بعد الفوز الساحق الذي حققه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على منافسته نيكي هيلي في الانتخابات التمهيدية بولاية ميشيغان أمس الثلاثاء، الذي يأتي بعد بضعة أيام من الفوز عليها في معقلها ولاية كارولينا الجنوبية، بات من الواضح أن المنافسة لنيل ترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية قد حسمت لصالحه.
ويبدو أن كل المؤشرات حتى الآن تعزز التوقعات التي طالما أشارت إلى أن السباق نحو البيت الأبيض هذا العام سيكون جولة منافسة أخرى بين ترامب والرئيس الحالي جو بايدن، الذي أعلن ترشحه في أبريل/نيسان الماضي لولاية جديدة في الانتخابات الرئاسية لعام 2024.
لكن معرفة مرشحي الحزبين لا تساعد كثيرا في استشراف مآلات المعركة الانتخابية بين بايدن (81 عاما) الذي يُعدّ أسن رئيس أميركي على الإطلاق وقد ثارت شكوك مؤخرا حول قدراته العقلية، وترامب (77 عاما) الذي يلاحقه القضاء في 4 قضايا رئيسية في عدة ولايات أميركية.
كما يبدو أن الناخبين الأميركيين لا يشعرون بالحماس لجولة سباق أخرى بين الرجلين للجلوس على كرسي الرئاسة في أقوى دولة بالعالم، الأمر الذي يرى مراقبون أنه قد ينعكس سلبا على نسبة الإقبال على التصويت في الانتخابات المقبلة، علما أن نسبة الإقبال في انتخابات عام 2020 قد بلغت 62%.
فما حظوظ ترامب في الفوز على منافسه الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية هذا العام، وما المعوقات التي قد تعترض مساعيه للعودة إلى البيت الأبيض؟
مؤشرات
والانتصارات المتتالية التي حققها ترامب خلال الانتخابات التمهيدية، التي كان آخرها فوزه على منافسته هيلي في ميشيغان -أمس الثلاثاء- وكارولينا الجنوبية الأحد الماضي، وهي الولاية التي حكمتها هيلي 6 سنوات، تشير إلى مدى شعبيته بين صفوف ناخبي الحزب الجمهوري.
فقد فاز ترامب في الولايات الست التي شهدت انتخابات تمهيدية حتى الآن وهي آيوا ونيفادا ونيوهامبشير وكارولينا الجنوبية وميشيغان وجزر العذراء الأميركية، وهو ما دفع لانسحاب كل المرشحين الجمهوريين أمامه باستثناء هيلي.
ووفق تقرير نشرته واشنطن بوست للكاتب الصحفي آرون بليك، فإن ترامب أول مرشح جمهوري خارج البيت الأبيض يفوز فوزا ساحقا بولايتي آيوا ونيوهامبشير، وقد أضاف لهما نيفادا وكارولينا الجنوبية، في سابقة أخرى، إذ يشير التقرير نفسه إلى أنه أول مرشح من الحزبين خارج البيت الأبيض يكتسح الولايتين منذ أن بدأتا إجراء الانتخابات التمهيدية عام 2008.
وبعد الهزيمة التي منيت بها في معقلها، يستبعد المراقبون أن تحقق هيلي تقدما يذكر في باقي الانتخابات التمهيدية، وتشير استطلاعات الرأي إلى تقدم ترامب عليها في انتخابات ولاية ميشيغان التي انطلقت منذ ساعات الصباح الأولى بالتوقيت المحلي بالولاية أمس الثلاثاء.
وتُعدّ المنافسة في ولاية ميشيغان السباق الرئيسي الأخير قبل أن تتسع الانتخابات التمهيدية يوم الثلاثاء الكبير، عندما تجري 15 ولاية انتخابات في الخامس من مارس/آذار المقبل.
ورغم النتائج سالفة الذكر التي تشير إلى شعبيته بين ناخبي الحزب الجمهوري، فإن ترامب يواجه تحديات ليست بالهينة، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن نحو 31% من الناخبين يرون أنه لن يكون مؤهلا لتقلد منصب الرئيس في حال إدانته في القضايا التي يلاحق فيها أمام القضاء الأميركي.
ووفق تقرير بواشنطن بوست، فإن استطلاعات الرأي في 3 ولايات فاز فيها ترامب في الانتخابات التمهيدية تشير إلى أن 3 من كل 10 ناخبين يرون أن ترامب لن يكون لائقا لمنصب الرئاسة في حال إدانته قضائيا.
مطبات في الطريق إلى البيت الأبيض
لعل هذه أول انتخابات يجد فيها الأميركيون أنفسهم مجبرين على الاختيار بين رئيسين طاعنين في السن تحوم شكوك حول قدراتهما العقلية، ويلاحق القضاء أحدهما -وهو ترامب- في 4 قضايا يواجه فيها مجتمعة 91 تهمة جنائية.
وقد أدين ترامب في إحدى القضايا المرفوعة ضده الشهر الجاري، حيث قضت محكمة في نيويورك يوم الجمعة 16 فبراير/شباط الجاري بتغريمه 355 مليون دولار في قضية احتيال مالي.
وسيحاكم ترامب في بعض القضايا الشهر المقبل، من بينها قضية التآمر لقلب نتائج الانتخابات الرئاسية، التي تقرر موعدها في الرابع من مارس/آذار المقبل في واشنطن.
