نقلت وكالة أسوشيتد برس عن مسؤوليْن مصريين ودبلوماسي غربي قولهم أمس الأحد إن مصر قد تعلق معاهدة السلام مع إسرائيل، إذا ما اجتاحت الأخيرة مدينة رفح جنوبي قطاع غزة على الحدود المصرية.
وذكرت تقارير صحفية أن مسؤولين مصريين حذروا إسرائيل من إمكانية تعليق القاهرة التزاماتها بموجب معاهدة كامب ديفيد للسلام بين الجانبين إذا ما شن الجيش الإسرائيلي هجوما على رفح.
وكان مصدران أمنيان مصريان قالا للجزيرة إن القاهرة أرسلت نحو 40 دبابة وناقلة جند مدرعة إلى شمالي شرقي سيناء خلال الأسبوعين الماضيين، تزامنا مع حديث المسؤولين الإسرائيليين عن التصديق على عملية عسكرية في المدينة المكتظة بمئات آلاف النازحين الفلسطينيين.
ولا يبدو أن تل أبيب تأبه بالتحذيرات المصرية، فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس الأحد المضي قدما في خطة اجتياح المدينة، وكشف عن خطة لتهجير سكانها الذين يقدر عددهم بمليون و400 ألف نسمة.
وقال نتنياهو -في مقابلة مع شبكة “إيه بي سي” الأميركية- إن من يقولون لإسرائيل إنه لا ينبغي لها اجتياح رفح وكأنهم يقولون إن عليها خسارة الحرب وترك حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لتبقى في غزة.
وفي ظل الإصرار الإسرائيلي على اجتياح رفح، يبرز سؤالان وفق مراقبين: الأول ما مدى جدية التلويح المصري بتعليق اتفاقية كامب ديفيد الموقعة بينها وبين إسرائيل في عام 1979، والتي مثلت حينها خرقا للصف العربي المجمع على رفض التعامل مع الاحتلال؟
والسؤال الثاني هو: ماذا بقي من كامب ديفيد بعد الخروقات الإسرائيلية للبروتوكول العسكري الملحق بها من خلال اجتياح رفح والسيطرة على محور فيلادلفيا الحدودي بين غزة ومصر الذي تحدث الإسرائيليون عن نيتهم السيطرة عليه؟
قيود
وقعت معاهدة السلام بين كل من الرئيس المصري الأسبق أنور السادات ورئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق مناحيم بيغن في واشنطن عام 1979.
وقضت المعاهدة في نصها الأساسي بأن “تقام ترتيبات أمن متفق عليها بما في ذلك مناطق محدودة التسليح في الأراضي المصرية أو الإسرائيلية وقوات أمم متحدة ومراقبون من الأمم المتحدة”، غير أنها تركت تفصيل ذلك إلى بروتوكول إضافي أطلق عليه “الملحق الأول”.
وتتيح المعاهدة تعديل ترتيبات الأمن المتفق عليها بناء على طلب أحد الطرفين وباتفاقهما.
وقد أثرت المعاهدة على الوجود العسكري المصري في سيناء بسبب القيود التي فرضت على حجم وتوزيع القوات المصرية في المنطقة التي قسمت إلى ثلاث مناطق.
وشكل البروتوكول الإضافي حول مناطق التسليح في الأراضي المصرية معضلة أمنية أزعجت السلطات المصرية خاصة في المنطقة “ج”، إذ تقول إن جماعات مسلحة وخارجة عن القانون تستقر بالمنقطة بوصفها ملاذا آمنا وسط عشرات الكيلومترات من الجبال والأحراش.
خطوط حمراء
ومع اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة وحديث المسؤولين الإسرائيليين عن خطط لتهجير سكان غزة إلى سيناء، اعتبرت مصر الأمر خطا أحمر، وأعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رعن رفض بلاده تهجير الفلسطينيين في غزة سواء من خلال النزوح داخليا أو خارج أراضيهم وخاصة إلى سيناء.
كما برز الحديث عن محور فيلادلفيا الحدودي بين قطاع غزة ومصر إلى الواجهة مجددا بعد حديث نتنياهو عن ضرورة سيطرة إسرائيل على المحور بشكل كامل الشهر الماضي.
