ما زالت التطورات العسكرية والإنسانية في غزة تتسارع منذ 130 يوما من العدوان الإسرائيلي على القطاع، وقد تصل إلى مرحلة الانفجار الكبير مع تهديدات جيش الاحتلال الإسرائيلي باجتياح رفح (جنوبي القطاع).
فقد أعلنت أمس الاثنين كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس) قتل 10 جنود إسرائيليين من المسافة صفر، وقالت سرايا القدس (الجناس العسكري لحركة الجهاد الإسلامي) إنها نصبت كمينا لقوة إسرائيلية، وأوقعت أفرادها بين قتيل وجريح.
ومن جانبه أكد جيش الاحتلال -أمس الاثنين- إصابة 9 عسكريين في معارك بالقطاع، خلال 24 ساعة الماضية، وما زال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يردد أنه “مصر على ممارسة الضغط العسكري حتى تحقيق النصر” وإطلاق المحتجزين لدى حماس.
الجزيرة نت استطلعت آراء عدد من المحللين والخبراء لبيان الأهداف العسكرية والسياسية التي يسعى جيش الاحتلال لتحقيقها من اجتياحه مدينة رفح، ومدى نجاحه واقعيا في الوصول لهذه الأهداف.
أسباب اجتياح رفح
فقد قال الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا “إن منطقة رفح لها واقع مختلف نظرا للموقع الجغرافي أولا، والتركيبة البشرية ثانيا، والعقل الإسرائيلي ثالثا”.
وأضاف أن نتنياهو ربط عملية اجتياح رفح بنجاح العملية العسكرية عامة “فإذا سُمح له بذلك قد ينجح، وهنا يكون قد حقق هدفه الأساسي، وإذا لم يُسمح له فإنه سيلقي اللوم على من لم يسمح له بالذهاب إلى رفح”.
في حين قال حاتم الفلاحي الخبير العسكري والإستراتيجي بمركز الرافدين للدراسات الإستراتيجية (راسام) إن حكومة نتنياهو تحاول الذهاب إلى رفح لعدة أسباب:
- إكمال السيطرة على معبر رفح وممر صلاح الدين، تلك المنطقة المهمة التي تؤدي السيطرة عليها إلى خنق حماس بالكامل.
- سعي إسرائيل لإغلاق الباب تماما أمام ما تسميه “تزويد حماس بالأسلحة التي تستخدمها الآن في المقاومة” وهذا اتهام مباشر إلى مصر بأنها كانت تسمح بتهريب الأسلحة إلى الحركة.
- إتمام عملية تهجير سكان قطاع غزة إلى الخارج، وهذا كان سببا أساسيا للحملة العسكرية التي يشنها جيش الاحتلال على القطاع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
- لم تتبق إلا منطقة رفح لتحقيق الهدفين اللذين أعلنتهما حكومة نتنياهو وهما: إطلاق الأسرى المحتجزين لدى حماس، والقضاء على قيادات الحركة.
أما الكاتب والمحلل السياسي ماجد إبراهيم فيرى أن الأسباب التي دفعت جيش الاحتلال للدخول إلى مدينة رفح تعود إلى أن “العدوان الصهيوني يريد استكمال ما بدأه شمال القطاع ووسطه، ويريد الآن استكماله جنوبا في مدينة رفح” التي يقول إن فيها 4 كتائب لحركة حماس ويريد أن يقضي عليها.
كما أوضح إبراهيم أن نتنياهو يريد تحقيق إنجاز عسكري يواجه به خصومه السياسيين المتربصين به، فضلا عن مطالبات عائلات الأسرى المتعاظمة، وتأكيده لها أن القوة العسكرية هي التي تمهد الطريق لإطلاق الأسرى وليس غيرها، وأيضا في ضوء رغبة الشارع المتعطشة للانتقام منذ أحداث طوفان الأقصى.
لكن العميد حنا يعود ويضع مجموعة من العقبات التي تقيد قدرة الجيش الإسرائيلي على اجتياح رفح، ومنها:
- كثافة السكان المدنيين في هذه المنطقة التي تقدر بنحو 1.5 مليون نسمة.
- نتنياهو أمر الجيش الإسرائيلي بوضع خطة عسكرية لإخلاء النازحين.
وهنا، يورد حنا عددا من التساؤلات التي لا يمكن تحقيقها واقعيا كما يقول:
- من الذي سيخلي هذه الكثافة السكانية؟ هل الجيش نفسه؟ ويجيب بأن الجيش الإسرائيلي يعد عدوا للسكان غير الموالين له وبالتالي لا يمكنه إخلاء هذا العدد الكبير.
- هل ستقوم بذلك “منظومة فتح” التي كانت تحكم غزة؟ ويجيب بأن هذا الأمر غير ممكن لأن موظفيها أيضا سيكونون أهدافا لإسرائيل.
- هل هناك جهة دولية ستقوم بهذا؟ ويجيب: حتى الآن لم يتضح ذلك، لأن الأمر يتطلب وقتا وحوله تعقيدات كثيرة.
- هل هناك منطقة ذات بنية تحتية جاهزة الآن لاستقبال هذه الكثافة السكانية؟ وهذا أيضا غير متوفر حاليا.
صفقة التبادل
أشار الفلاحي إلى أن الإعلان عن الحملة التي تستهدف منطقة رفح عينها على صفقة التبادل التي يجري التحضير لها الآن، فإذا تحققت الأهداف من هذا الاجتياح فلن يكون نتنياهو مضطرا لعقد هذه الصفقة، ولن تكون هناك مفاوضات من الأساس، أما إذا فشل في تحقيق هذه الأهداف فسيكون مضطرا لعقد صفقة مع حماس.