كما أن بعض القضايا التي يلاحق فيها ترامب قد تصل عقوبتها لنحو 20 عاما في حال إدانته، وهو ما دفع بعض المحللين السياسيين، من بينهم الخبير السياسي جوليان زيليزر، لتفسير إصرار منافسة ترامب الجمهورية نيكي هيلي على عدم الانسحاب من السباق ضده رغم خساراتها المتلاحقة، بأنها الصمود لفترة كافية حتى يتسنى للإجراءات القانونية تقويض ترشح ترامب.
ولا يستبعد مراقبون فرضية إدانته قبل موعد الانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، ويشير عديد من استطلاعات الرأي إلى أن شعبيته ستتراجع كثيرا إذا ما حدث ذلك.
مأزق بايدن
لكن رغم التحديات سالفة الذكر التي قد تعوق سير ترامب الحثيث نحو البيت الأبيض، فيبدو أن حظوظه ربما لا تكون سيئة خاصة بالنظر للتحديات التي تواجه خصمه بايدن، المرشح الديمقراطي الذي أخرجه من البيت الأبيض عام 2020.
فبايدن -المرشح الديمقراطي الوحيد حتى الآن- يواجه تحديات أبرزها الشكوك التي تحوم حول قدراته العقلية، والتي أصبحت تثير قلق كثير من الأميركيين، فضلا عن مشاعر الغضب والإحباط في صفوف الديمقراطيين بسبب دعم الرئيس الأميركي غير المشروط للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وقد أشار تقرير نشرته وكالة رويترز -أمس الثلاثاء- إلى تراجع شعبية بايدن بسبب موقفه من الحرب على غزة، ونقلت الوكالة عن أحد كبار مستشاري حملة بايدن الانتخابية قوله إن الحزب تضرر من دعمه لإسرائيل بشكل يفوق ما كان متوقعا.
وتراجعت حظوظ بايدن في بعض الولايات المتأرجحة وعلى رأسها ولاية ميشيغان التي فاز بايدن في الانتخابات التمهيدية فيها أمس الثلاثاء، وكان قد فاز فيها بفارق ضئيل على ترامب في الانتخابات الرئاسية عام 2020.
وتشهد ميشيغان الآن حراكا للديمقراطيين العرب والمسلمين والداعمين للقضية الفلسطينية يدعو لمعاقبة بايدن وعدم التصويت له في الانتخابات الرئاسية بسبب موقفه من الحرب على غزة.
وقد أطلق الديمقراطيون العرب والمسلمون في الولاية حملة لحث الناخبين على التصويت “بغير ملتزم” في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، احتجاجا على سياسات بايدن تجاه غزة ودعمه الحرب عليها، واكتسبت الحملة زخما متناميا خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وول ستريت جورنال: استطلاعات الرأي في ولاية ميشيغن تشير إلى مصاعب يواجهها بايدن تجعل إعادة انتخابه في خطر بسبب الصراع في غزة#حرب_غزة #الأخبار pic.twitter.com/abe1qGh8GL
— قناة الجزيرة (@AJArabic) January 22, 2024
من سيفوز بانتخابات 2024؟
في تحليل نشره بصحيفة التايمز، يرى الكاتب الصحفي ديفيد تشارتر أنه في حال تأكيد الحزبين ترشيح ترامب وبايدن في مؤتمريهما الوطنيين، فمن المرجح أن تكون نتائج الانتخابات العامة في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل متقاربة.
ويقول إنه خلافا لما حدث عام 2020، عندما كانت استطلاعات الرأي تشير دائما إلى تقدم بايدن على خصمه ترامب، فإن استطلاعات الرأي هذا العام تشير إلى أن ترامب يتقدم على بايدن بشكل طفيف في ولايات عديدة.
ويوضح أن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى تقدم ترامب على خصمه الديمقراطي في 4 ولايات متأرجحة، وهو ما قد يحسم نتيجة الانتخابات.
كما يشير إلى أن هناك عاملا آخر يصعب التنبؤ بتأثيره في الانتخابات المقبلة وهو الدور الذي يلعبه المرشحون المستقلون.
من جانبه يرى المحلل السياسي أسامة أبو ارشيد أن السباق نحو البيت الأبيض هذا العام بين الرجلين يختلف عن السباق بينهما عام 2020، الذي انتهى بفوز بايدن.
ويقول ارشيد في لقاء مع الجزيرة نت إن الزخم الذي طغى على الانتخابات الماضية والرغبة في التخلص من ترامب بسبب سوء إدارته لجائحة كورونا وتداعياتها وصداماته المتكررة مع أجهزة الدولة والخلافات المتفاقمة داخل حزبه وحتى مع الجيش وتصاعد العنصرية في الولايات المتحدة كلها عوامل أدت لحشد الرأي العام للتخلص منه.
لكن المعادلة انقلبت الآن، فبايدن يواجه تململا داخل حزبه لعدة عوامل من بينها سنه وتراجع الاقتصاد الأميركي، علاوة على دوره في الحرب على غزة، وهو الأمر الذي يمنح ترامب فرصة حقيقية للتفوق عليه والفوز في الانتخابات المقبلة.
ويرجح بعض المراقبين أن يلعب المرشحون المستقلون في الانتخابات الرئاسية دورا حاسما في تغليب كفة أحد مرشحي الحزبين خلال الانتخابات على حساب الآخر.
وفي انتظار ما قد تحمله الشهور الثمانية المقبلة التي تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية من تطورات ومفاجآت، قد ترفع حظوظ طرف وتهوي بحظوظ آخر، يبقى ترامب المرشح الأوفر حظا في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وفق مراقبين.