عالمنا الثقافى اليوم يعج بمتغيرات وتحولات شتّى.
لم يبقَ للشعوب العربية اليوم إلا أن تقرأ . القراءة زادها لاستشراف غدٍ يفاجئنا اليوم بما يبهتنا ويثير فينا تساؤلاً تلو تساؤل: اليوم حروب مستعرة ؟ فماذا غداً؟ .. العالم اليوم مضطرب؟ فهل غداً سيهدأ؟.. الواقع العربي يتغير؟ فمتى يستقر؟
هناك مفكرون ومثقفون وفلاسفة وأدباء وباحثون وضعوا على أكتافهم مهمة أن يكونوا نقطة ضوء فى غيهب الغد المدلهم. وعلى الناحية الأخرى هناك من يشجع رسالة التنوير الباقية ما بقى لها نقباء. وعلى قمة هؤلاء يأتى المسئولون عن جائزة الشيخ زايد للكتاب الذين وضعوا لبنة من لبنات الثقافة ما تزال ترتفع وتعلو على مدى سبعة عشر ربيعاً ؛ هو عمر جائزةٍ حازت لنفسها موضعاً متألقاً بين الجوائز العالمية والدولية رسخ أقدامها فوق أعلى قمة من قمم العمل الثقافى فى الإقليم والعالم.
الإنصاف .. عملة نادرة
إن ما يجعل للجوائز ما لها من تقدير عالمى ودولى وإقليمى هو ما تحوزه من ثقة ومصداقية وشفافية . وأول علامات تلك الشفافية أننا نعلم كل شئ عن اللجنة المسئولة عن تقييم الأعمال فرداً فرداً ، بدءاً من الدكتور خليل الشيخ، عضو الهيئة العلمية للجائزة من الأردن، والدكتورة أماني جاد الله، عضو الهيئة العلمية للجائزة من مصر، والدكتورة بدرية البشر، من السعودية .. هؤلاء الذين تنعقد بهم لجنة القراءة فى أولى جلسات الدورة الحالية من دورات جائزة زايد للكتاب برئاسة الدكتور علي بن تميم، الأمين العام للجائزة، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية في دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي.
وثانيها أننا نعلم خطوات التحكيم والتقييم ، وأن مراحل الاختيار تمتد لبضعة أشهر بدءاً من مرحلة القوائم الطويلة فلجان التحكيم ، فاجتماع الهيئة العلمية لدراسة تقارير المحكمين ، فالقوائم القصيرة ، انتهاءً لانتقاء الفائزين بالجائزة . ماراثون صعب وطويل ، لكنه ضرورى ومهم ، ومسئولية توضع على كواهل أعضاء اللجان لاختيار أفضل ما يمكن أن تتزين به مكتبات القراء العرب.
ثالثها أننا نعلم ما هى معايير الاختيار عند دراسة الترشيحات المقدمة ، وأنها تشمل التخصص المعرفي، ومستوى عرض المادة المدروسة، ومدى الالتزام بمنهجية التحليل والتركيب المتبعة فيها، وجماليات اللغة والأسلوب، وكفاية وشمول ومعاصرة وأهمية وموثوقية المصادر والمراجع العربية والأجنبية، والأمانة العلمية في الاقتباس والتوثيق، والأصالة والابتكار في اختيار الموضوع، والتصدي له بحثاً ودراسة، فضلاً عن جماليات النشر والإخراج الفني في كل مشاركة.
جمائل الشيخ زايد
سجلت جائزة الشيخ زايد على مدار تاريخها 16,746 ترشيحاً من 50 دولة، ضمن فروعها التسعة وهي: ( الآداب، الترجمة، التنمية وبناء الدولة، الثقافة العربية في اللغات الأخرى، أدب الطفل والناشئة، الفنون والدراسات النقدية، المؤلِّف الشاب، النشر والتقنيات الثقافية، وشخصية العام الثقافية). أمّا في دورتها السابقة فقد استقطبت جائزة الشيخ زايد للكتاب عدداً قياسياً من الترشيحات بلغ 1,900 ترشيحاً من دول العالم المختلفة.
