-2015. وكان الجيش الإسرائيلي قد أخفى تفاصيل الحادثة لمدة 5 سنوات قبل أن يضطر للكشف عنها في إطار معركة قانونية استمرت سنوات مع موقع “واينت” الإخباري العبري. وقد برر الجيش حينها منع نشر التفاصيل بالادعاء أنها “خطر على الأمن القومي”.
تمثل هذه الممارسات امتدادا لسياسة مزمنة من التمييز العنصري ونزع الصفة الإنسانية عن الضحايا، عبر العديد من التصريحات والتطبيقات القانونية. فقد خضع الجيش الإسرائيلي لتعاليم دينية تبيح له اغتصاب غير اليهوديات بحسب حاخام الجيش الكولونيل إيال كريم، الذي عينه وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان في عام 2016. وكانت مثل هذه التعاليم العنصرية قد أثارت جدلا في حينها، حيث كان الحاخام كريم قد قال “إن الجماع مع الإناث غير اليهوديات خطير للغاية، لكنه مباح خلال الحرب”.