وأضاف أن جيش الاحتلال يقوم بعملية قصف جوي مباشر لمنطقة رفح من أجل تهيئة مسرح العمليات العسكرية في هذه المنطقة، وهذا يبين أن نتنياهو ليست لديه جدية في إبرام أي صفقة مع حماس خلال هذه الفترة.
وقال “أعتقد أن مؤشرات ما يجري الآن من تفاصيل صفقة تبادل الأسرى تشير إلى أن الدول الغربية لا تريد إعطاء أي شيء لقيادة حماس، فهي لا تريد وقف إطلاق النار بشكل كامل، بل تريد فقط هدنة مؤقتة”. ولذلك هم لا يعملون وفق مبدأ “الكل مقابل الكل” وإنما “يريدون أن تكون الصفقات حسب ما جرى في الفترة الماضية، أي كل واحد يُطلق من الأسرى لدى حماس يكون في المقابل ما يقارب 30 من المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال”.
ويرى الباحث في مركز راسام أن “هذه الصفقة لا تفي بالغرض بالنسبة لفصائل المقاومة التي تحملت هذا التدمير الكبير وهذه الخسائر الكبيرة جدا، ومن أجل ذلك يتضح أنهم غير جادين في إبرام صفقة حقيقية مع حماس”.
لكن إبراهيم يرى أن العمليات في رفح “تأتي لمحاولة تحسين موقف نتنياهو التفاوضي، في ضوء مفاوضات تبادل الأسرى ووقف النار التي وصلت إلى مرحلة اتفاق باريس” وأيضا في ضوء رد حماس على هذه الوثيقة ومطالباتها التي تتعلق بالإغاثة والمساعدات وإطلاق المعتقلين الفلسطينيين.
وأشار أيضا إلى أن نتنياهو سيضطر في النهاية للتنازل بعد أن يفشل في مهمته برفح، و”سيضطر للتفاوض بجدية على صفقة وقف النار مع تزايد الضغوط الأميركية عليه مع الضغوط الداخلية والدولية، لا سيما أن استمراره في استهداف المدنيين سيزيد سخط العالم عليه”.
أما حنا فيقول “أنا أعتقد أن ما يجري الآن هو تهويل وعملية ضغط لإرغام المقاومة على تغيير مواقفها من التفاوض” وبالتالي ما يجري حاليا من قصف واستهداف “يعد عملية خاصة اعتبرتها إسرائيل تحريرا لاثنين من الرهائن، وتبقى عملية خاصة بسيطة ضمن موضوع معقد وكبير، وتحضيرا لعملية إطلاق الرهينتين، ولا أعتقد أنه كان تحضيرا للعملية الكبرى التي تحدث عنها نتنياهو”.
الموقف الأميركي
وعن الموقف الأميركي من التصعيد الإسرائيلي ضد مدينة رفح، قال إبراهيم إن واشنطن تريد من نتنياهو “إنجاز هذه المرحلة الأخيرة قبل شهر رمضان” ورغم أنها تكشف عن اعتراضات لما يقوم به جيش الاحتلال “لكنها تبقى غير نافذة ولا تتجاوز الإعلام وهدفها الاستهلاك الداخلي نتيجة لحسابات الرئيس الأميركي جو بايدن الداخلية” في حين أنه نفسه أعطى نتنياهو الضوء الأخضر لاجتياح كل القطاع.
وفي ما يتعلق بالموقف المصري، قال إبراهيم إنه “لا يزال كما هو يتمسك برفض التهجير ولكنه في الوقت نفسه للأسف لا ينجح في ممارسة ضغط حقيقي على الكيان الصهيوني لعدم اجتياح رفح وما قد يمثله ذلك -كما يقول البعض- من تهديد للأمن القومي المصري”.
وغير بعيد عن ذلك قال الفلاحي “إن الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر لهذه العملية العسكرية، على أن تكون هناك ضمانات في ما يتعلق بالمدنيين” ولا شك أن نتنياهو سيعطي هذه الضمانات للرئيس الأميركي “لأن واشنطن هي الداعم الرئيسي للحكومة الإسرائيلية وهي التي تمنع مجلس الأمن من إصدار أي قرار لوقف إطلاق النار طوال الفترة الماضية”.
ويختم الفلاحي “إذن، هي راضية على العملية العسكرية، وما يجري في المنطقة يتم بدعم أميركي كبير جدا وبدعم غربي، بما في ذلك فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا”.
لكن العميد حنا له تصور آخر، إذ يقول إنه “على المستوى الجيوسياسي فإن نتنياهو بحاجة إلى موافقة من الراعي، أي من الولايات المتحدة” ولذلك فإن موقفها “بدأ يتبدل نوعا ما من وقت إلى آخر خلال اليومين الماضيين” وجرى اتصال بين الرئيس ونتنياهو. ولا أعتقد أن بايدن أعطاه ذلك الضوء الأخضر، بل حذره من مغبة دخول رفح، ومن ثم فإنه إذا هاجم فسيكون أضر العلاقة مع أميركا.
وأشار أيضا إلى أن إسرائيل بحاجة إلى الموقف المصري نظرا للحدود المشتركة، ومنها حركة دخول وخروج المقاتلين أو السلاح أو حتى المساعدات الإغاثية، وهناك أيضا اتفاقية كامب ديفيد بين القاهرة وتل أبيب وهي مهمة جدا لإسرائيل ويجب أن تحافظ عليها.