إنها إحدى جمائل الشيخ زايد الذى ترك لنا ميراثاً طويلاً من جمائل شتى نتذكره بها ونترحم بها كعرب وكمصريين على فضائله وميراثه الطيب وذكراه العطرة.
لقد ولد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عام 1918 بقصر الحصن حيث كان يحكم والده الشيخ سلطان بن خليفة إمارة أبو ظبي فى الفترة بين 1922: 1926، وكان ترتيبه الرابع عشر فى سلسلة آل نهيان ، وسمِّى زايد تيمناً بجده الكبير أمير بنى إياس.
ورغم أنه لم ينل حظاً وافراً من التعليم فى زمن ندرة المدارس والتعليم النظامى ، إلا أنه استعاض عنه بتعلم فنون الفروسية ، والأهم منها فنون الحكم التى تقتضى حكمة لا يتمتع بها إلا قلة من الزعماء كان على رأسهم. لقد كان شأن الإمارات قبل الشيخ زايد على النقيض من شأنها بعده ، انتقلت من الحضيض إلى أرفع مكانة وأعلى شأن ، وكان اهتمامه بالتعليم والثقافة فى مقدمة اهتماماته الكبري ، وكان مما قاله فى إحدى جلسات افتتاح المجلس الوطنى الاتحادى : (إننا نؤمن بدور العلم فى بناء الإنسان، وأن العلم هو أساس كل تقدم ، وأن أفضل استثمار للمال هو خلق أجيال من المثقفين والمتعلمين ..).
كان الشيخ زايد رحمه الله له فى كل بلدٍ من بلاد العرب منقبة وفضلاً وذكراً بقى وامتد فى مثل تلك الجمائل التى تركها فى كل مجال وموطئ قدم ، لاسيما فى الثقافة وهموم الفكر العربي .
هؤلاء فازوا بالأمس .. فمن يفوز غداً؟
النسخة السابعة عشرة من الجائزة شهدت تكريماً لعدد من الفائزين هم: الشاعر العراقي علي جعفر العلّاق عن فرع «الآداب»، الكاتب الفرنسي ماتيو تيلييه عن فرع «الثقافة العربية في اللغات الأخرى»، الكاتب الجزائري سعيد خطيبي عن فرع «المؤلف الشاب»، المترجم والكاتب التونسي شكري السعدي عن فرع «الترجمة»، الكاتبة التونسية الدكتورة جليلة الطريطر عن فرع «الفنون والدراسات النقدية»، ودار العين للنشر من مصر عن فرع «النشر والتقنيات الثقافية” .
وفاز الموسيقار المصري عمر خيرت، بجائزة شخصية العام الثقافية، تقديراً لجهوده المتميزة وأعماله الموسيقية اللافتة، وتكريماً لمسيرته الإبداعية التي امتدت عقوداً، قدَّم خلالها مجموعة من الأعمال الموسيقية الخالدة، أسهمت في تشكيل وجدان وثقافة شعوب المنطقة.
ولا شك أن التنوع الملحوظ فى مشارب ومذاهب المؤلَّفات ومؤلفيها يستلفت الانتباه ويسترعى إدراكاً بأن اختيارات اللجنة تستهدف أرقى ما وصل إليه الفكر العربي من إبداعٍ بغض النظر عن موطن هذا الفكر أو جنسيته ما دام يحمل انتماءً أهم وأشمل للأمة العربية.
نتمنى مزيداً من التوفيق والتألق لجائزة الشيخ زايد ومنظميها ، كما نتمنى التوفيق لكل طامحٍ مجتهد من أبناء العروبة ممن لحق بسباق الفكر العربي المتميز.
عبد السلام فاروق يكتب: جائزة زايد.. رسوخٌ على القمة
اترك تعليقك
اترك تعليقك