انتقد مقال في صحيفة نيويورك تايمز انتقائية الغرب في تطبيق معايير النظام الدولي القائم على القوانين والنظم، وإحجامه عن فرضها على دولة إسرائيل بالتحديد.
وذكرت كاتبة العمود ليديا بولغرين في مقالها بالصحيفة الأميركية أن العالم شاهد العام المنصرم دراما دولية “مذهلة وعالية المخاطر” تدور أحداثها في مدينة لاهاي الهولندية، مقر محكمة العدل الدولية.
وهناك، تمكنت مجموعة من الدول الأفقر والأقل قوة -والتي يطلق عليها لقب الجنوب العالمي بقيادة جنوب أفريقيا- من جر الحكومة الإسرائيلية، ومعها حلفاؤها الدول الغنية والقوية، إلى “أعلى هيئة قضائية” للنظام القائم على القواعد الغربية، متهمة إسرائيل بشن حرب وحشية في قطاع غزة تتسم بطابع “الإبادة الجماعية”.
ووصف المقال ردود الدول الرائدة في هذا النظام العالمي على الدعوى المرفوعة ضد إسرائيل بأنها جاءت سريعة وصريحة رافضة الاتهامات الموجهة ضد تل أبيب. فقد عدَّها رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بأنها خطوة “غير مبررة على الإطلاق وخاطئة، في حين وصفها المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، بأنها “بلا قيمة، ولها نتائج عكسية، ولا أساس لها ألبتة”. أما المتحدث باسم الحكومة الألمانية فقال إن بلاده تعارض “الاستغلال السياسي” لقانون الإبادة الجماعية.
وكانت محكمة العدل الدولية أصدرت حكما مؤقتا، الجمعة، يطالب إسرائيل باتخاذ “إجراءات لمنع أعمال الإبادة الجماعية بما في ذلك منع وقوع أضرار لا يمكن إصلاحها لسكان غزة بما يشمل تخفيف الحصار شبه الكامل على المساعدات الإنسانية”، لكن القرار لم يدعُ إلى وقف كامل للعمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع.
ووفقا لبولغرين، فإن قرار المحكمة اتسم بالرصانة والدقة، وينطوي على توبيخ الدول الرافضة للتهم الموجهة ضد إسرائيل.
وأشارت الكاتبة إلى أن اتهام إسرائيل يعد خطوة ضرورية، فهي الدولة التي أنشئت في أعقاب المحرقة (الهولوكوست) التي تعرض لها اليهود على يد ألمانيا النازية إبان الحرب العالمية الثانية، وصيغ على إثرها -للمفارقة- مصطلح الإبادة الجماعية.
ومهما تكن النتيجة النهائية لهذه القضية، فإنها تشعل -برأي كاتبة المقال- معركة ملحمية حول مغزى وقيم ما يسمى بالنظام العالمي القائم على القواعد. فإذا كانت هذه القواعد لا تطبق عندما لا تريد لها الدول القوية أن تُطبق، فهل تعد في هذه الحالة قواعد؟ تتساءل بولغرين.
مافورا: هذا النوع من المراوغة الذي نراه يحدث بشأن غزة، والتقليل من حجم الأزمة الإنسانية، والجبن في انتقاد الحكومة الإسرائيلية على تصرفاتها، كل ذلك قد نال من سلطة الولايات المتحدة الأخلاقية في عيون العديد من شعوب العالم.
ونقلت الكاتبة عن ثولي مادونسيلا -وهي قانونية ومحامية ضليعة في جنوب أفريقيا، وساهمت في صياغة دستور ما بعد الفصل العنصري في بلادها- القول: “طالما أن أولئك الذين يضعون القواعد يفرضونها على الآخرين بينما يعتقدون أنهم وحلفاءهم فوق تلك القواعد، فإن نظام الحكم الدولي في ورطة”.
