قال الشيخ الدكتور عبدالله بن عواد الجهني ، إمام وخطيب المسجد الحرام، إن الطاعة والتقوى هما الطريق الموصل إلى عتبة الله الرحمن الرحيم ، والذي تتجلى رحمته سبحانه وتعالى في قوله ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) الآية 156 من سورة الأعراف .
عتبة الرحمن
وأوضح ” الجهني” خلال خطبة الجمعة الثالثة في رمضان اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أن من رحمة الله سبحانه وتعالى وستره لعباده المؤمنين عند الحساب ، فقال ابن عمر رضي الله عنهما سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إنَّ اللَّهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عليه كَنَفَهُ ويَسْتُرُهُ، فيَقولُ: أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فيَقولُ: نَعَمْ أيْ رَبِّ، حتَّى إذَا قَرَّرَهُ بذُنُوبِهِ.
وتابع: ورَأَى في نَفْسِهِ أنَّه هَلَكَ، قالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيَا، وأَنَا أغْفِرُهَا لكَ اليَومَ، فيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وأَمَّا الكَافِرُ والمُنَافِقُونَ، فيَقولُ الأشْهَادُ: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) رواه البخاري ومسلم، منوهًا بأن شهر رمضان شهر عظيم حقاً شرّف الله به هذه الأمة المحمدية .
وأضاف: وجعل فيها حدثاً عظيماً يتكرر في حياة الإنسان في كل عام مرة إنها ليلة القدر ، وهي في العشر الأواخر من رمضان على وجه القطع واليقين وفي أوتارها آكد ، فقال عليه الصلاة والسلام : تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر . رواه البخاري ، مشيرًا إلى أنه قد قضى الخالق عزوجل أن يكون كل عمل من أعمال الخير والعبادة والذكر في هذه الليلة بقدر جزاء من عمل ثلاثاً وثمانين سنة وهي ألف شهر لأن ليلة القدر خير من ألف شهر .
لأمة ذات قدر
ونبه إلى أنه قد أنزل الله في شأنها كتاباً ذا قدر بواسطة ملك ذي قدر على لسان رسول ذي قدر لأمة ذات قدر ، ولأنه يقدر فيها ويفرق فيها كل أمر حكيم ، من أتى فيها بالطاعات صار ذا قدر وشرف عند الله عزوجل ، قال تعالى : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا . بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ . سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ).
وأشار إلى أن تلك الليلة الموعودة المشهودة سجلها القرآن الكريم في سجل الخلود ، وإنما أخفيت ليلة القدر كما أخفيت ساعة الجمعة رحمة بهم ليجدوا في العبادة ويجتهدوا في طلبها بالصلاة والذكر والدعاء والتضرع إليه ، فيزدادوا قرباً من الله عزوجل وثواباً ، وعليه أن يكثر من قول اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني .
واستطرد: كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حديث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وهي من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام، فإذا حصل العفو من الله للعبد ، أعطاه ما ينفعه وصرف عنه ما يضره ، فاتق الله أيها المسلم ولا تفوت فرص حياتك ، واقتد بالصفوة المطهر صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً .
غيرها من ليالي رمضان
وأفاد بأنه -صلى الله عليه وسلم – قد كان يجتهد فيها فوق ما كان يجتهد في غيرها من ليالي رمضان ، يشد مئزره ويحيي ليله ويوقظ أهله ، وكان من هديه عليه الصلاة والسلام في هذه العشر الاعتكاف ، وفقهه حبس النفس على عبادة الله تعالى والأنس به ، وقطع العلائق عن الخلائق ، وإخلاء القلب من كل ما يشغل عن ذكر الله عزوجل .
واستشهد بما ورد عن عبدالله بن قيس أنه سمع عائشة – رَضِيَ الله عنها – وذُكر عندها قومٌ يَزِعُمُونَ أَنهم إِذا أَدَّوُا الفرائضَ لا يُبَالُونَ أَن يَنْزَوُوا . فَقَالَتْ : لَعَمْرِي لا يسألهم الله إلا عما افترض عليهم ولكنهم قومٌ يُخْطِئُونَ بالنَّهارِ . وَإِنَّمَا أنتُمْ مِنْ نبيّكُم ونبيكُم منكُم فما رأيتُ النبي -صلى الله عليه وسلم – ترك قيام الليل إلا أن يَمْرَضَ فَيُصَلِّيَ وهو جَالِسٌ ثم نَزَعَتْ [أي جَاءَتْ بِكُلِّ آيَةٍ في القرآن يُذْكَرُ فيها قيام الليل» رواه المُروَزِيُّ في قيام الليل .