بعيدا عن التربص السياسي والإعلامي بأي دولة، فإن أصدق معيار لتقيم سياسات أي نظام سياسي، هو التقارير الرسمية التي تعكس الواقع السياسي والاجتماعي داخل هذا البلد، وما تخرج من أخبار موثقة داخل إثيوبيا، يكشف حجم الكوارث الذي تعيشه مملكة الحبشة القديمة، وذلك نتيجة سياسات رئيس الوزراء أبي أحمد التي وصفت بـ”الفاشلة”، وبعد الأنباء التي تحدثت عن المجاعة القاتلة داخل أقاليم البلاد المتخلفة، خرجت ملامح كارثة صحية أخرى تتحدث عن انتشار كبير لمرض الملاريا.
وهنا نرصد تفاصيل الكابوس القاتم الذي بدأت به 2024 مع إثيوبيا، والتي أظهرت حصاد الحروب الأهلية التي أدخل أبي أحمد البلاد بها، وذلك في ظل ممارسات عنصرية بحق المخالفين له في سياساته، وقد شهدت البلاد في ولايته لحكم أديس أبابا حربين أهليتين، وذلك بخلاف الأزمات الإقليمية التي أدخل فيها بلاده مع الدول الإقليمية المحيطة به.
32 ألف إصابة جديدة بالملاريا في يناير فقط
وبحسب الأنباء التي نشرتها عدد من وسائل الإعلام العالمية صباح اليوم، فإن إثيوبيا تشهد ارتفاعًا كبيرًا في حالات الإصابة بالملاريا، حيث تم الإبلاغ عن 328881 حالة جديدة منذ بداية العام، وذلك وفقًا لما ذكرته منظمة الصحة العالمية، ووفقا لتقرير نشرة المجموعة الصحية لمنظمة الصحة العالمية في إثيوبيا، وقد تضمن التقرير أيضا أن البلاد شهدت البلاد 84 حالة وفاة في الفترة من 1 إلى 28 يناير، مما يمثل زيادة بنسبة 16 بالمائة في الوفيات مقارنة بالشهر السابق.
وبحسب المنظمة الدولية، فإن شركاء الصحة يعملون بنشاط على تعبئة الموارد لدعم الوقاية من الملاريا وعلاجها وحملات التوعية في جميع أنحاء إثيوبيا لمعالجة الأزمة الصحية المتصاعدة، ويأتي ذلك بعد أن ذكرت منظمة الصحة العالمية في نوفمبر أن إثيوبيا، ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان، سجلت أكبر عدد من حالات الملاريا منذ سبع سنوات على الأقل.
المرض يستوطن إثيوبيا
وبحسب الصحة العالمية، فإن الملاريا مرض مستوطن في إثيوبيا، وتنتشر بشكل خاص في المناطق التي يقل ارتفاعها عن 2000 متر، والتي تشمل ثلاثة أرباع مساحة اليابسة في البلاد ويقدر عدد سكانها بـ 52 مليون نسمة، ويؤكد الوضع الحالي أهمية تكثيف الجهود لمكافحة الملاريا وإدارتها في هذه المناطق المتضررة.
وقد شهدت خمسة بلدان، بما في ذلك إثيوبيا، زيادات كبيرة في انتشار المرض، وتشمل البلدان المتضررة الأخرى باكستان ونيجيريا وبابوا غينيا الجديدة وأوغندا، وتواجه الاستجابة العالمية للملاريا عددا لا يحصى من التحديات، بما في ذلك الاضطرابات الناجمة عن كوفيد-19، ومقاومة الأدوية والمبيدات الحشرية، والأزمات الإنسانية، وقيود الموارد، وتأثيرات تغير المناخ، والتأخير في تنفيذ البرامج، وخاصة في البلدان المثقلة بالأعباء.
ليس الملاريا فقط .. 400 وفاة بسبب المجاعة
وقد كشفت صحيفة Apnews الأمريكية أول أمس، عن وفاة ما يقرب من 400 شخص بسبب الجوع في منطقتي تيغراي وأمهرة بإثيوبيا في الأشهر الأخيرة، وذلك حسبما قال أمين المظالم الوطني الأسبع الماضي، وهو اعتراف نادر بالوفيات المرتبطة بالجوع من قبل هيئة فيدرالية، وكان مسؤولون محليون قد أبلغوا في السابق عن حالات وفاة بسبب الجوع في مناطقهم، لكن الحكومة الفيدرالية الإثيوبية أصرت على أن هذه التقارير “خاطئة تمامًا”.
وأرسل مكتب أمين المظالم في إثيوبيا خبراء إلى المناطق التي تعاني من الجفاف وما زالت تعاني من حرب أهلية مدمرة انتهت رسميًا قبل 14 شهرًا، وخلصوا إلى أن 351 شخصا لقوا حتفهم بسبب الجوع في تيغراي خلال الأشهر الستة الماضية، مع 44 حالة وفاة أخرى في أمهرة.
