لاشك أن ما يطرح استفهام هل رجب شهر الله سبحانه وتعالى ؟، هو تلك الرواية المنتشرة بين الكثيرين عن حديث لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتي جاء فيها أن رجب شهر الله ، وهو ما ينبهنا إلى عظم فضل شهر رجب ليس فقط لأنه من الأشهر الحُرم التي يتضاعف فيها الأجر والثواب وإنما كذلك إذا كانت إجابة سؤال هل رجب شهر الله عز وجل ؟، بنعم فهذا يجعلنا نحرص على اغتنام كل لحظة من رجب، فاستفهام هل رجب شهر الله تعالى يعبر عن أمر جلل.
هل رجب شهر الله
ورد عن حقيقة هل رجب شهر الله سبحانه وتعالى ؟، أن هناك رواية لا تصح ، عن أنس بن مالك ، وحدثه ابن عساكر في معجم الشيوخ الجزء أو الصفحة:1/186 ، أنه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( رجبٌ شَهرُ اللَّهِ تعالى وشعبانُ شَهري ورمضانُ شَهرُ أمَّتي قيلَ : يا رسولَ اللَّهِ ما مَعنى قولِكَ شَهرُ اللَّهِ ؟ قالَ لأنَّهُ مخصوصٌ بالمغفِرةِ فيه وتُحقَنُ فيه الدِّماءَ ، وفيه تابَ اللَّهُ على أنبيائِهِ صلَواتُ اللَّهِ عليهِمْ وفيه أنقذَ أولياءَه مِن بلاءِ عذابِهِ . . . . . .) وهو حديث غريب جدا وفي إسناده غير واحد من المجهولين.
حديث رجب شهر الله
روي عن أبي سعيد الخدري وحدثه الشوكاني في الفوائد المجموعة الجزء أو الصفحة:100 ، أنه قال -صلى الله عليه وسلم-: ( رجَبٌ شهرُ اللَّهِ وشعبانُ شهري ورمضانُ شهرُ أمَّتي فمن صامَ مِن رجَبٍ يومينِ فلَهُ منَ الأجرِ ضِعفانِ ووزنُ كلِّ ضعفٍ مثلُ جبالِ الدُّنيا ثمَّ ذكرَ أجرَ من صامَ أربعةَ أيَّامٍ ومن صامَ ستَّةَ أيَّامٍ ومن صامَ سبعةَ أيَّامٍ ثمَّ ثمانيةَ أيَّامٍ ثمَّ هكذا إلى خمسةَ عشرَ يومًا منهُ)، وهو حديث موضوع لا يصح .
كما روي عن أنس بن مالك وحدثه الألباني في السلسلة الضعيفة الصفحة أو الرقم : 6188 ، حديث آخر موضوع ، وهو : ( خيرةُ اللهِ من الشهورِ شهرُ رجبٍ ، وهو شهرُ اللهِ ، من عظَّمَ شهرَ رجبَ ؛ عظَّمَ أمر اللهِ ، ومن عظَّمَ أمرَ اللهِ ؛ أدخلَه اللهُ جناتِ النعيمِ ، وأوجب رضوانَه الأكبرَ . وشعبانُ شهري ، فمن عظَّمَ شعبانَ ؛ فقد عظَّمَ أمري ، ومن عظَّمَ أمري ؛ كنتُ له فَرَطًا وذخرًا يومَ القيامةِ . وشهرُ رمضانَ شهرُ أمتي ، فمن عظَّمَ شهرَ رمضانَ وعظَّم حُرمتَه ، ولم يَنْتَهِكْهُ ، وصام نهارَه ، وقام ليلَه ، وحفظ جوارحَه ؛ خرج من رمضانَ وليس عليه ذنبٌ يطلبُه اللهُ به).
وجاءت رواية باطلة لا أصل لها ، و لا تصح، عن الحسن البصري وحدثها الشوكاني في الفتح الرباني، الصفحة أو الرقم : 6/3211، أنه قال -صلى الله عليه وسلم- : ( رجَبٌ شَهرُ اللَّهِ وشعبانُ شَهري ورمضانَ شَهرُ أمَّتي).
فضل شهر رجب
قالت دار الإفتاء المصرية، إن رَجَب من الأشهر الحُرُم التي ذكرها الله عَزَّ وجَلَّ في مُحكم التنزيل؛ حيث قال تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: 36].
وأوضحت “ الإفتاء” ، أن هذه الأشهر هي: ذو القَعدة، وذو الحِجة، والمُحَرَّم، ورَجَب، كما بينتها السنَّة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام؛ حيث روى الإمامان البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ؛ ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِى بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ».
