رأى محللون وخبراء تحدثوا لبرنامج “سيناريوهات” أن فرض واشنطن عقوبات وقيودا على طرفي النزاع في السودان -الذي أعقب إعلان الجيش تعليق مشاركته في مفاوضات جدة- يقدم رسالة تحذيرية بأنه لن يتم السكوت على الاستمرار في النزاع وارتكاب التجاوزات والانتهاكات من أي طرف.
لكنهم في الوقت ذاته اتفقوا على أن هذه العقوبات لن تترك أثرا مباشرا على النزاع، ولن تدفع الطرفين للرجوع إلى طاولة المفاوضات أو الالتزام بمطلب وقف إطلاق النار، مبدين تخوفهم من السيناريوهات المتوقعة نتيجة هذه المستجدات.
وفي الوقت الذي تواجه فيه محادثات وقف إطلاق النار في السودان خطر الانهيار بعد قرار الجيش تعليق مشاركته في مفاوضات جدة، فرضت الولايات المتحدة قيودا على التأشيرات؛ تشمل مسؤولين من الجيش السوداني والدعم السريع، كما فرضت عقوبات على شركات مرتبطة بهما اتهمتها بتأجيج الصراع في السودان.
وقال الباحث الزائر في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني الدكتور عبد الفتاح محمد إن هذه العقوبات تمثل رسالة تحذيرية للطرفين بأن الاستمرار في النزاع لن يتم السكوت عليه، لكن تأثيرها لن يحمل الطرفين للرجوع إلى طاولة المفاوضات.
ويرى -في حديثه لحلقة (2023/6/1) من برنامج “سيناريوهات”- أن هذا الإجراء التحذيري لن يكون كافيا، وأن الاقتصار على العقوبات لن يكون حلا مفيدا لحمل الطرفين على الرضوخ والاستماع للمطالب الدولية، وتنفيذ ما يمكن تنفيذه للمضي قدما لواقع أفضل.
حسابات الحسم
وحسب الدكتور عبد الفتاح محمد، فإن تعليق الجيش مشاركته في مفاوضات جدة جاء لحسابات ربما تتعلق بشعوره بأن ساعة الحسم قد اقتربت، ومن ثم فهو يريد الاستمرار في المواجهات من ناحية، ورفع الغطاء الأخلاقي عن الطرف الآخر من ناحية أخرى، عبر اتهامه بارتكاب تجاوزات على الأرض.
ويرى أن قدرة الجيش على الحسم العسكري ممكنة، لكن التكلفة ستكون باهظة جدا على صعيد الضحايا المدنيين، معتبرا أن السيناريو الأسوأ هو ما يعيشه السودان الآن من حرب مفتوحة في ظل توقف كل الجهود والهدن، وتداعيات ذلك ستكون مأساوية على الشعب السوداني.
ومتفقا معه، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة أديس أبابا بروك هايلو أن هذه العقوبات -مع كونها رسالة تحذيرية من واشنطن للطرفين بألا يستمروا في اختراق الهدن- فهي تأكيد بأنها ستستمر في فرض العقوبات في حال عدم الرجوع لطاولة المفاوضات.
ورأى في حديثه لبرنامج سيناريوهات أن تأثير هذه العقوبات ربما لا يظهر مباشرة؛ كون الطرفين لديهما أموال نقدية وكميات من الذهب، لكن هذه المدخرات ستنفد مع الوقت، وربما تستمر واشنطن في فرض سلسلة عقوبات اقتصادية، وهو ما سيضعف في النهاية قوة الطرفين.
تحذير سياسي
ولا يقتصر الأثر في تقديره على الجانبين الاقتصادي والعسكري؛ إذ يرى هايلو أن العقوبات تمثل كذلك رسالة تحذير سياسية للأطراف الدولية التي تدعم أحد الطرفين، وأن هذه العقوبات ربما تطولهما لاحقا.
وشدد على ضرورة بذل جهود مضاعفة للضغط على الطرفين حتى يتوقفا عن القتال في أقرب فرصة، وينفذا اتفاق وقف إطلاق النار ويعودا للمفاوضات وتخفيف التصعيد، وإتاحة السبل لحماية المدنيين، وتقديم طرق مفتوحة للمساعدات الإنسانية.
بدوره، رأى محلل الشؤون السياسية والعسكرية السودانية الدكتور أسامة عيدروس أن قرار العقوبات الاقتصادية غريب؛ فالأسماء التي وردت للكيانات المعاقبة لا وجود حقيقيا لها على الأرض، وتم تفكيكها منذ زمن بعيد وأصبحت مجرد لافتات.
وقال -في حديثه لبرنامج سيناريوهات- إن الإدارة الأميركية تريد من خلال هذه العقوبات أكثر من مجرد تحذير طرفي الصراع، فهي تظهر في صورة من يسعى لفعل شيء، لكنها في حقيقة الأمر لا تعالج قضية الصراع على نحو مباشر وبما ينهيه ويوقف معاناة السودانيين.
ويرى أن السودان يتجه إلى أحد سيناريوهين: أولهما الحسم العسكري من قبل الجيش خلال الفترة المقبلة، أو تحرك الأطراف لهدنة حقيقية تقوم على آلية واضحة لخروج قوات الدعم العسكري من المرافق الحيوية التي تسيطر عليها ومنازل المدنيين التي تحتلها إلى معسكرات آمنة خارج الخرطوم.