بين الحرب على أوكرانيا والمواجهة مع الغرب واحتجاجات المعارضة، ينتظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تولى السلطة قبل ربع قرن، أن يعلن فوزه الأحد في انتخابات رئاسية ستبقيه في الكرملين 6 أعوام أخرى، كقائد حربي يمسك بالسلطة بكلتا يديه.
وشهد عهد بوتين في عام 2020، تعديلا دستوريا يتيح له البقاء في الحكم حتى 2036، وفي الانتخابات التي بدأت الجمعة وتختتم الأحد، من المؤكد أن بوتين (71 عاما) سيخرج فائزا بولاية رئاسية ستكون الخامسة له.
وقد شغل منصب الرئيس لولايتين امتدت كل منهما 4 أعوام، واثنتين كل منهما 6 أعوام، فصلت بينهما فترة كان خلالها رئيسا للوزراء.
وتميز حكم بوتين الآتي من صفوف جهاز الاستخبارات السوفياتية منذ وصوله إلى الكرملين في 31 ديسمبر/كانون الأول 1999 بسمتين رئيسيتين: أولاهما التصلب المستمر مع السيطرة على طبقة الأثرياء الأوليغارش وحرب الشيشان الثانية وخنق الحريات العامة وتقييد الإعلام والمعارضة.
والثانية هي السعي إلى اكتساب سلطة جيوسياسية، من خلال الحرب في جورجيا (2008)، وضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية (2014) والتدخل العسكري في سوريا (2015) وأخيرا الحرب على أوكرانيا (2022).
وظنت أوروبا خطأ أنها قادرة على توجيه هذه الطموحات مراهنة على الاعتماد الاقتصادي المتبادل من خلال المشتريات الضخمة من الغاز الروسي.
عالم جديد
وبعدما انخرط بوتين بالحرب في أوكرانيا وواجه الكثير من الإخفاقات، ما زال يصر على تحقيق النصر من خلال الاستنزاف، مراهنا على ميل الكفة لصالحه في الأشهر الأخيرة وإنهاك القوى الغربية الداعمة لكييف بالسلاح.
وبعد عامين على بدء الحرب، سيطرت قوات موسكو في الفترة الأخيرة على بلدة أفدييفكا، وواصلت التقدم في مواجهة قوات كييف التي تعاني من نقص العديد والذخيرة.
وفي أواخر فبراير/شباط، شدد بوتين على أن “القوات المسلحة الروسية لن تتراجع ولن تفشل”، معتبرا أن هذه مسألة “حياة أو موت” بالنسبة لموسكو.
وخلال الأسبوع الراهن اعتبر أن من المهم جدا أن يصوت الناخبون الروس بصفوف موحدة للبقاء على المسار المرسوم.
ومنذ بدء الحرب الروسية، ألقى بوتين سلسلة خطابات اتهم فيها أوكرانيا بـ”النازية”، وأعلن ضم أجزاء من أراضيها، وصوّر النزاع على أنه حرب بالوكالة مع الأميركيين.
لكن لا شيء يثني بوتين عن أهدافه، فقد وضع نصب عينه مهمة واحدة هي التخلص من هيمنة الغرب، وفي أكتوبر/تشرين الأول أعلن أن “مهمته هي بناء عالم جديد”، واصفا حرب أوكرانيا بالحدث الذي سيحدد “مبادئه”.
مواجهة الغرب
ولا بد من القول إن العميل السابق لجهاز الاستخبارات السوفياتي الذي كان متمركزا في ألمانيا الشرقية في الثمانينات، ما زال متأثرا بتفكك الاتحاد السوفياتي كدلالة على هزيمة موسكو في الحرب الباردة.
ومن أجل تحقيق أهدافه، يفتخر بوتين اليوم بالدعم الدبلوماسي الذي يحصل عليه من الصين، ويشير إلى أن آسيا، وفي مقدمتها الهند، تتهافت على النفط الروسي، وأن أفريقيا تعتبره حليفا ضد “الاستعمار الجديد” الغربي.
وبعد إخفاق الهجوم المضاد الأوكراني في صيف 2023، شعر بوتين بأنه يتمتع بهامش مناورة أكبر، مع انقسام الغربيين بشأن استمرار المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
وعاد إلى الساحة الدولية في حين امتص الاقتصاد الروسي عموما صدمات العقوبات الغربية رغم التضخم والاعتماد على الإنتاج العسكري.
ولكن رغم قوته، لا يزال الرئيس الروسي يواجه تحديات، فهو بعيد كل البعد عن الانتصار في أوكرانيا، وتظل قدرة الروس والنخبة والاقتصاد على الصمود في هذا النزاع على المدى الطويل سؤالا مطروحا.
وكانت بذور القطيعة مع الغرب قد نبتت وعبّر عنها بوتين في عام 2007 خلال مؤتمر الأمن في ميونخ في خطاب حاد اللهجة ألقاه على مسامع كبار الشخصيات الغربية، عندها اتهم حلف شمال الأطلسي (الناتو) بتهديد روسيا من خلال التوسع وانتقد الولايات المتحدة لأنها تنسب لنفسها “سيادة مطلقة” في العالم، وهي المبررات نفسها التي استخدمها للحرب على أوكرانيا.
وعلى الصعيد السياسي الداخلي، لم يخف الكرملين عدم تساهله مع أي معارضة.