يكثر البحث عن معجزات ليلة الإسراء والمعراج، خاصة مع كثرة السؤال عن حقيقة حدوثها 27 رجب من كل عام، وهل هناك سنن معينة لإحيائها، وفي التقرير التالي نرصد ما جاء في معجزات ليلة الإسراء والمعراج بالتفصيل.
معجزات ليلة الإسراء والمعراج
يقول الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء، إن الله سبحانه وتعالى قد أرسل هذا النبي الأمي خاتِمًا للمرسلين، وخاتَمًا للنبيين؛ والخاتِم والخاتَم قد يكون بمعنى الأخير، وقد يكون بمعنى الزينة ؛وهما صفتان لرسول الله ﷺ فهو زينة الخلق وهو آخر المرسلين ﷺ وفيه قالوا : “لعله أخَّره ليقدمه”؛ فلما جاء آخرًا كان سيدًا للنبيين، وكان إمامًا للمرسلين، وحقق الله ذلك له حسًا فاجتمع بهم في ليلة المقدس في ليلة الإسراء والمعراج ، وأمَّ الأنبياء والمرسلين، وكان إمامًا لهم على الحقيقة لا على المجاز؛ فجمع بين الحقيقة والمجاز في ليلة الإعجاز، يعني في ليلة الإسراء والمعراج كان معنويًا وكما أراده الله إمامًا للمرسلين، وسيدًا للخلق أجمعين، ومتفردًا بهذه المعجزة العليا التي كانت له يوم الإسراء والمعراج، وكان إمامًا على الحقيقة حيث إنه صلى بالأنبياء وبالمرسلين؛ فجمع الله فيه بين الحقيقة والمجاز في ليلة الإعجاز؛ فاللهم صلَّ وسلم على نبينا سيدنا محمد ﷺ .
وبحسب دار الإفتاء فإن الإسراء والمعراج رحلتان قدسيتان؛ الأولى من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس، والثانية من المسجد الأقصى عروجًا إلى سدرة المنتهى.
ورحلة الإسراء والمعراج من معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي كانت اختصاصًا وتكريمًا وتسليةً من الله جل جلاله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم وبيانًا لشرفه ومكانته عند ربه، وقد أذن الله جل جلاله لهذه الرحلة أن تكون حتى يُطلع حبيبه صلى الله عليه وآله وسلم على الآيات الكبرى كما ورد في قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء: 1].
قال العلامة ابن إسحاق في كتاب “السيرة النبوية” لابن هشام (1/ 396-397، ط. مصطفى الحلبي): [كان من الحديث فيما بلغني عن مسراه صلى الله عليه وآله وسلم، عن عبد الله بن مسعود، وأبي سعيد الخدري، وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومعاويـة بن أبي سفيان، والحسن بن أبي الحسن (البصري)، وابن شهاب الزهري، وقتادة وغيرهم من أهل العلم، وأم هانئ بنت أبي طالب، ما اجتمع في هذا الحديث، كل يحدث عنه بعض ما ذكر من أمره حين أسري به صلى الله عليه وآله وسلم، وكان في مسراه، وما ذكر عنه بلاء وتمحيص، وأمر من أمر الله عز وجل في قدرته وسلطانه، فيه عبرة لأولي الألباب، وهدى ورحمة وثبات لمَن آمن وصدق، وكان من أمر الله سبحانه وتعالى على يقين، فأسرى به سبحانه وتعالى كيف شاء؛ ليريه من آياته ما أراد، حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم، وقدرته التي يصنع بها ما يريد] اهـ.
معجزات ليلة الإسراء والمعراج
1- رؤية النبي لجبريل عليه السلام: في رحلة الإسراء والمعراج رأى النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا جبريل عليه السلام على هيئته الحقيقية، ففي سُننه عن عبد الله بن مسعود ما يأتي: (رَأَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جبرائيلَ في حُلّةٍ من رفرفٍ قد ملأ ما بين السماءِ والأرضِ، وجاءَ في مسند الإمام أحمد: (رأى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ جبريلَ في صورتِه وله ستُّمائةِ جَناحٍ كلُّ جَناحٍ منها قد سدَّ الأفُقَ يسقُطُ مِنْ جَناحِه مِنَ التهاويلِ والدُّرِّ والياقوتِ ما اللهُ به عليمٌ).
