حكاية الفتى المسلم إسلام خليلوف أصبحت تُروى في روسيا على كل لسان، إذ غدا بطلا قوميا بعدما تمكّن من إنقاذ أكثر من 100 شخص من الموت، في الهجوم على قاعة الحفلات الموسيقية بالعاصمة موسكو قبل أسبوع.
كانت لحظات الهجوم مرعبة ومفاجئة للفتى، لكنه أدرك سريعا أهمية السيطرة على مشاعر الخوف التي تمكّنت منه للحظات، وتطبيق خطط الإخلاء التي تدرب عليها خلال عمله في قاعة الاحتفالات بطريقة سريعة وتلقائية، حفاظا على نفسه والأرواح التي تملأ القاعة.
وأكد خليلوف، لوكالة الأناضول، أن قدرته على إنقاذ أكثر من 100 شخص في الهجوم على قاعة الحفلات بمدينة كروكوس في موسكو نبعت من تصرفه وفق خطة الإخلاء الموضوعة مسبقا، واستماع الناس لتعليماته.
وتحدث إسلام عما عاشه خلال الهجوم، حيث كان يعمل مساعدا في غرفة الملابس مساء 22 مارس/آذار الجاري، وهو اليوم الذي شهد الهجوم.
وأوضح أنه حصل على جوائز من أشخاص مهمين بعد عودته إلى المدرسة، وحظي بترحيب الجميع وأخبروه أنه بطل، مؤكدا أن سبب قيامه بكل هذه الجهود ينبع من عائلته وتربيته.
وينتمي إسلام لعائلة مكونة من أب أوزبكي وأم قيرغيزية، وقام بتغيير عدة مدارس حتى سن 15 عاما، وقد تنقلت عائلته بين روسيا وأوزبكستان وقيرغيزستان وكازاخستان، ويلعب الفتى كرة القدم ويريد احترافها.
وقد أعلنت الخميس الماضي وزارة الطوارئ الروسية ارتفاع حصيلة قتلى الهجوم إلى 143، بينهم أطفال، وأكثر من 360 مصابا.
ورغم إعلان تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الهجوم، فإن رئيس جهاز الأمن الفدرالي ألكسندر بورتنيكوف اتهم الولايات المتحدة وبريطانيا وأوكرانيا بالوقوف وراءه.
يوم الهجوم
قال خليلوف إنه بدأ عمله المعتاد خلال ذلك اليوم في غرفة الملابس بقاعة الحفلات، وشرع في خدمة الجمهور الذي حضر الحفل كالمعتاد.
وأوضح أن المسلحين بدؤوا هجومهم في القاعة عند بدء الحفل الساعة الثامنة مساء (بالتوقيت المحلي).
وأضاف “سمعت أولا أصواتا غريبة صادرة من الطابق الأول، وآنذاك كنت أعمل في غرفة المعاطف في الطابق السفلي.. بداية اعتقدت أن هناك مجموعة من المخمورين تصدر ضجة أو أن هناك مشكلة في السلالم الكهربائية”.
لكنه أدرك أن هناك هجوما مسلحا عندما أُصيب الناس بالذعر وبدؤوا بالتفرق في اتجاهات مختلفة بالمبنى.
ولفت إلى أنه بدأ التصرف وفقا لخطة الإخلاء، ووجّه الناس إلى مبنى معرض كروكس إكسبو (Crocus Expo) المجاور، مبينا أنهم (العاملين في قاعة لحفلات) تلقوا مؤخرا تدريبا على كيفية التصرف في مثل هذه المواقف.
وتابع “خضعنا في 8 مارس/آذار الجاري لتدريبات بعد توزيع معلومات حول احتمال وقوع هجوم إرهابي، بما في ذلك في قاعات الحفلات الموسيقية، لذلك قررت الإدارة تدريبنا، وبشكل عام كنا مستعدين”.
تنفيذ المهمة
وحول عملية الإخلاء وتنفيذ تلك المهمة في ظل الذعر الذي سيطر على الحاضرين، أوضح الفتى أنه أولا وقبل كل شيء في مثل هذه المواقف من الضروري عدم الذعر واستجماع النفس والسيطرة عليها، مشيرا إلى أهمية القيام بكل شيء بسرعة وبشكل واضح وتلقائي.
واستكمل “في تلك اللحظة يمكن أن تفقد حياتك، هناك أيضا حياة مئات الأشخاص الذين يحتاجون إلى الإجلاء ومصيرهم يعتمد عليك، لذلك أول شيء فعلته هو لفت انتباه الناس، إذ كنت أرتدي زيا رسميا كما رأني الكثير من الناس في حجرة الملابس”.
وأردف “بوعي أو بغير وعي، أدرك الناس أنني أستطيع مساعدتهم وبدؤوا على الفور الاستماع إلى تعليماتي، ثم تصرفت وفقا لخطة الإخلاء، وأعطيت التوجيهات في أي اتجاه يجب أن نذهب، ومشيت في الخلف لإبقاء الوضع تحت السيطرة حتى لا أفقد أحدا، ولإقناع الجميع بأن كل شيء على ما يرام”.
وشرح متابعا “كنت إذا رأيت أحدا قد رحل رجعت خلفه، كان من الممكن العودة طالما كنا داخل المبنى، وبعد خروجنا لم يسمح الأمن لأي شخص بالعودة”.
ووصف خليلوف تلك اللحظات قائلا “كان الأمر برمته مخيفا للغاية، خاصة عندما كنت وسط حشد من الناس”، مشيرا إلى أن قوات الأمن جاءت إلى القاعة بعد 40 دقيقة من وقوع الهجوم.
التعرض للموت
وقال الفتى إن الهجوم وقع بعد نحو ساعة من تناوله وجبة الإفطار، كونه كان صائما، “لقد أنقذني الله، وبفضله عدت إلى منزلي سالما”.
وحول الحياة بعد التعرض لخطر الموت وحالته النفسية إثر الهجوم، أوضح خليلوف “أشعر أني طبيعي إلى حد ما، والحديث مع الناس ساعدني”.
وأشار إلى أن كل شيء يتحسن ببطء، مشددا على عدم حاجته لمساعدة طبيب نفساني، قائلا إن “ديني يساعدني.. أنا أقوم بالصلوات وأقرأ الأذكار في الليل، وهذا يساعدني على النوم بسلام”.
النشأة والعائلة
من جهته، أثنى بختيار خليلوف، والد الفتى إسلام، على ابنه وما قام به من عمل شجاع، وقال “دائما أقول لأبنائي ساعدوا الناس، هذا سوف يعود إليكم، دائما أحفزهم، لا تكذبوا، لا تخدعوا، كونوا صادقين لأن ديننا يحب الطهارة، من نفذ الهجوم إرهابيون لا دين لهم، الإسلام دين جميل وجيد للغاية”.
وأوضح أن ولده يذهب إلى المدرسة، ويتدرب، ويعمل بدوام جزئي منذ أن كان في الـ12 من عمره.
وتابع “أنا فخور بابني، هو ولدي الأول ولأن ديننا الإسلام فاخترت أن يكون اسمه إسلام”.
وحول تفاصيل يوم الهجوم، أوضح الأب أن ابنه اتصل به فجأة مساء الحادث وأخبره بوقوع هجوم إرهابي، وأنه قام بإجلاء أكثر من 100 شخص، وقام أيضا بتصوير بعض مقاطع الفيديو خلال هذه الفترة.
وتابع “بعد عودته إلى المنزل تعانقنا وصلينا”.