فتح تصويت مجلس النواب الأميركي على مشروع قانون يجبر شركة “بايت دانس” الصينية على بيع تيك توك إلى شركة أميركية فصلا جديدا في الحرب بين الصين والولايات المتحدة قبل انتخابات رئاسية يخوضها الرئيس الأميركي جو بايدن بحساب نشط على التطبيق الصيني حتى وهو يعد بتوقيع قانون حظره، في حين انقلب خصمه دونالد ترامب إلى مدافع شرس عن تيك توك بعدما أيد منعه سابقا.
وكتبت صحيفة “إلباييس” الإسبانية تقريرا مطولا بعنوان “التيك توك في مواجهة واشنطن.. إذا حظروا التطبيق سيقضون على الحلم الأميركي”.
وتشير إلباييس إلى قوة ضغط جديدة في أميركا تتشكل من صناع المحتوى على التيك توك الذين تقاطر عشرات منهم على واشنطن لإقناع النواب برفض مشروع القانون، وبينهم جوفانا غونزاليس التي يتابعها 200 ألف شخص، وتتهم المجلس بمحاولة حظر الأداة التي سمحت لها بأن تعيش “شغفها بدراسات المال عبر ممارسة عمل بدوام كامل كصانعة محتوى ومُحاضِرة مدفوعة الأجر”.
لكن مسعى جوفانا وزملائها خاب، فقد صوت المجلس لمشروع القانون الذي يطالب الشركة المالكة “بايت دانس” ببيع التطبيق إلى شركة أميركية، تحت طائلة حظره من متاجر التطبيقات، في أحدث فصول صراع الولايات المتحدة والصين.
إجماع الكونغرس
وتقول الصحيفة الإسبانية إنه رغم تغلغل تيك توك في المجتمع الأميركي (يستخدمه نحو 170 مليون شخص)، فإن التصدي له أحد الأمور القليلة التي جمعت مشرّعي الحزبين فأقروا مشروع القانون بأغلبيتهم، رغم سيل من الاتصالات تلقوها من صناع محتوى الذين حثتهم تيك توك على التواصل مع منتخَبيهم لحملهم على تغيير رأيهم، وكذلك رغم زيارة إلى الكابيتول قام بها شو زي تشو الرئيس التنفيذي لتيك توك، وقال فيها “لم يستطع أحد أن يشرح لي بالتفصيل الإثم الذي اقترفناه”.
وبعد إقرار مشروع القانون في مجلس النواب، تحاول تيك توك الضغط على مجلس الشيوخ، وقد بعثت رسالة إلى صناع المحتوى تدعوهم إلى إخبار أعضاء المجلس بأهمية التطبيق.
وتيك توك ليست أول شركة توظف مستخدميها للضغط على المشرعين، لكن شراستها في حملتها هذه غير مسبوقة، حسب الصحيفة الإسبانية.
ومن المفارقات التي تشير إليها إلباييس أن الرئيس بايدن -الذي وعد بتوقيع قانون حظر تيك توك إذا أُقر- فتح حسابا لحملته على التطبيق لاستقطاب أبناء جيل “زد” الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة، لكنه يتفق مع خبراء الأمن السيبراني الذين يذكرون بأن شركة “بايت دانس” مجبرة بحكم قانون التجسس الصيني على تقاسم بيانات مستخدميها مع السلطات الصينية إذا طلبتها، ناهيك عن مخاوف من حملات تضليل وتأثير على الرأي العام في موسم انتخابي، وهو ما يثير قلق مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي)، ووكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه).
وتنقل إلباييس عن خبير التكنولوجيا الصينية بول تريولو قوله إن المنتقدين لم يقدموا أمثلة ملموسة على مخاطر تيك توك على الأمن القومي الأميركي، إذ إن “البيانات الشخصية التي يقدمها المستخدمون طواعية لا تبدو تهديدا، ولا دليل على أن الحكومة الصينية تريد أو تستطيع أن تجبر بايت دانس وتيك توك على تغيير شكل عمل الخوارزميات، وحتى لو فعلت، فسيعرف المستخدمون ذلك بسهولة”.
ونفت “بايت دانس” مرارا مقاسمة بياناتها مع السلطات الصينية، وترفع شعار حرية الرأي للدفاع عن نفسها، وتشير أيضا إلى الأثر الاقتصادي الهائل على مستخدمين مثل شركة مستحضرات تجميل يقول أحد مالكيها: “لسنا فقط على تيك توك، بل تزدهر تجارتنا بفضله. إذا أقروا مشروع القانون سيقضون على الحلم الأميركي”.