مساعدات لـ14% فقط من أصل 3.2 مليون شخص
ووفقا للصحيفة الأمريكية، فلا يتلقى سوى جزء صغير من المحتاجين في تيغراي مساعدات غذائية، وفقًا لمذكرة مساعدات اطلعت عليها وكالة أسوشيتد برس، بعد أكثر من شهر من استئناف وكالات الإغاثة تسليم الحبوب بعد توقف طويل بسبب السرقة، ولم يحصل سوى 14% فقط من 3.2 مليون شخص استهدفتهم الوكالات الإنسانية في تيغراي هذا الشهر على المساعدات الغذائية بحلول 21 يناير، وفقًا لمذكرة مجموعة تيغراي الغذائية، وهي مجموعة من وكالات الإغاثة التي يشارك في رئاستها برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، وكذلك مسؤولين إثيوبيين.
وتحث المذكرة الجماعات الإنسانية على “تكثيف عملياتها على الفور”، محذرة من أن “الفشل في اتخاذ إجراءات سريعة الآن سيؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي الشديد وسوء التغذية خلال موسم الجفاف، مع احتمال خسارة الأطفال والنساء الأكثر ضعفا في المنطقة”.
سرقة المساعدات
وقد أوقفت الأمم المتحدة والولايات المتحدة المساعدات الغذائية إلى تيغراي في منتصف مارس من العام الماضي بعد اكتشاف مخطط “واسع النطاق” لسرقة الحبوب الإنسانية. وتم تطبيق التعليق على بقية إثيوبيا في يونيو، ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن السرقة قد تكون أكبر عملية تحويل للحبوب على الإطلاق، وألقى المانحون باللوم على مسؤولي الحكومة الإثيوبية والجيش في عملية الاحتيال.
ورفعت الأمم المتحدة والولايات المتحدة الحظر في ديسمبر بعد إدخال إصلاحات للحد من السرقة، لكن سلطات تيغراي تقول إن الغذاء لا يصل إلى من يحتاج إليه، وقد قال اثنان من عمال الإغاثة لوكالة أسوشييتد برس إن النظام الجديد – الذي يتضمن تركيب أجهزة تتبع نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) في شاحنات الطعام ووضع رموز الاستجابة السريعة على بطاقات الحصص التموينية – قد أعاقته مشكلات فنية، وتعاني وكالات الإغاثة أيضًا من نقص الأموال.
20 مليون يحتاجون إلى طعام
فيما قال عامل إغاثة ثالث إن توقف المساعدات الغذائية واستئنافها البطيء يعني أن بعض الناس في تيغراي لم يتلقوا مساعدات غذائية منذ أكثر من عام. وقال عامل الإغاثة: “لقد مروا بجولات متعددة من التسجيل والتحقق، ولكن لم يتم التوزيع الفعلي بعد”، وتحدث عمال الإغاثة إلى وكالة الأسوشييتد برس بشرط عدم الكشف عن هويتهم لأنهم غير مخولين بالتحدث إلى الصحافة، أن هناك حوالي 20.1 مليون شخص في جميع أنحاء إثيوبيا يحتاجون إلى الغذاء الإنساني بسبب الجفاف والصراع والاقتصاد المتدهور، وقد أدى وقف المساعدات إلى ارتفاع مستويات الجوع بشكل أكبر.
وحذر نظام الإنذار المبكر بالمجاعة الذي تموله الولايات المتحدة من أن مستويات أزمة الجوع أو ما هو أسوأ من ذلك “من المتوقع في شمال وجنوب وجنوب شرق إثيوبيا طوال أوائل عام 2024 على الأقل”، ووصف رئيس سابق لبرنامج الأغذية العالمي مستويات الجوع هذه بأنها “تسير نحو المجاعة”.
الجفاف يفاقم الأزمة
وبحسب الصحيفة الأمريكية، لم يتجاوز إنتاج المحاصيل في هذه المناطق 37% من الإجمالي المتوقع بسبب الجفاف. وفي بعض المناطق وصلت النسبة إلى 2%، وقد دفع ضعف الحصاد سلطات تيغراي إلى التحذير من “مجاعة تتكشف” يمكن أن تضاهي كارثة 1984-1985، التي أودت بحياة مئات الآلاف من الأشخاص في جميع أنحاء شمال إثيوبيا، ما لم يتم توسيع نطاق الاستجابة للمساعدات على الفور.
لكن الحكومة الفيدرالية في إثيوبيا تنفي وجود أزمة جوع كبيرة. وعندما دق زعيم تيغراي، غيتاشيو رضا، ناقوس الخطر بشأن الوفيات الجماعية التي تلوح في الأفق الشهر الماضي، نفى متحدث باسم الحكومة الفيدرالية التقارير ووصفها بأنها “غير دقيقة” واتهمه بـ “تسييس الأزمة”.