وقال نتنياهو في 30 يناير/كانون الثاني الماضي إن “محور فيلادلفيا يجب أن يكون تحت سيطرتنا، يجب إغلاقه، من الواضح أن أي ترتيب آخر لن يضمن نزع السلاح الذي نسعى إليه”.
وفي ردها على تصريحات نتنياهو، اعتبرت القاهرة أن المساس بخط فيلادلفيا خط أحمر، وبيان صدر عن رئيس هيئة الاستعلامات المصرية الرسمية ضياء رشوان أي تحرك إسرائيلي باتجاه احتلال محور صلاح الدين (فيلادلفيا) سيؤدي إلى تهديد خطير وجدي للعلاقات المصرية الإسرائيلية.
وقال رشوان “هنا يجب التأكيد الصارم على أن أي تحرك إسرائيلي بهذا الاتجاه سيؤدي إلى تهديد خطير وجدي للعلاقات المصرية الإسرائيلية، فمصر فضلا عن أنها دولة تحترم التزاماتها الدولية، فهي قادرة على الدفاع عن مصالحها والسيادة على أرضها وحدودها.”
ومع بداية القصف الإسرائيلي لمناطق قرب الحدود المصرية مع غزة في ديسمبر/كانون الثاني الماضي، حذّر عضو مجلس النواب المصري مصطفى بكري (المقرب من النظام) عبر منصة إكس، مما أسماه بالتطور الخطير والذي قال إنه “يدفع إلى انفجار الموقف بين مصر وإسرائيل.. الضربات على بعد أمتار قليلة من الحدود المصرية.. العدو يتمادى في مخططاته.. حدود مصر خط أحمر”.
ومحور فيلادلفيا، ويُسمى أيضا محور صلاح الدين، هو ضمن منطقة عازلة بموجب اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979، ولا يتجاوز عرضه مئات الأمتار، ويمتد بطول 14.5 كيلومترا من البحر المتوسط حتى معبر كرم أبو سالم.
ماذا يعني إلغاء المعاهدة؟
مع حشد إسرائيل قواتها لاجتياح رفح متجاهلة التحذيرات الدولية والموقف المصري، نشرت صحيفة نيوز ري الروسية تقريرا بعنوان ” هل تندلع حرب بين إسرائيل ومصر؟” تناول التصعيد على الحدود المصرية مع غزة وما قد تقود إليه من مواجهة بين القاهرة وتل أبيب.
في حين أشار تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، إلى أن مصر تراقب بقلق الضغوط المتزايدة على حدودها مع غزة، ودفعت بتعزيزات عسكرية إلى الحدود من جانبها، وحذرت إسرائيل من أية خطوة قد تؤدي إلى إجبار سكان القطاع على دخول الأراضي المصرية.
في حين نشرت وكالة أسوشيتد برس تقريرا يسلط الضوء على تداعيات إلغاء معاهد كامب ديفيد إذا أقدمت مصر على تنفيذ تهديدها، وقالت إن الخطوة من شأنها الضغط على الجيش الإسرائيلي، حيث إن المعاهدة تحدّ بشكل كبير من عدد القوات على جانبي الحدود مع مصر، الأمر الذي يسمح للجيش الإسرائيلي بالتركيز على التهديدات التي تتربص به على الجبهات الأخرى ومنها الجبهة الشمالية مع لبنان.
وقالت الوكالة إن إلغاء المعاهدة سيحرم إسرائيل من الهدوء الذي كانت تتمتع به على الحدود الجنوبية، وسيشكل تعزيز قواتها على الحدود مع مصر تحدياً للجيش الإسرائيلي الذي ينتشر في الضفة الغربية ويخوض حربا في غزة ومناوشات يومية مع حزب الله على الحدود مع لبنان.
كما أشارت إلى أن الخطوة ستكون لها تداعيات على مصر أيضا، التي تتلقى مساعدات أميركية بمليارات الدولارات، وقالت إن تعليق المعاهدة سيعرض تلك المساعدات للخطر، كما أن الدفع بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى سيناء سيكون عبئا يثقل كاهل الاقتصاد المصري المتعثر.