وأضافت أن هذه الأشهر الحرم هي أشرف الشهور، بالإضافة إلى شهر رمضان، وهو أفضلها مطلقًا. انظر: “حاشية الشرقاوي على التحرير” (1/ 426، ط. دار إحياء الكتب العربية، فيصل الحلبي).
ونبهت إلى أن رجب كان من الشهور الْمُعَظَّمة عند العرب؛ فأكثَروا من أسمائه على عادتهم في أنهم إذا هابوا شيئًا أو أحبوه أكثروا من أسمائه، وكثرة الأسماء تدلُّ على شرف المسمَّى، أَو كمالِه في أَمر من الأمور، كما ذكره العلامة الفيروز آبادي في “بصائر ذوي التمييز” (1/ 88، ط. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية).
وأشارت إلى أنه قد أورد العلامة ابن دِحْيَة الكلبي ثمانية عشر اسمًا من أسمائه في كتابه “أداء ما وجب من بيان وضع الوضَّاعين في رجب” (ص: 30، ط. المكتب الإسلامي)، منها: الفرْد؛ لأنَّ الأشهر الحرم الأُخر وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، وَالمحرّم متتابعة، وَرجب فرد، ومنها الأصم؛ لأنَّه ما كان يُسمع فيه قعقَعة سلاح؛ لتعطيلهم الحَرب فيه، إلى غير ذلك من بقية الأسماء التي ذكرها ابن دحية.
وأفادت بأنه قد جمع الإمام أبو محمد الحسن الخَلَّال جملة ممَّا ورد في فضائل شهر رجب، ولابن عساكر جزء في فضل رجب، وللعلامة ابن دحية الكلبي كتابه: “أداء ما وجب” الذي سبقت الإشارة إليه، وجمع الحافظ ابن حجر العسقلاني أيضًا جملة مما ورد في فضل رجب وبيَّن درجتها في “تبيين العجب بما ورد في فضل رجب”، وقد أفرد الكلام عليه باستيعاب أيضًا الحافظ ابن رجب الحنبلي في “لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف”.
ولفتت إلى أنه مما ورد في فضل رجب من السُنَّة: ما رواه النسائي وغيره من حديث سيدنا أُسَامَةَ بن زَيْدٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ». قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في “تبيين العجب” (ص: 12): [فهذا فيه إشعار بأنَّ في رجب مشابهة برمضان وأن الناس يشتغلون من العبادة بما يشتغلون به في رمضان، ويغفلون عن نظير ذلك في شعبان؛ لذلك كان يصومه صلى الله عليه وآله وسلم، وفي تخصيصه ذلك بالصوم إشعار بفضل رجب، وأن ذلك كان من المعلوم المقرر لديهم] اهـ.
شهر رجب
يعد شهر رجب هو الشهْر السّابع في التقويم الهجري٬ ولأنّهُ من الأشهرُ الحُرم فهو شهرٌ كريم وعظيم عند الله٬ وهو أحد الشهور الأربعة التي خصّها اللهُ تعالى بالذّكر٬ ونهى عن الظُّلم فيها تشريفاً لها٬ ويتركُ فيه العَرب القتال إحتراماً وتعظيماً لهُ٬ وقد ذكر اللهُ في كتابِهِ العزيز: ((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ))[التوبة:36]٬ أمّا الأشهر الحُرم التّي ذُكرت في الآية فهي مُحرَّم٬ وذي الحجَّة٬ وذي القعدة.
و سُمِّيت الأشهُر الحُرم بهذا الاسم لأنّ الله سُبحانهُ وتعالى منع فيها القِتال إلّا أن يبدأ العدو٬ ولتحريم انتهاك المحارِم فيها أشدّ من غيرِهِ من الأشهر.
يُطلقُ على شهر رجب أحياناً اسم “مضر” نسبةً إلى قبيلة مضر؛ حيثُ كانت هذه القبيلة تُبقي وقتَهُ كما هو دون تغيير ولا تبديل مع الأشهر الأخرى على عكس القبائل الأُخرى من العرب الذين كانوا يغيِّرون في أوقات الأشهُر بما يتناسب مع حالات الحرب أو السّلم عندهم٬ كما اقتضت حكمةُ الله أن فضَّل بعض الأيام٬ والشهور٬ واللّيالي على بعض، و يُسمّى أيضاً رجب بالأصم لأنَّه لا يُنادى فيه إلى القتال، ولا يُسمع فيهِ صوت السِّلاح.