ذات يوم منذ أكثر من قرن ونصف صدر فرمان من قبل السلطان العثماني “عبد المجيد” إلى محمد على باشا في 13 فبراير عام 1841، يؤكد على ضرورة سجن مصر في حدود ضيقة من الاستقلال الداخلي والخارجي ،و يحدد لمحمد على شروط توريث الحكم في أسرته وعدد الجيش المصري وقيمة الجزية السنوية والباشا يرفض ذلك الفرمان.
وتمر الأعوام ليمضي قرابة قرنين من الزمان وتأتى زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى القاهرة في 13 فبراير عام 2024 ، بعد سنوات من الصمت السياسي السلبي في العلاقات المصرية التركية ليفتح مع الرئيس السيسي صفحة جديدة كما وصفها الرئيس السيسي في كلمته في المؤتمر الصحفي أمام الرئيس التركي وكأن مصر هي الملاذ الآمن الذي ترنو إليه مساعي الدول المختلفة في أوقات الأزمات .
فمن قبل تركيا، كانت قطر والتي حرصت على توطيد العلاقات مع مصر بعد العزلة السياسية والاقتصادية وسنوات من الانقطاع، وتشاركا الاثنان في جهود حثيثة لحل القضية الفلسطينية.
وكذلك تركيا التي تحاول إرسال المزيد من المواد الاغاثية لغزة عن طريق مصر، ولا شك أن التوافق السياسي المصري التركي حيال تلك القضية يضمن دعمًا أكبر للشعب الفلسطيني فالدولتان يتشاركان رؤية واحدة تجاه القضية الأبرز الآن على الساحة الدولية، كما أن لكل منهما ثقل في المجتمع الدولي وكلمة أمام المحافل الدولية ، مما يضمن دعمًا سياسيا واقتصاديًا أكبر للقضية .
ليست القضية الفلسطينية فحسب ، ولكن ذلك التوافق يواجه المشاكل والتحديات العالمية التي باتت تهدد العالم وتهدد الأمن الغذائي وحركة التجارة العالمية ، يأتي التعاون المصري التركي ليعزز الجهود الدولية لحل تلك الأزمات وتنشيط الاستثمارات التركية في مصر ودفع عجلة تنمية الاقتصاد المصري والتركي .
وتتميز كل دولة بموقع جغرافي رائع ويأتي التعاون الاقتصادي التجاري بينهما بمثابة حلقات وصل إيجابية تلقى بظلالها على التأثر العالمي من أزمات الغذاء والحبوب وسلاسل الإمداد والتوريد .
إن تحسن العلاقات بين مصر وكثير من الدول حتى الدول التي كانت تتبنى مواقف معادية للدولة المصرية بعد 2013 ليس من قبيل الصدفة أو مجرد أحداث عشوائية بل هو نتاج مقومات وأدوات كثيرة أصبحت تمتلكها السياسية المصرية الهادئة الرشيدة ألا وهي سياسة الحياد وتبنى المواقف السياسية المنصفة تجاه القضايا المختلفة والحفاظ على الاستقرار والأمن الداخلي في إقليم على صفيح ساخن ، وقوة الدولة المصرية على الصعيد الخارجي وقدرتها على التدخل في ملفات عدة بهدف التهدئة ،وثقلها الإقليمي والدولي ، لذا تأتي زيارة الرئيس التركي لمصر خير دليل على انتصارات مصر السياسية الهادئة واستكمالا لسلسلة من الانتصارات الدبلوماسية التي نجني ثمارها على الصعيد الدولي والاقتصادي والتجاري .