في الرابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول سنة 2010، أوردت قناة الجزيرة الخبر التالي: “اكتمال عملية الإنقاذ لعمال تشيلي”، في ذلك اليوم تحديدا، كان هذا الخبر هو العنوان العريض لصحف وقنوات العالم، وقد عمل 1700 صحفي على نقل الوقائع، وتسابقت القنوات لنقل أطوار عملية الإنقاذ على البث الحي.
مع هذا الخبر، كانت نهاية 69 يوما من الجحيم لثلاثة وثلاثين عاملا بمنجم “سان خوسيه” في شمال تشيلي. كانت حكايتهم تشبه أساطير البعث بعد الموت عند الفراعنة والإغريق، لكن عمال منجم تشيلي بُعثوا من جديد، ليجدوا أنفسهم مرة ثانية في جحيم الحياة الدنيا.
وقد عرضت الجزيرة الوثائقية ذلك في فيلم “الخروج من الحفرة.. القصة غير المروية”، وهو يروي حكاية عمال تشيلي الذين دفنوا تحت الأرض في حفرة بعمق 700 متر، بعيدين 5 كيلومترات عن مدخل المنجم.
لعنة الذهب.. بحث عن الثراء يحصد الأرواح كل عام
في صحراء تشيلي القاحلة الصفراء اليابسة التي تلف جبل المنجم، كان هناك جحيم عاشه العمال 69 يوما، ويقع هذا المنجم في صحراء أتاكاما على بعد 45 كيلومترا عن مدينة كوبيابو في شمال تشيلي.
لم تكن تشيلي إلا بلدا آخر فقيرا من بلدان أمريكا الجنوبية، وكان النحاس والذهب النعمة الوحيدة التي أنعم بها الله عليهم، ولكنها أيضا نقمة يتوفى من الحوادث فيها 34 شخصا كل سنة، من جراء عدم الاستقرار الجيولوجي، وعدم الالتزام بمعايير السلامة، وقد ارتفع عدد ضحايا الذهب سنة 2008 إلى 43 شخصا.
وكان منجم “سان خوسيه” أحد تلك المناجم المنكوبة، فقد مات فيه قبل حادثة 2010 ثمانية عمال، وقد تلقت إدارة المنجم 42 غرامة لخرق قواعد السلامة بين 2004-2010، وكان قد أُغلق سنة 2007 بسبب دعوى قضائية حول وفاة أحد العمال فيه، ولكن الشركة المالكة للمنجم تجاهلت كل تلك التحذيرات، وواصلت استعباد الباحثين عن لقمة العيش، مستغلةً الفقر والبطالة التي كانت تلاحق عائلات تلك المنطقة، حتى جاءت حادثة دفن الثلاثة والثلاثين عاملا تحت أنقاض المنجم، وخروجهم أحياء بأعجوبة.
يقول أحد العمال المنكوبين في تلك الحادثة: كان منجم سان خوسيه خطرا، ولكننا كنا معتادين عليه، وقد كان علي أن أعتني بخمس بنات، لذا كنت دائما أبحث عن الأعمال ذات المردود الجيد، فالمنجم لم يجعلنا أثرياء، ولكن كنا نستطيع العيش براحة.
عمال منجم تشيلي.. “ما من دليل على موعد موت أحد منا”
يبدأ الفيلم هادئا لا يوحي بما بعده من أحداث، فثمة رجل يقف في بيته حاملا آلة الأكورديون، يعزف لعائلته موسيقى تشيلية فرحة، وهو “فيكتور سيغوريا” أحد العمال الثلاثة والثلاثين الذين دفنوا أحياء في 5 أغسطس/ آب 2010، بمنجم سان خوسيه في تشيلي.
وبعد شهرين ونصف، أحس فيكتور بقيمة كل يوم يمر عليه، بعد أن كاد يموت جوعا إبان تلك المحنة. ومع ملامحه الحزينة وعينيه الغارقتين في انكسار وخوف، يقول: أدرك الآن أن علي الاهتمام بالأمور الهامة في الحياة، فما من دليل على موعد موت أحد منا، وأهم شيء لدي الآن هو عائلتي.
