كشف تحقيق استقصائي أعدته شبكة الجزيرة الإعلامية عبر المصادر المفتوحة عن تعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي اغتيال الطفلة هند وعائلة عمها بشار حمادة، في حي تل الهوى غرب مدينة غزة.
وأثبت التحقيق -الذي أعدته وكالة سند للرصد والتحقق الإخباري- وفق صور أقمار صناعية خاصة وأدلة ومعلومات حصرية، وجود الآليات الإسرائيلية في نفس مكان وزمان وُجود السيارة التي احتمت بداخلها الطفلة والأسرة المنكوبة.
وأكد التحقيق تعمد جنود الاحتلال إطلاق الرصاص على السيارة عدة مرات من أكثر من اتجاه بأوقات متفرقة، وذلك بعد مراجعة الخط الزمني للأحداث وما تضمنه من مكالمة الطفلة ليان بشار في المكالمة المسجلة مع الهلال الأحمر، والصور الميدانية التي حددنا من خلالها أماكن طلقات الرصاص على السيارة، وأماكن وجود الآليات الإسرائيلية في صورة القمر الصناعي في يوم الحادث.
ويثبت التحقيق أن الآليات الإسرائيلية وجدت في محيط السيارة بجوارها قبل اغتيال ليان وهند، مما يعني أن الجيش الإسرائيلي كان لديه الإمكانية لإنقاذ الطفلتين، لكنه لم يفعل.
بداية الأحداث
تسجيل صوتي للطفلة ليان وهي تتحدث لأحد مسعفي الهلال الأحمر الفلسطيني، وتطلب إنقاذها ثم صراخ للطفلة يترافق مع صوت إطلاق رصاص كثيف عليها، ثم انقطاع الاتصال معها.
وانتشر خبر استشهاد الطفلة ليان وجميع أفراد أسرتها وبقاء قريبتهم الطفلة هند على قيد الحياة، وانتشرت مناشدات لإنقاذ هند وهو ما عمل عليها الهلال الأحمر عبر التنسيق مع الجهات الفلسطينية المختصة في التواصل مع الجانب الإسرائيلي لتأتي الموافقة، وانطلقت سيارة إسعاف فيها كل من (يوسف زينو، وأحمد المدهون) ووصلوا إلى موقع الحدث، وبعدها انقطع الاتصال بهم ومع هند إلى الأبد.
بعد ما يقارب الـ12 يوما، وتحديدا صباح العاشر من فبراير/شباط 2024 عثر على بشار وعائلته برفقة هند قتلى، كما عثر على سيارة الإسعاف وبقايا جثامين المسعفين، ومن هنا كانت بداية هذا التحقيق.
كان السؤال الأول أين كان يسكن الضحايا قبل مقتلهم؟ ولماذا رحلوا من هذا المكان في هذا اليوم؟
بالبحث عن الضحية الأولى بشار حمادة استطعنا الوصول إلى حسابه على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك.
ويظهر الحساب أن بشار ضمن عائلته لديهم شركة باسم “شركة حمادة للغاز والبترول”، وبالبحث عن موقع محطة البنزين والشركة المنشور صور له عبر حسابه، وجدنا أن المحطة تقع بمنطقة تل الهوى في قطاع غزة.
والمفاجأة كانت أن تلك المحطة تقع على بعد 300 متر تقريبا من موقع الحادث عند محطة شركة فارس للبترول، وهي مسافة تقطع مشيا في 3 دقائق وبالسيارة أقل من دقيقة.
وبالبحث عن تلك المنطقة وجدنا أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي قد نشر صباح 29 يناير/كانون الثاني 2024 على موقع التواصل الاجتماعي “إكس” نداء عاجلا لسكان عدة مناطق من ضمنهم منطقة تل الهوى يطالبهم فيها بإخلاء مناطقهم.
#عاجل ‼️ نداء إلى السكان المتواجدين غرب مدينة غزة في أحياء النصر والشيخ رضوان ومخيم الشاطئ والرمال الشمالي والجنوبي والصبرة والشيخ عجلين وتل الهوى – من أجل سلامتكم نحثكم على اخلاء مناطق تواجدكم بشكل فوري والانتقال من خلال شارع الرشيد (البحر) نحو المآوي المعروفة في دير البلح 🔴 pic.twitter.com/ABGOawNxzM
— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) January 29, 2024
كما قام المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في الخامس من فبراير/شباط الجاري بإعادة نشر أمر الإخلاء لعدة مناطق من ضمنها منطقة تل الهوى.
