يواصل موقع صدى البلد ضمن برنامج «فتاوى الصائمين» الذي ينشر على مدار أيام شهر رمضان 2024، حيث سؤال اليوم يقول: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم «للصائم فرحتان»؟
ما معنى قول النبي «للصائم فرحتان»؟
وقال الشيخ إبراهيم جاد الكريم عضو الإفتاء بمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية في بيانه معنى حديث النبي:«للصائم فرحتان»، إن الحديث ورد في صحيح مسلم من حديث أبى هريرة ــ رضى الله عنه ــ أنَ النبى صلى الله عليه وسلم قال: للصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه.
ولفت إلى أن للصائم فرحة في الدنيا عندما يطعم من حلال حيث طبيعة النفس البشرية التي أجهدها الصوم والجوع، فينالها الفرح عندما تطعم بعد دعاء اللهم تقبل صيامي وثبت الأجر، أما الفرحة الأخرى فهي عند لقاء ربه جل وعلا فعن النبي صلى الله عليه وسلم «الصيام جنة»، وفي الحديث القدسي عن رب العزة: «الصيام لي وأنا أجزي به»؟
هل يجب الصيام على أصحاب المناطق الحارة جدًّا مع صعوبته عليهم؟
قالت دار الإفتاء إن المكلَّف مِن أصحاب المناطق الحارة يُنظر في حاله، إنْ كانت شدِّةُ الحر غير محتملةٍ بالنسبة له، ويؤثِّر فيه الحرُّ أو العطشُ المترتبُ عليه تأثيرًا يعود عليه بالضرر الذي يقرِّرُه الواقعُ وتجربة المكلَّف أو أهلُ التخصُّص مِن الأطباء، فيكون الفطرُ حينئذٍ رخصةً في حقِّه، أما إذا كانت لا تخرج به عن حَدِّ طَوْقِ الصومِ، فإنها لا تُعَدُّ في هذه الحالة عذرًا شرعيًّا مُبِيحًا للفطر، ويجب عليه الصوم.
حكم صيام أصحاب المناطق الحارة جدا
صوم رمضان ركنٌ مِن أركان الإسلام، وفريضةٌ فَرَضَها اللهُ سبحانه وتعالى على كلِّ مسلمٍ مكلَّفٍ صحيحٍ مُقيمٍ مستطيعٍ خَالٍ من الموانع، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].
ولِعِظَمِ فضل الصيام، وكونه مِن أَجَلِّ العبادات، اختَصَّ اللهُ سبحانه نَفْسه بتقدير ثواب الصائم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي» متفقٌ عليه.
وأما بالنسبة لصيام أصحاب المناطق الحارة: فإنه إذا كانت شدَّة الحر في طاقة المكلَّف منهم ولو مع المشقة المعتادة دون أن توقعهم في الحرج أو الجهد البالغ، فإن شدة الحر في هذه الحالة في حَدِّ ذاتها لا تُعَدُّ عذرًا شرعيًّا مُبِيحًا للفطر، ما دامت هذه المشقةُ مُحْتَمَلَةً لا تؤثر في الصائم تأثيرًا يعود عليه بالضرر الذي يقرِّرُه الواقعُ وتجربةُ المكلَّف أو أهلُ التخصُّص مِن الأطباء، ولم يكن مريضًا بحيث “يؤذيه الصوم ويَتَكَلَّفُهُ ويَخافُ على نَفْسِهِ منه”؛ كما قال الإمام ابن القَطَّان في “الإقناع” (1/ 229، ط. الفاروق الحديثة).
ذلك أنَّ المشقة لا تَنْفَكُّ في الأصل عن العبادات، إذ لا بد أن تكون العبادة مصحوبة بنوع مشقة وإلا لَمَا كانت تكليفًا، فـ”المشاق قِسمان: أحدهما لا تَنْفَكُّ عنه العبادة كالوضوء والغُسل في البرد، والصوم في النهار الطويل، والمخاطرة بالنفس في الجهاد ونحو ذلك، فهذا القِسم لا يوجب تخفيفًا في العبادة؛ لأنه قُرِّرَ معها”، كما قال الإمام شهاب الدين القَرَافِي في “الفروق” (1/ 118، ط. عالم الكتب).
كما أنَّ ثواب الصيام مع شدة الحر وتَحَمُّل العطش والمشقة أَجَلُّ فضلًا وأعظَمُ أجرًا، وهو مندرجٌ تحت ما تقرَّر في قواعد الفقه مِن أنَّ “مَا كَانَ أَكْثَرَ فِعْلًا كَانَ أَكْثَرَ فَضْلًا”، كما في “الأشباه والنظائر” للحافظ السيوطي (ص: 143، ط. دار الكتب العلمية).
والأصل في هذه القاعدة: ما ورد عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا فِي عُمْرَتِهَا: «إِنَّ لَكِ مِنَ الْأَجْرِ قَدْرَ نَصَبِكِ وَنَفَقَتِكِ» أخرجه الإمامان: الدارقطني في “السنن”، والحاكم في “المستدرك” وصححه.