وقد خاضت كاميرا الفيلم في حياة “فيكتور سيغوريا”، لتروي لنا قصة واحد من آلاف عمال المناجم في تشيلي، ممن حملهم ضنك الحياة للعمل في ظروف خطرة. فيذكر الراوي في الفيلم أن “فيكتور” كان الابن الأكبر بين عشرة إخوة، وقبل 30 سنة أُصيب والده في حادث دراجة نارية، وكانت الإصابة في الدماغ، وبات عاجزا عن العمل، لذا كان مضطرا لإعانة العائلة بالعمل في منجم، قبل انقطاع التواصل مع أمه التي اضطرت للعمل خادمةً.
تقول والدة “فيكتور” في الفيلم إن ابنها لم يقدم لهم أي مساعدة، مع كل الصعوبات التي واجهتها العائلة، وقد تركهم ليسكن مع عائلته.
ولا تختلف حكاية “فيكتور” عن حكاية زميله في المنجم “عمر ريغاداس” الذي تعمل كل عائلته في المنجم، فمع أنه قد تقدم في السن، فإنه ما زال يواصل العمل في هذا المنجم الذي بدأ العمل فيه منذ سن المراهقة، ليعيل عائلة مكونة من 5 أولاد و16 حفيدا. يقول “عمر”: لدي أحفاد يذهبون إلى المدرسة، وأبنائي يعملون ولكنهم يجنون مالا قليلا، لذا أساعدهم أيضا، ولهذا يعمل الناس في المنجم، ولهذا نعرّض أنفسنا للخطر.
انهيار الصخور يرعب عمال منجم تشيلي
في صبيحة الخامس من أغسطس/ آب وفي تمام الساعة 07:30، وصل عمال المنجم إلى موقع عملهم على متن الحافلة، وبدا ذلك الصباح عاديا هادئا ينتظر العمال فيه إتمام ساعات عملهم الطويلة، داخل غبار وظلام المنجم على عمق 700 متر تحت الأرض، ومع دقة الساعة الثانية بعد الظهر، كُسر ذلك الهدوء وبدأ السقوط المدوي لدرك الجحيم الأسفل.
كان صوت الانفجار أشبه بصوت انفجار الديناميت، فأحدث ضغطا هائلا داخل حفرة المنجم التي كانت تهتز فوق رؤوس العمال وتحت أقدامهم. يقول “فيكتور”: كنا ننتظر إشارة من المدير، حين بدأت الصخور تصدر صوت صرير قوي، وكان هناك صوت انهيار ووقع انفجار ضخم هز الأرض.
وقع الانهيار الرئيسي تحت عمق 400 متر تحت الأرض، ولكن الصخور تفتتت، فتقطعت شبكات الأمان، وبدأ العمال يبحثون عن مخرج ويتفقدون ممرات التهوئة. يقول” فيكتور”: تسلق “كارلوس باريوس” ممرات التهوئة، وألقى نظرة على المكان حوله، وعاد ليبلغنا أن الممرات انهارت، ولم يعد هناك سبيل للخروج.
حينها انقطعت كل سبل التواصل مع العالم الخارجي، وأصبح العجز والخوف من الانهيار الكامل يحاصر الثلاثة والثلاثين عاملا العالقين.
عمال منجم تشيلي.. “كنا نسمع صوت الحفر فوق رؤوسنا”
بدأت عمليات البحث في اليوم التالي، وحفر عمال الإنقاذ ثقوبا كثيرة، محاوِلين إيجاد المكان الذي احتجز العمال فيه، ولكن الصخر الصلب جعل البحث بالغ الصعوبة، وبدا أن الأمل ضئيل بإمكانية إنقاذ عمال المنجم.
يقول “سيغوريا” -وهو أحد العمال-: كان ذلك محبطا جدا، لقد كنا ننتظر بلهفة وقلق ونسمعهم يحفرون، وفي البداية كان الصوت ضعيفا ثم أصبح أعلى، لقد كانوا قريبين منا، وكنا نسمع صوت الحفر يعلو فوق رؤوسنا، كان ذلك محبطا وكنا نتساءل، لماذا لم يصلوا إلينا حتى الآن.
وبعد 17 يوما، استطاع عمال الإنقاذ حفر حفرة ضيقة وصلت إلى أعماق المنجم، فأرسل العمال رسالة للأعلى تقول: “نحن الثلاثة والثلاثون أحياء في الملاذ”. لذا بدأ عمال الإنقاذ يستعملون أنبوبا ضيقا، ليمدوا عمال المنجم بالماء والطعام، وكانوا قد بدؤوا يعانون من الطفح الجلدي والفطريات، وقد رابطت عائلاتهم في مخيم أسموه مخيم الأمل، منتظرين عودة ذويهم من الموت.