2- بلوغ النبي لسدرة المنتهى: سدرة المنتهى هي منزلة تقع في السماء السابعة، وقد وصل لها النبي صلى الله عليه وسلم خلال رحلة المعراج التي صعد فيها إلى السماوات العلا، وثبتت هذه الرحلة في القرآن الكريم من خلال سورة النجم (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى)، وفي حديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم عما جرى في حادثةِ الإسراء والمعراج قال: (ثُمَّ ذَهَبَ بي إلى السِّدْرَةِ المُنْتَهَى، وإذا ورَقُها كَآذانِ الفِيَلَةِ، وإذا ثَمَرُها كالْقِلالِ، قالَ: فَلَمَّا غَشِيَها مِن أمْرِ اللهِ ما غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَما أحَدٌ مِن خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أنْ يَنْعَتَها مِن حُسْنِها).
3- بلوغ النبي البيت المعمور: البيت المعمور هو مكان يصلي فيه سبعون ألفا من الملائكة، وقد وصل النبي لهذا المكان ليكون ضمن معجزات ليلة الإسراء والمعراج كما جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم: (فَفُتِحَ لنا فإذا أنا بإبْراهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلى البَيْتِ المَعْمُورِ، وإذا هو يَدْخُلُهُ كُلَّ يَومٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ لا يَعُودُونَ إلَيْهِ).
4- رؤية النبي لأنهار أربعة: جاء في الحديث النبوي الشريف عن معجزات ليلة الإسراء والمعراج ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعْتُ إلى السِّدْرَةِ، فإذا أرْبَعَةُ أنْهارٍ: نَهَرانِ ظاهِرانِ ونَهَرانِ باطِنانِ، فأمَّا الظّاهِرانِ: النِّيلُ والفُراتُ، وأَمَّا الباطِنانِ: فَنَهَرانِ في الجَنَّةِ)، والأنهار الباطنة المقصودة في الحديث نهرُ الكوثر، إذ أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (بيْنَما أنا أسِيرُ في الجَنَّةِ، إذا أنا بنَهَرٍ، حافَتاهُ قِبابُ الدُّرِّ المُجَوَّفِ، قُلتُ: ما هذا يا جِبْرِيلُ؟ قالَ: هذا الكَوْثَرُ، الذي أعْطاكَ رَبُّكَ)، والنّهر الآخر هو عَينُ السلسبيل الواردُ ذكره في القرآنِ الكريم.
5- فرض الصلاة على النبي: من أجل وأعظم معجزات ليلة الإسراء والمعراج معجزة كلام الله عز وجل مع النبي صلى الله عليه وسلم، حيث فرضت الصلاة في هذه الرحلة الربانية وقد روى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحوار، فقال:
(فأوْحَى اللَّهُ إلَيَّ ما أوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلاةً في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إلى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: ما فَرَضَ رَبُّكَ علَى أُمَّتِكَ؟ قُلتُ: خَمْسِينَ صَلاةً، قالَ: ارْجِعْ إلى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فإنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذلكَ، فإنِّي قدْ بَلَوْتُ بَنِي إسْرائِيلَ وخَبَرْتُهُمْ، قالَ: فَرَجَعْتُ إلى رَبِّي، فَقُلتُ: يا رَبِّ، خَفِّفْ علَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ إلى مُوسَى، فَقُلتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، قالَ: إنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذلكَ، فارْجِعْ إلى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، قالَ: فَلَمْ أزَلْ أرْجِعُ بيْنَ رَبِّي تَبارَكَ وتَعالَى، وبيْنَ مُوسَى عليه السَّلامُ حتَّى قالَ: يا مُحَمَّدُ، إنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَواتٍ كُلَّ يَومٍ ولَيْلَةٍ).
6- رؤية النبي للجنة والنار: من آيات الله الكبرى آية الجنة والنار، وقد اطلع عليها النبي في ليلة الإسراء والمعراج، فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنّة وشيئًا مِن نَعيمها، كما رأى جَهنّم وشيئًا من عذابِها.
7- رؤية النبي للأنبياء والمرسلين: من معجزات ليلة الإسراء والمعراج أيضا ما رآه النبي حيث أنبياء الله جميعهم كما جاء في الحديث الشريف “كان كلّما صَعِدَ سماءً التقى بأحدِ الأنبياء وصولًا إلى السّماءِ السابعة حيثُ سِدرة المُنتهى، فنجد أنَّه التقى بالمسيحِ عيسى ابنُ مريم وبزكريا -عليهمُ السّلام- أولًا، ثم التقى بيوسف -عليه السلام-، ثم إدريس -عليه السلام، ثمّ هارون -عليه السلام- ثمّ موسى -عليه السّلام-، ثمّ سيدنا إبراهيم -عليه السلام- نهايةً، إذ قال: (فَفُتِحَ لنا فإذا أنا بإبْراهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلى البَيْتِ المَعْمُورِ).