21/1/2024–|آخر تحديث: 21/1/202402:44 م (بتوقيت مكة المكرمة)
من المتوقع أن يصل التوتر الطائفي في الهند ذروته هذا الأسبوع، عندما يدشّن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي غدا الاثنين معبدا مكرّسا لِما يسمونه “الإله رام ماندير”، في خطوة يخشى مراقبون من أنها تمثل مسمارا آخر في نعش العلمانية التي طالما كانت أساس النظام السياسي في البلاد.
ويفيد مقال للصحفية الأميركية ياسمين سرحان نشرته مجلة تايم، أن المعبد أقيم في موقع متنازع عليه كان يضم مسجد بابري في مدينة أيوديا شمال الهند، الذي يعود تاريخه إلى القرن الـــ16، وظل قائما لقرون عدة قبل أن يشمله التدمير على أيدي من وصفتهم بـ”غوغاء” من القوميين الهندوس المتطرفين في 1992.
وتقول رنا أيوب، وهي واحدة من أشهر الصحفيين في الهند، ومن ألد خصوم حزب بهاراتيا جاناتا، إن مودي اعتمد طوال حياته المهنية على إقامة المعبد في أيوديا “لأنه أدرك في وقت مبكر أن الوسيلة الوحيدة كي يصبح محبوب الجماهير، هي بالتقرب إليهم من خلال معبد رام”.
وتضيف أن هذه الخطوة “هي أقصى ما يمكنه القيام به كونه زعيما قوميا هندوسيا، وأفضل الأوقات لجعل الهندي المسلم مواطنا من الدرجة الثانية”.
وتضيف رنا “يظل تدمير المسجد البابري جرحا مفتوحا”، وتقول “أن نُذكَّر دائما بالندبة، ثم نُخبَر الآن أن الأمة بأكملها تحتفل بهذا المعبد، الذي يُبنى فوق مسجد؛ فهذا يشبه صب الملح على جرح غائر أصلا”.
ويمثل الموقع بالنسبة للهندوس مسقط رأس رام ماندير، “أحد أكثر الآلهة قداسة في الهندوسية”.
ووفقا للمقال، فإن المراقبين يرون أن احتفال التدشين سيمثل بداية غير رسمية لحملة رئيس الوزراء مودي للفوز بولاية ثالثة على التوالي، في الانتخابات التي ستُجرى في الربيع. ولهذا السبب، آثر قادة حزب المؤتمر المعارض عدم حضور الحفل؛ إذ يرون أنه لا يعدو أن يكون “مشروعا سياسيا جرى تقديم موعده، لتحقيق مكاسب انتخابية”.
ورغم أن الحكومة الهندية والعديد من الهندوس، ينظرون إلى تدشين المعبد في 22 يناير/كانون الثاني الحالي على أنه مناسبة احتفالية تكتسي أهمية وطنية ودينية كبيرة؛ فإن المراقبين يخشون –حسب مقال تايم- أن يكون الحدث مسمارا آخر في نعش الروح العلمانية في الهند.
ويقول مايكل كوغلمان، مدير معهد جنوب آسيا في مركز ويلسون بواشنطن، لمجلة تايم في رسالة بالبريد الإلكتروني إن الأحداث التي رافقت إنشاء معبد رام ماندير “تتمحور حول بعض أكثر القضايا إثارة للفرقة الدينية والمجتمعية في الهند المعاصرة”. وأضاف أن تدشين المعبد “يخفي في طياته أشد الأحداث إيلاما وتنازعا في تاريخ الهند”.
ومن المتوقع أن يتوافد عشرات الآلاف من المتدينين الهندوس إلى مدينة أيوديا، التي يطلق عليها الزعماء القوميين الهندوس اسم “الفاتيكان الهندوسي”، تشبيها بمقر الكنيسة الكاثوليكية المسيحية.
ومع أنه من غير المقرر أن يكتمل البناء –الذي بدأ العمل به في 2020- قبل ديسمبر/كانون الأول المقبل، إلا أن الحفل الذي سيقام يوم 22 يناير/كانون الثاني الحالي يعدّ التدشين الرسمي للموقع، حيث ستقام طقوس دينية لأيام عدة احتفالا بهذه المناسبة، التي لن تقتصر على أيوديا وحدها؛ بل ستمتد لتشمل عموم الهند.
وبالنسبة لرئيس الوزراء مودي، فإن بناء معبد رام يعدّ أكثر من مجرد وفاء بوعد قومي هندوسي قبل عقود من الزمن، ومشروعا أساسيا لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، حسب ياسمين في مقالها بالمجلة الأميركية.
وتعتقد الكاتبة أن مودي بهذا التدشين إنما يعزز إرثه السياسي كونه واحدا من أكثر زعماء البلاد أهمية، خاصة أنه يعمل على تحويل الهند من دولة ديمقراطية علمانية، إلى أمة هندوسية صريحة.
وحسب مقال ياسمين، فإن تدشين المعبد يأتي بعد عدد من الإجراءات السياسية الأخرى التي نفذها مودي، في سعيه لتعزيز (أجندة) حكومته القومية الهندوسية؛ مثل: إقرار قانون تعديل المواطنة المثير للجدل لسنة 2019، الذي يمنح الجنسية الهندية للأقليات الدينية من الدول المجاورة ويستثني المسلمين، ويقوّض العلمانية التي يفرضها دستور الهند.
ومن ضمن تلك الأجندة، إلغاء وضع الحكم الذاتي الخاص لكشمير الخاضعة لإدارة الهند، وهي الولاية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في البلاد.
وتنقل ياسمين عن مدير معهد جنوب آسيا، مايكل كوغلمان، القول إن تدشين المعبد هو “تعبير قوي عن إستراتيجية حملة مودي الانتخابية”، مشيرا إلى أن مودي ربط إقامة المعبد مع سلسلة من مشروعات البنية التحتية والرعاية الاجتماعية، “وهو بهذا المعنى إنما يجمع بين القومية الهندوسية والرعاية الاجتماعية، وهما محوران مميزان ليس في هذه الانتخابات فقط؛ بل في سياساته الأوسع نطاقا. إنه مزيج من عوامل نجاحه”.