وأضافت المحامية: “نحن نقول إن القوانين هي القوانين، سواء عندما تغزو روسيا أوكرانيا، أو عندما يُقتل الروهينغا (الأقلية المسلمة) في ميانمار، لكن إذا كانت إسرائيل الآن تذبح الفلسطينيين، وتحرمهم من الطعام، وتعمل على تهجيرهم جماعيا، ثم لا تُطبق القواعد عليها ومن يحاول تطبيقها فهو معادٍ للسامية، فإن ذلك يعرض تلك القواعد للخطر”.
ومع إقرار بولغرين، في مقالها، بأن التحقيق في التهم ضد إسرائيل سيستغرق سنوات، فإنها تصف حرب إسرائيل في غزة بأنها “أبشع جريمة” يمكن أن ترتكبها دولة “ولها صدى خاص”، مشيرة إلى أن من صاغ مصطلح “الإبادة الجماعية” هو الباحث القانوني رافائيل ليمكين -وهو يهودي بولندي- أثناء المحرقة لإعطاء تعريف قانوني للمذبحة وضمان ألا تحدث مرة أخرى.
ورغم افتقار محكمة العدل الدولية إلى آليات تنفيذ قراراتها، فإن هذه القضية -في نظر بولغرين- ذات قدر كبير من الأهمية لأنها ترتبط بشكل مباشر بالتحديات الماثلة التي تواجه النظام العالمي القائم على القواعد بقيادة الولايات المتحدة والذي استمر منذ الحرب العالمية الثانية، رغم بعض العقبات التي تعترض طريقه.
وبحسب مقال نيويورك تايمز، فإن الدول الغربية الغنية التي حددت شروط ذلك النظام، آخذة بالتقهقر على جبهات عدة مع ارتفاع طموحات الصين العالمية؛ في حين تهدد روسيا في عهد رئيسها فلاديمير بوتين أوروبا، وتتراجع الديمقراطية الليبرالية في أرجاء كثيرة من العالم؛ في حين تميل القوى الناشئة ذات الأهمية الإستراتيجية -مثل تركيا والهند- نحو الاستبداد.
كل المحاذير تنذر بأن العالم يغامر بالاندفاع “بتهور” نحو عصر جديد من السياسة الواقعية التي شعارها “القوة تصنع الحق”، حيث كل شيء فيه جائز، وتُزدرى فيه القوانين والأعراف الدولية.
وقالت الكاتبة إن كل المحاذير تنذر بأن العالم يغامر بالاندفاع “بتهور” نحو عصر جديد من السياسة الواقعية التي شعارها “القوة تصنع الحق”، حيث كل شيء فيه جائز، وتُزدرى فيه القوانين والأعراف الدولية.
فماذا يعني نظام قائم على القواعد، إذا كانت القواعد تُطبق بشكل انتقائي، وإذا كانت محاولة تطبيقها على دول بعينها يُنظر إليها على أنها تحامل واضح؟
ووفق بولغرين، فمن قصر النظر في هذه الأوقات أن إدارة الرئيس بايدن اختارت التغاضي عن القضية الموثقة بعناية التي أعدتها جنوب أفريقيا.
وفي تقديرها أن أحد أكبر التهديدات للنظام الدولي القائم على القواعد هو الإجماع المتزايد في العالم الفقير بأن العالم الغني يطبق تلك القواعد بشكل انتقائي حسبما يراه وعندما يناسب الدول القوية التي تشكل الشمال العالمي، مثلما حدث عندما غزت روسيا أوكرانيا.
وتنقل الكاتبة عن الباحث القانوني في جنوب أفريقيا، دان مافورا، القول إن هذا النوع من المراوغة الذي نراه يحدث بشأن غزة، والتقليل من حجم الأزمة الإنسانية، والجبن في انتقاد الحكومة الإسرائيلية على تصرفاتها، كل ذلك قد نال من سلطة الولايات المتحدة الأخلاقية في عيون العديد من شعب العالم.
وتختم بالقول إن المخرج الوحيد من هذه “المأساة” يتمثل في ضم الشعب الفلسطيني إلى أسرة الدول التي تتمتع بالحكم الذاتي التي تعيش، على نحو منقوص، في ظل القواعد التي حافظت على سلام غير مستقر لكنه مستمر لأجيال عديدة، على حد تعبيرها.