حُكم -أمس الأربعاء- على رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان بالسجن لمدة 14 عاما في قضية فساد بعد يوم من حكم منفصل بالسجن لمدة 10 سنوات بتهمة تسريب أسرار الدولة.
وخان وهو نجم كريكيت سابق يحظى بشعبية كبيرة في باكستان وخاصة في صفوف الشباب، ومن شأن الحكم بسجنه وحرمانه من الانتخابات أن يريح منافسيه السياسيين أثناء الانتخابات العامة المقررة الخميس المقبل.
واتُهم خان بشراء العديد من الهدايا المقدمة من الحكام والمسؤولين الحكوميين وإعادة بيعها بربح غير معلن، وفرضت المحكمة غرامة بالملايين بالإضافة إلى حكم بالسجن على زوجته بشرى بيبي، ولم تمنحه المحكمة الخاصة -التي عقدت في السجن الذي يحتجز فيه منذ إدانته السابقة- أي فرصة للدفاع عن نفسه، ولم يكن حاضرا أثناء النطق بالحكم.
فتش عن الجيش
ويعتبر مراقبون أن توقيت الحكم ليس بريئا حيث يأتي قبل موعد الانتخابات بأيام معدودة، وذلك بهدف إبعاده عن صناديق الاقتراع وتشويه سمعته وحزبه، كما يرون أن ذلك كله يأتي بتوجيه من الجيش المؤسسة الأقوى في الدولة.
في بداية عمله كرئيس للوزراء في 2018 كان خان يحظى بدعم من الجيش وجهاز المخابرات، إلا أن قيامه بتخفيض ميزانية الدفاع أثناء وجوده في سدة الحكم ومحاولة إثبات استقلاله عن العسكر، أدى إلى تحولهم عن دعمه.
وكان حزب حركة الإنصاف الذي يتزعمه خان قد حظي في انتخابات 2018 بـ115 مقعدا في البرلمان الوطني (الجمعية الوطنية) من أصل 272، موقعا هزيمة قاسية لقيادات الأحزاب السياسية التقليدية، وخاصة حزب الشعب والرابطة الإسلامية.
ورفع خان خلال مسيرته السياسية شعار مكافحة الفساد المستشري في البلاد طريقا لكسب جماهيريته واستقطاب الناقمين على الأحزاب السياسية والعائلات الإقطاعية التقليدية، مثل عائلة شريف في البنجاب وعائلة بوتو في السند.
انتقاد أميركا
وخان الذي تلقى تعليمه في بريطانيا، لم يكن صديقا للغرب، وعادة ما كان ينتقد الغرب وأميركا وتحديدا سياستهما تجاه بلاده.
وعندما أصبح رئيسا للوزراء، حرص خان على تعزز العلاقات مع الصين وروسيا، حتى إنه زار موسكو بعد يومين من شن روسيا حربا على أوكرانيا، ثم رفض مطلب أميركا بالتصويت لإدانة موسكو في الأمم المتحدة. وطالما انتقد الهجمات الأميركية التي كانت توجهها لمسلحين إسلاميين في باكستان معتبرا ذلك انتهاكا لسيادة بلاده.
وفي مخالفة لتوجه واشنطن عُرف خان بدعمه لحركة طالبان الأفغانية، كما احتفى بخروج القوات الأميركية من أفغانستان في أغسطس/آب 2021. وكان ذلك من العوامل التي أدت إلى تفاقم العلاقات مع واشنطن، التي يعتقد أنها شجعت على الإطاحة به.
وبالنسبة للانتخابات المقبلة ينتظر أن تكون المنافسة على أشدها بين الحزبين التقليدين، في حين يعيش حزب حركة الإنصاف حرمان زعيمه والعديد من قادته من المشاركة في الانتخابات إلى جانب انقسامات شهدها الحزب، بسبب ضغوط الجيش والواقع.
الحكم على بشرى بيبي
الحكم الأخير الذي صدر بحق خان بالسجن 14 عاما، شمل معه زوجته بشرى بيبي في القضية نفسها، وهي تهمة فساد تتعلق بهدايا تلقاها خان حينما كان في السلطة، وعلق متحدث باسم حزب حركة إنصاف في رسالة إلى وسائل الإعلام بقوله “يوم آخر حزين في تاريخ نظامنا القضائي المفكّك”.
وزوجة خان الحالية والمتهمة معه بقضية الفساد هذه هي الثالثة، بعد طلاقه جميما غولدسميث (استمر زواجهما للفترة 1995- 2004)، وريهام نيار خان (استمر زواجهما للفترة من 2014- 2015).
ويحتم القانون على رئيس الوزراء الإعلان عن كل الهدايا التي يتلقاها ولا يحق له الاحتفاظ سوى بهدايا تكون قيمتها أدنى من مبلغ معين، أو يمكنه شراؤها بثمن محدد رسميا.
وأطيح بعمران خان من رئاسة الوزراء بموجب مذكرة حجب ثقة في أبريل/ نيسان 2022 بعدما خسر دعم الجيش الواسع النفوذ في باكستان. وهو يتهم منذ ذلك الحين المؤسسة العسكرية بأنها خلف متاعبه مع القضاء لمنعه من العودة إلى السلطة.
وقال عمران خان متوجها إلى الناخبين في بيان نشر قبل أيام على حسابه على منصة إكس “عليكم الانتقام لكل ظلم من خلال التصويت في الثامن من فبراير/شباط. قولوا لهم إنكم لستم خرافا يمكن توجيهها بالعصا”.
ويبقى حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية بزعامة رئيس الوزراء السابق نواز شريف الذي شغل منصب رئيس الحكومة 3 مرات بدون أن يكمل أيا من ولاياته، الأوفر حظا للفوز في الانتخابات.
وعاد شريف إلى باكستان في أكتوبر/تشرين الأول بعد 4 سنوات من المنفى في لندن. اعتبر بعض المحللين السياسيين أنه أبرم اتفاقا مع الجيش الذي كان يتهمه قبل فترة قريبة بأنه أقاله من السلطة عام 2017 لتشجيع فوز عمران خان في الانتخابات بعد سنة.
وبقي الجيش في السلطة على مدى حوالي نصف تاريخ البلاد الممتد على 75 عاما، ولا يزال يحظى بنفوذ سياسي كبير.
وقال حزب حركة الإنصاف، الذي يتزعمه خان إن الحكم الجديد اليوم يقضي أيضا بمنعه من تولي مناصب عامة لمدة 10 سنوات، مؤكدا أنه أُلقي القبض على بشرى خان، بعد وقت قصير من صدور الحكم.