#عاجل ‼️ نداء إلى السكان المتواجدين غرب مدينة غزة في أحياء النصر والشيخ رضوان ومخيم الشاطئ والرمال الشمالي والجنوبي والصبرة والشيخ عجلين وتل الهوى – من أجل سلامتكم نحثكم على اخلاء مناطق تواجدكم بشكل فوري والانتقال من خلال شارع الرشيد (البحر) نحو المآوي المعروفة في دير البلح
— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) February 5, 2024
أجرى فريق وكالة سند مقابلة مع قريب العائلة محمد حمادة، وهو أول من أبلغ الهلال الأحمر الفلسطيني بالحادثة، وأرسل رقم الهاتف الذي تواصل به الهلال الأحمر مع ليان ثم هند.
وسألنا محمد حمادة عن سبب وجود العائلة في هذا المكان؟ وعن سبب تحركهم من سكنهم؟ فكان جوابه أن “الأسرة كانت تقيم في منطقة تل الهوى وتحديدا في محطة بنزين حمادة قبل الحادثة بعدة أيام، وبعد أن طلب الجيش الإسرائيلي إخلاء المنطقة نفذت الأسرة ذلك”.
وبهذا علمنا سبب وجود الأسرة في موقع الحادث، وأثبتنا من صفحة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي قيامه بطلب إخلاء تلك المنطقة، وقمنا بمعرفة موقع انطلاق الضحايا وموقع استهدافهم.
صور الأقمار الصناعية:
حصلنا على صورة للأقمار الصناعية في 29 يناير/كانون الثاني تم التقاطها في الساعة (3:31 دقيقة بتوقيت غزة)، واستطعنا من خلال الصورة اكتشاف موقع سيارة الضحايا وموقع الآليات العسكرية التي كانت على بعد 270 مترا تقريبا من السيارة وقت التقاط الصورة.
وهكذا استطعنا تحديد مكان العربة أمام بنزينة شركة فارس للبترول:
كما استطعنا تحديد موقع الآليات العسكرية الإسرائيلية على بعد 278 مترا تقريبا.
الخط الزمني للأحداث
-
في 29 يناير/كانون الثاني ما بين الساعة 2:00 و 2:30 عصرا بتوقيت غزة
أبلغ الأستاذ محمد حمادة الهلال الأحمر بوجود أقاربه في سيارة سوداء نوعها (بيكانتو) بجوار محطة فارس، وأرسل رقما للضحايا كي يتواصل الهلال الأحمر معهم مع ذكر أن السيارة فيها 5 شهداء وطفلتان ما زالتا على قيد الحياة.
-
الساعة الـ2:40 التواصل مع ليان وفق شهادة موظفة الهلال الأحمر رنا
تواصل المسعف عمر مع الرقم لترد عليه الطفلة ليان، لتبلغ المسعف بوجود دبابة بجوارهم، وأنها تطلق الرصاص عليهم، بعد ثوان سمع صوت إطلاق كثيف للنار مع صرخات ليان نتيجة إصابات بطلقات الرصاص وانقطاع الاتصال بها.
وتواصل الهلال الأحمر مرة أخرى لترد عليهم هند بدل من ليان، حينها أخبر الهلال الأحمر قريبهم محمد حمادة عبر رسائل الواتساب باستشهاد ليان وبقاء الطفلة الصغيرة.
-
الساعة 2:57 مكالمة جديدة لموظفة الهلال الأحمر رنا مع هند
تخبرهم هند بمقتل الجميع، وأنها خائفة وتطلب منهم القدوم لإنقاذها، وأن هناك دبابات بجوار السيارة.
-
الساعة 5:40 يحصل الهلال الأحمر على الإذن من الجيش الإسرائيلي بإرسال سيارة إسعاف لإنقاذ هند
وفي حوالي الساعة 6 مساء يصل المسعفان يوسف زينو وأحمد المدهون إلى منطقة الحادث، كانت هند في هذه الأثناء على تواصل مع والدتها وموظفي الهلال الأحمر الذي انقسموا لفريقين فريق يتابع مع الطفلة هند وفريق يتابع مع سيارة الإسعاف.
لحظات، ويبلغ فريق الإسعاف بأنه رأى سيارة الضحايا وهند، ثم يسمع صوت نيران وينقطع الاتصال مع سيارة الإسعاف.
يصيب والدة هند الرعب، وتطمئن الأم على ابنتها، فتجيبها ابنتها أنها ما زالت بخير.. بعدها انقطع الاتصال مع هند للأبد.
-
صباح العاشر من فبراير/شباط 2024
يعثر الأستاذ سمير عم الضحايا مع آخرين على السيارة وبداخلها جثامين الضحايا السبعة، كما يعثر على ما تبقى من سيارة الإسعاف بداخلها بقايا عظمية للمسعفين.
تحليل مسرح الجريمة:
بتحديد أماكن طلقات الرصاص في السيارة يمكن تحديد 3 زوايا لاتجاه إطلاق الرصاص وهي من أمام السيارة، ومن الجهة اليمنى للسيارة، ومن زاوية مائلة من يمين السيارة من الخلف.