ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (ما مدى صحة وجود ألفاظ غير عربية في القرآن الكريم؟ وهل وجود هذه الألفاظ في القرآن الكريم يتنافى مع كونه قرآنًا عربيًّا؛ فنرجو منكم بيان الرأي السديد في ذلك؟
وقالت دار الإفتاء، إن الله تعالى أنزل القرآن الكريم بلغة العرب، وما ورد فيه من ألفاظ أصلها غير عربيّ فإنَّ العرب قد استعملتها وصارت مألوفة لهم، وأجروا عليها قواعد لغتهم في الإعراب والاشتقاق وغيرها فصارت ألفاظًا عربية صالحةً لوقوعها في القرآن، ولا يقدح ذلك في كون القرآن الكريم كله عربيًّا.
وذكرت دار الإفتاء، أنه من المعلوم أنَّ العرب قد استعملت بعض الكلمات التي لم يتواطؤوا على وضعها، وكان أصلها غير عربي مثل: أباريق، وأرائك، وإستبرق؛ فهذه الكلمات مُعَرَّبة: أي: أصلها أعجمي لمعانٍ في غير لغتها على نحو استعمالها لكلامها، وقد انتقلت هذه الألفاظ المُعرَّبة إلى معهود لسان العرب من مخالطتهم لسائر الألسنة بتجارات وبرحلتي قريش وبغيرهما؛ فعلقت العرب عددًا من هذه الألفاظ الأعجمية، غيَّرت بعضها بالنقص من حروفها، وجرت إلى تخفيف ثقل العُجمة، واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها؛ حتَّى جرت مجرى العربي الصريح، ووقع بها البيان، وصارت مألوفة لهم، وأجروا عليها قواعد لغتهم في الإعراب والاشتقاق والإفراد والتثنية والجمع وغيرها.
ألفاظ غير عربية في القرآن
واختلف علماء الأمة حول وجود ألفاظ غير عربية في القرآن الكريم إلى فريقين:
أمَّا الفريق الأول: وهم سيدنا علي بن أبي طالب، وابن عباس، وسعيد بن جبير، وبعض التابعين، فقد ذهبوا إلى الإقرار بوجود ألفاظ قليلة غير عربية في القرآن الكريم، إلَّا أنَّهم يرون أنَّ هذه الألفاظ وقعت بالقدر اليسير الذي يأخذ حكم النادر؛ حيث لم يتجاوز عددها مائة وعشرين كلمة، من جملة ألفاظ القرآن الكريم، التي بلغت سبعًا وسبعين ألفًا وأربعمائة وتسعًا وثلاثين كلمة؛ ومن ثمَّ انتهوا إلى أنَّ ورود مثل هذا القدر اليسير من الألفاظ غير العربية في القرآن الكريم لا يجعله غير عربي.
وأمَّا الفريق الثاني: وهم جمهرة من الفقهاء والمفسرين؛ كالإمام الشافعي، والطبري، والقاضي أبي بكر بن الطيب؛ واتَّفق معهم من أئمة اللغة العربية: أبو عبيدة، وابن فارس، فذهبوا إلى نفي وجود ألفاظ غير عربية في القرآن. ينظر: “تفسير القرطبي” (1/ 68، ط. دار الكتب المصرية).
وأشارت إلى أنَّ كلا الفريقين قد أصاب الحق استنادًا إلى القاعدة الذهبية التي تقرر أنَّ: كل ما تكلمت به العرب فهو عربي؛ فكون القرآن الكريم جاءت فيه ألفاظٌ من ألفاظ العجم، أو لم يجئ فيه شيء من ذلك، فلا يُحتاج إليه إذا كانت العرب قد تكلَّمت به، وجرى في خطابها، وفهمت معناه، فإنَّ العرب إذا تكلَّمت به صار من كلامها، لأنَّ العرب لا تَدَعُهُ على لفظه الذي كان عليه عند العجم، إلَّا إذا كانت حروفه في المخارج والصفات كحروف العرب، وهذا يقلّ وجوده، وعند ذلك يكون منسوبًا إلى العرب حقيقة.
ومن هنا كان الجمع بين القولين كما نقله بعض المفسرين بأنَّ هذه الألفاظ لمَّا تكلمت بها العرب ودارت على ألسنتهم صارت عربية فصيحة، وإن كانت غير عربية في الأصل، لكنَّهم لمَّا تكلَّموا بها نسبت إليهم وصارت لهم لغة وهو جمع حسن.