كتلة انتخابية
ومن بين 65 نائبا صوتوا ضد مشروع القانون (أغلبهم ديمقراطيون) النائب ماكسويل آليخاندرو فروست وهو أصغر أعضاء المجلس (27 عاما).
وحذر آليخاندو من كتلة انتخابية قد يخسرها الحزبان بتصويتهما هذا، وذكّر بأنه رغم أن 72% من الأميركيين يؤيدون -حسب أحد الاستطلاعات- تنظيما أكبر لشركات التكنولوجيا، خاصة ما تفعله ببياناتهم، فإن 31% منهم فقط يؤيدون حظر تيك توك، حسب استطلاع آخر الشهر الماضي.
وحظرت الولايات المتحدة على الوزراء والموظفين استخدام تيك توك في كل الدوائر الحكومية تقريبا، وكذلك فعلت دول عديدة، بينها بريطانيا وبلجيكا، وهيئات وتكتلات مثل حلف شمال الأطلسي (الناتو).
لكن ما يشغل بال الصحفية المختصة في شؤون التقنية كارا سويشر ليس خطر تيك توك على الأمن القومي، بل قدرته الدعائية، قائلة إن الأمر يشبه تسليم ملكية كل قنوات الكابل إلى حكومة أجنبية. وتضيف أن تيك توك يفوق قوة شبكات “سي إن إن” و”إم إس إن بي سي” و”فوكس نيوز” مجتمعة.
وتعوّل شركة “بايت دانس” لإسقاط القانون على المحاكم التي تصدت لدعوى رفعها الرئيس الأميركي السابق عام 2020 لحظر تيك توك، لكن إلباييس تذكّر بأن ترامب افتقر حينها إلى دعم مجلس الشيوخ.
وحسب الصحيفة الإسبانية، فإن ذلك الإخفاق كان من نتائجه -مع ذلك- إجبار “بايت دانس” على تخزين بيانات مستخدميها في خوادم في تكساس تشرف عليها الشركة العملاقة “أوراكل”، فضلا عن مفاوضات شاقة تخوضها الشركة الصينية مع هيئة اسمها “وكالة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة” منوط بها مراقبة الشركات التي قد تشكل خطرا على الأمن القومي.
وها هو ترامب يعارض الآن حظر تيك توك، لأنه يخشى -حسب قوله- القوة المتزايدة لشركة “ميتا” مالكة تطبيقات واتساب وإنستغرام وفيسبوك، التي يصفها بعدوة الشعب بعدما علقت حساباته في أعقاب الهجوم الشهير على الكابيتول.
وتنقل إلباييس تقارير صحفية أميركية تشير إلى سبب آخر، فأحد أهم المساهمين في “بايت دانس” جيف ياس الذي يملك 15% من أسهم الشركة، وهو من أهم ممولي حملة ترامب الانتخابية، ويدرس الرئيس السابق تعيينه وزيرا للخزانة إذا عاد إلى الحكم.
السلاح السري
وتشرح إلباييس أنه إذا صدر قانون يلزم “بايت دانس” ببيع تيك توك، فإن على الشركة الصينية -التي قُدرت قيمتها السوقية في ديسمبر/كانون الأول الماضي بـ225 مليار دولار- إتمام البيع خلال 6 أشهر تحت طائلة حظر التطبيق، الذي لا تُعرف قيمته السوقية بدقة، ومن بين من أبدوا اهتماما بشرائه ستيفن منوشين وزير الخزانة السابق في إدارة ترامب.
لكن حتى لو تم بيع تطبيق تيك توك، تبقى بلا حل المشكلة الكبرى، وهي سلاحه السري الأهم المتمثل في الخوارزميات التي لا يمكن بيعها دون إذن السلطات الصينية.
ويستبعد خبير التكنولوجيا الصينية تريولو موافقة بكين على نقل رخصة خوارزميات الذكاء الاصطناعي الخاصة بتيك توك أو التنازل عنها، لكنه يتساءل “من ذا سيدفع ما تطلبه تيك توك دون أن يُمَكَّن من هذا السر؟” ليذكّر بصعاب أخرى تكتنف نقل التقنية حتى على افتراض موافقة بكين، أو لأن من طوروها في الصين.
وتختتم الصحيفة الإسبانية تقريرها بالإشارة إلى أحد أهم المجاهيل إذا تم البيع، وهو تأثير الخوارزميات الجديدة، إن جرى تطويرها، على نحو 7 ملايين شركة ترتكز تجارتها على تيك توك.
وتضرب إلباييس مثلا بكارلوس إدواردو إسبينا وهو صانع محتوى يقول إن دخله على شبكات التواصل الاجتماعي بلغت العام الماضي 1.28 مليون دولار، 60% منها من تيك توك وحده.