يرى الكاتب الإسرائيلي يغيل ليفي أن هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي الذي نفذته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) كان مفاجأة كبرى لقادة الجيش الإسرائيلي، لكنه بالنسبة له يعد نتيجة حتمية للجيش الذي تعود على سياسة الردع التي من المفترض أن تحرم الفلسطينيين في غزة من حقهم في الرد والقتال، بالإضافة إلى الاعتماد الهائل على التكنولوجيا، والرغبة في إدامة الوضع القائم باعتباره الوحيد المتاح والمرغوب.
وأضاف ليفي -المتخصص في علاقات الجيش والمجتمع الإسرائيلي- أن كل هذه العوامل يمكن أن تفسر الفشل العسكري للجيش الإسرائيلي في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويتحدث ليفي في كتابه (يطلقون النار ولا يبكون: العسكرة الجديدة لإسرائيل في سنوات الألفين) -الذي صدر في فبراير/شباط 2023- عن ظاهرة ربما أدت إلى هذا الفشل، وهي التغير الديموغرافي الذي حدث داخل الجيش، حيث انسحبت الطبقة الوسطى القديمة في المدن والمستوطنات العاملة من صفوف الجيش، واستبدلت بمجموعات جديدة من المستوطنين واليهود المتدينين، والمهاجرين من الاتحاد السوفيتي وإثيوبيا.
وبوصول المجموعات الجديدة إلى مناصب قيادية عليا، تم تمهيد الطريق لإزالة الخطاب السياسي بالكامل من الأجندة واستبداله بأجندة عسكرية، وقدم قدامى المحاربين المتدينين نظاما من المبررات الدينية لاستخدام العنف، وأصبح استخدام القوة غاية في حد ذاته في الجيش بأكمله.
العصيان داخل الجيش
وقد وضعت الحرب الحالية العلاقة على المحك، لكن دون أن تخسر ثقة الجمهور الإسرائيلي في المؤسسة العسكرية، فشرائح واسعة من هذا الجمهور تؤمن أن من الممكن إخضاع غزة عسكريا، ولا يعرقل ذلك إلا بعض الضغوط الدولية، وربما تعرقله لاحقا ضغوط داخلية من أهالي المحتجزين.
أما النموذج العسكري، فما زال متمساكا دون أن ينهار بعد -حسب ليفي- وليس عرضا أن يطلب الجيش تمويلا إضافيا بمئات ملايين الدولارات ليرأب صدع قوته، ويُلائم نفسه مع الوضع الجديد.
ويرى ليفي أن الجيش ينظر للفلسطينيين بأنهم أهداف مشروعة لمجرد تواجدهم فيما يسميها ” منطقة معقمة”، بحجة أنه أمرهم بمغادرتها، وهذا يفسر أيضا ارتفاع مستوى الإصابات بالنيران الصديقة في الجيش الإسرائيلي.
وهذا الخطاب يمجد استخدام القوة، لكن حالة العصيان داخل الجيش قد تزيد الحاجة إلى أن يفرض المستوى السياسي عليه اللجوء لحل آخر.
حيث أصبحت تتعزز ظاهرة العصيان غير المسبوق في صفوف الجنود الإسرائيليين الذين يوثق بعضهم بالصور عصيانه بممارسات مثل السرقة والنهب لمنازل الفلسطينيين، لكن المؤسسة العسكرية لا تحاول معاجلة الموضوع، لأنها تركز في أولوياتها على أرض المعركة، والهدف المركزي الآن هو الحفاظ على روح قتالية عالية بين الجنود، وكون هذه المؤسسة تتحدث عن قيم الجيش لا عن ضرورة التزام الأوامر العسكرية، يفسر مدى التراخي الحاصل داخلها.
انتهاء الحرب
يرى يغيل ليفي أن إنهاء الحرب سيأتي من الخارج (الولايات المتحدة) أما من الداخل الإسرائيلي، فلن يحدث إلا إذا كان الثمن عاليا جدا، فمن شبه المستحيل أن تقر المؤسسة العسكرية بالإهانة التي لحقت بها بعد أن هز قلة من الفلسطينيين أمن إسرائيل، لذا فإن سردية النصر ستستمر.
وقال إن الضغط الوحيد على إسرائيل لإنهاء حربها هو الخسائر الاقتصادية وفرض عقوبات دولية عليها، وربما ثمن أخلاقي مثل تهم الإبادة الجماعية.
والخيار الآخر هو استنفاد المسار العسكري، إذ تنتهي هذه الحرب عندما يتضح للجميع أن إسرائيل لم تنجح في تحقيق أهدافها المعلنة، وأن هذه الحرب لا تستطيع تحقيق النصر.
فإن زيادة تكاليف الحفاظ على الصراع، واستنفاد العمل العسكري، وصياغة بديل سياسي جدير بالثقة، قد تكون نقطة تحول، ولكن طالما أن هذه الظروف ليست تراكمية، فإن الحفاظ على الوضع الراهن أسهل من تغييره، وخطاب العسكرة يدعمه.
وأضاف ليفي أن مقتل نحو 500 جندي إسرائيلي في حرب غزة، لا يثير -رغم ضخامة العدد- أسئلة بين الإسرائيليين، إذ بات يُنظر إلى المعركة الحالية على أنها معركة مصير، ناهيك أن عددا كبيرا من قتلى الجيش ينحدرون من مجموعات تتماهى مع الأجندة المتطرفة، وليس من قبيل الصدفة التركيز في الإعلام على النسبة العالية جدا من الجنود المنحدرين من شرائح المستوطنين والمتدينين، وهؤلاء -بحسب الكاتب- يشكلون قوة سياسية جديدة محتملة.