“لقد قُتل عدد كبير جدًا من الفلسطينيين الأبرياء في غزة، بما في ذلك آلاف الأطفال” قالها مؤخرا الرئيس الأميركي جو بايدن، فيما بدا أنها استفاقة نحو الحقيقة بعد شهور من تسليح إسرائيل وتأييدها المطلق بحربها المدمرة على القطاع.
واتساقا مع هذا الموقف، تناولت الصحافة الأميركية تسريبات حول جهود حثيثة تبذلها إدارة الرئيس لوقف النار في غزة والسماح بدخول المساعدات لأزيد من مليوني فلسطيني تقصفهم إسرائيل بأسلحة أميركا وتحاصرهم بنفوذها في مجلس الأمن ومراكز القرار على مستوى العالم.
وعلى نحو غير مسبوق، خرجت كمالا هاريس نائبة بايدن لتقول إنه لا عذر لإسرائيل في منع وصول المساعدات لسكان قطاع غزة، مشددة على أهمية التوصل لوقف إطلاق النار.
العودة للأصل.. مصلحة إسرائيل فقط
بيد أن الصحوة الأميركية لم تدم طويلا، فقد عاد بايدن سيرته الأولى وطالب بأمور كلها تصب في مصلحة إسرائيل، ولا تستحضر الأثمان التي بذلها الفلسطينيون قبل وبعد عملية طوفان الأقصى.
لقد قال الرئيس الأميركي إن وقف إطلاق النار في قطاع غزة بات بيد حركة حماس بعد أن “قامت إسرائيل بما عليها ووافقت على مقترح معقول”.
وقامت إسرائيل -منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي- بقتل 31 ألف فلسطيني وجرح 70 ألفا معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب تدمير الأحياء السكنية والبنى التحتية وتهجير وتجويع الناس في مختلف مدن القطاع المحاصر.
وأمام هذا المشهد، كان ينبغي حمل إسرائيل على القبول بوقف النار وبناء ما دمرته من مساكن ومدارس ومستشفيات، وفك الحصار الخانق على المدنيين.
لكنها لم تقم بأي من هذا، فالمقترح المعقول في نظر بايدن هو وقف النار لمدة 40 يوما، مما يمكّن إسرائيل من استعادة أسراها ويمنحها استراحة قصيرة من القتال بالميدان ويجنبها انتفاضة متوقعة في شهر رمضان.
ولقد شدد بايدن على أن “الإسرائيليين يتعاونون” وقال إن عرضهم لوقف النار عقلاني” ليضيف “سنعلم ما ستؤول إليه الأمور خلال يومين. لكننا نحتاج إلى وقف لإطلاق النار”.
والجانب الوحيد الذي وجه فيه الرئيس الأميركي اللوم لإسرائيل هو منع وصول المساعدات، قائلا إنه لا عذر لها في رفض دخول الشاحنات المتكدسة على الجانب المصري من معبر رفح.
إلى مجلس الأمن.. تصعيد أميركي
ومثل بايدن، حث مستشار اتصالات الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي على وصول المساعدات مشيدا بمقترح إسرائيل لوقف النار وقائلا إنها تفاوضت بحسن نية، متعهدا بالعمل معها حتى استعادة أسراها والتأكد من قدرتها على الدفاع عن نفسها.
كيربي الذي بكى على الهواء تأثرا بخسائر إسرائيل اليوم الأول من طوفان الأقصى، قال أمس الثلاثاء إن على حماس إنجاز الأمر والقبول بالمقترح الإسرائيلي لوقف النار.
ولم تكتف إدارة بايدن بالإشادة بالمقترح الإسرائيلي وإنما تريد من مجلس الأمن تأييده، لجعل حماس بين خيارين: إما أن تخضع أو تبدو في موقف من يرفض إطلاق النار على شعبه.
وقد أجهضت الولايات المتحدة 3 قرارات بمجلس الأمن الدولي تنادي بوقف إطلاق النار في غزة، قدمتها كل من روسيا والإمارات والجزائر.
لكن واشنطن تقدم حاليا مقترحا للمجلس الدولي يقضي بوقف فوري لإطلاق النار مدته 40 يوما مقابل استعادة إسرائيل كل أسراها المحتجزين لدى فصائل المقاومة في قطاع غزة.
شروط المقاومة.. أثمان من الميدان
بيد أن ما تراه أميركا، مقبولا ومعقولا، بعيد جدا عما تريده المقاومة الفلسطينية التي ترفض منح إسرائيل في المفاوضات ما عجزت عن تحقيقه في الميدان.
فبعد 152 يوما من القصف المدمر ما تزال المقاومة الفلسطينية تواجه الجيش الإسرائيلي في ساحات القتال، وتكبده يوميا خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
وتعترف إسرائيل بمقتل 586 عسكريا منذ بدء عملية طوفان الأقصى، بينهم 253 جنديا وضابطا قتلوا في المعارك الميدانية في غزة.
وأمس، قال القيادي بحماس أسامة حمدان إن ما فشلت إسرائيل في تحقيقه بميدان القتال لن تحققه على طاولة المفاوضات، مشددا أن أي عملية تبادل للأسرى لا يمكن أن تتم إلا بعد وقف النار وتحقيق جميع شروط حماس.
وتصر حماس على وقف النار أولا ثم الدخول في عملية تفاوض -بضمانات دولية- تؤدي لتبادل الأسرى وانسحاب الاحتلال وعودة السكان لمدنهم وقراهم وفك الحصار وإعادة الإعمار.
وفي المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار، تريد حماس إطلاق 500 أسير فلسطيني بينهم قادة كبار من مختلف الفصائل، مقابل الإفراج عن 40 من المحتجزين الإسرائيليين من المدنيين وكبار السن والمجندات.