أجاب الدكتور علي فخر، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، على سؤال متصل، مفاده: “هل هدايا المواسم في الريف من الأهل للابنة المتزوجة جديد، واجبة أم تطوعا؟”.
وقال أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، اليوم الأحد: “ما يفعلونه في بعض المواسم من إعطاء أموال أو مأكولات في المواسم؛ هو من باب التطوع، ومن الأعمال الحسنة التي تقرب القلوب من بعضها البعض”.
وأضاف: “لو ضاقت الحالة المالية نعمل إيه؟، نقل من الندر ونوفي، يعني، بدل ما كنا بنجيب حاجات كتير؛ نقلل اللي كنا بنجيبه، ونعمل ما في الوسع، وربنا يتقبل”.
حكم التعامل بالبيع والشراء وقبول الهدية
قالت دار الإفتاء إن الفقهاء اختلفوا في في حكم التعامل بالبيع والشراء وقبول الهدية وأكل الطعام ونحو ذلك مع من اختلط ماله الحلال بالحرام؛ بحيث لم يُعلم عين الحرام، على قولين.
وأوضحت الدار القول الأول أحدهما: الحرمة، وهو ما ذهب إليه الحنفية فيما إذا غلب الحرام، وطرد أصبغ من المالكية الحرمةَ مطلقًا قلَّ الحرام أو غلب؛ يقول الإمام الدسوقي: [اعلم أنَّ من أكثر ماله حلال وأقلُّه حرام، المعتمد جواز معاملته ومداينته والأكل من ماله كما قال ابن القاسم، خلافًا لأصبغ القائل بحرمة ذلك، وأما من أكثر ماله حرام والقليل منه حلال فمذهب ابن القاسم كراهة معاملته ومداينته والأكل من ماله وهو المعتمد خلافًا لأصبغ المحرِّم لذلك] اهـ. “حاشية الشرح الكبير” (3/ 277)، وراجع: “غمز عيون البصائر” (1/ 192، ط. دار الكتب العلمية).
واستدل أصبغ بأن اختلاط المال الحلال بالحرام يجعل الحرام شائعًا في المال فتسري الحرمة إليه كله، ويلزم صاحبه التصدق به. راجع: “الذخيرة” (13/ 317، ط. دار الغرب الإسلامي).
وأضاف: وثانيهما “الجواز مع الكراهة”، وهو قول المالكية فيما إذا غلب الحرام، وقول الشافعية والحنابلة مطلقًا قلَّ الحرام أو كثر، وهو قول الحنفية فيما إذا غلب الحلالُ الحرامَ؛ يقول الإمام النووي: [دعاه مَن أكثرُ مالِهِ حرامٌ؛ كرهت إجابته كما تكره معاملته] اهـ. “روضة الطالبين” (7/ 337، ط. المكتب الإسلامي)، وراجع: “أسنى المطالب” (3/ 227، ط. دار الكتاب الإسلامي).
وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته يتعاملون مع غير المسلمين ويقبلون هداياهم ولا يخلو ما بأيديهم من المال الحرام؛ كأموال الربا وثمن الخمر والفسق والأصنام وغير ذلك من المنكرات، وقد وصفهم الله عز وجل بأنهم: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة: 42]، ولذلك لما جاء رجل إلى ابن مسعود رضي الله عنه فقال: “إن لي جارًا يأكل الربا، وإنه لا يزال يدعوني، فقال: مهنؤه لك وإثمه عليه”. راجع: “مصنف عبد الرزاق” (8/ 150، ط. المكتب الإسلامي).
ويستدل على الكراهة بحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ» متفق عليه، واختلاط المال بالحرام من الشبهات التي يُندب فيها الاتقاء.
والقول بالتحريم فيه حرج ومشقة على المكلفين، كما أن فيه فتحًا لباب الوسوسة والخصومة وتبادل التهم بين الناس، وقول أصبغ لم يخلُ من نقد علماء المذهب المالكي نفسه؛ فقال الإمام القرافي في “الذخيرة” (13/ 317): [وقول أصبغ تشدد، فإن قاعدة الشرع اعتبار الغالب] اهـ.
ولهذا أكدت الإفتاء إنه يجوز مع الكراهة قبول هدية من اختلط ماله الحلال بالحرام على الراجح من مذهب جمهور العلماء، وذلك ما لم يعلم الحرام بعينه، فإن علمه حرم قبوله.