نُصب مخيّم الأمل قريبا من المنجم المنهار، وكان ذلك المخيم قد احتضن عائلات العمال في انتظار إخراج أبنائهم من بطن الأرض. وعليه فقد نقلت “بيانكا” -وهي والدة “فيكتور سيغوريا” المحتجز تحت الركام- حياتها مع زوجها إلى ذلك المخيّم، ولم تمنعها من القلق على ابنها تلك الرسالة المقتضبة التي صعدت من ظلمات الحفرة إلى سطح الأرض.
وكان تمثال العذراء المزروع بين صور العمال العالقين في المنجم، ملاذَهم للصلاة والتضرع والدعاء مع فريق الإنقاذ، وأما فريق الإنقاذ فلم يزل يرسل الطعام والدواء إلى العمال القابعين تحت الأرض، بأنبوب لا يتجاوز قطره عشرة سنتميترات.
عمال منجم تشيلي.. حياة بائسة ترصدها عدسة رجل ينتظر الموت
كانت عدسة “فيكتور” تحت ركام المنجم ترصد التوثيق الأصدق والأهم لنكبة العمال في تلك الحفرة، وقد تجنب كثير منهم رواية القصة كاملة خوفا ومحاولة بائسة لنسيان ذلك الجحيم، فقد كان ذلك الفيلم الحصري الذي صوره “فيكتور” محاولة لنقل ما يدور في دهاليز المنجم وعالم الجحيم، الذي عاشه مع رفاقه قرابة 70 يوما.
فثمة صور مفزعة روتها كاميرا “فيكتور”، حيث أكوام الحجارة المتراكمة في كهف ضيق شبه مظلم، هناك حيث صور العمال نصف عراة من شدة الحر، متكئين على الأرض منهكين ينتظرون المستحيل، وقد حمل بعضهم آثار الجروح على يده، وكانت وجوهم مغبرَّة، والأمر الأشد رهبة أنهم خائفون من أن ينهار عليهم المنجم في أي لحظة.
يقول أحد العاملين في المنجم ممن دفنوا أحياء: شعرت باليأس وبكيت، لقد شعرت بعجز شديد، لم نكن قادرين على الخروج وإخبار أي أحد بأننا محتجزون تحت الأرض، وأننا كلنا -وعددُنا 33- أحياء وبخير، لقد كنت غير قادر على إخبار أبنائي بأن لا يقلقوا.
كان وجود العمال في تلك الظروف لا يطاق، فلم يكن هناك سوى أوراق جعلوها أسرة يستلقون فوقها، وقد أخذت درجات الحرارة في الارتفاع، وبلغت الرطوبة نسبة 90%، وكانت المؤن الموجودة شحيحة جدا لا تكفي إلا يوما واحدا، وهي علب من التونة وقليل من البسكويت والحليب، وكان نصيب كل عامل منهم في تلك الحفرة ملعقتين فقط كل 24 ساعة، ثم أصبحت الحصة من الطعام ملعقتين كل يومين، ثم ملعقتين كل ثلاثة أيام.
وهكذا بدأ الجوع يلتهم أجساد العمال المنهكة، حتى أصبح بعضهم غير قادر على الحركة، لدرجة أنهم كانوا يتبولون وهم مستلقون في مكانهم، وكان كثير منهم يستيقظون من النوم، وهم يصرخون بأعلى أصواتهم. وهكذا استسلم “فيكتور” للموت، وتقاسم ذلك العجز مع رفاقه الآخرين.
وتنقل مشاهد حقيقية للعمال تحت المنجم، صورا مرعبة، فقد مرّ وقت طويل وهم في الأسفل في درجة حرارة ورطوبة عالية، وكانوا قلقين من انهيار ثان قد يدفنهم أحياء هذه المرة، فقد أنذر صرير الصخور الدائم فوق رؤوسهم، بوقوع كارثة أخرى في أية لحظة، وكان ذلك كافيا لجعلهم يعيشون في خوف مستمر من أن يسلبهم انهيار جديد للمنجم حياتهم.
ولم يكن العمال المحتجزون يعلمون متى ستحين ساعة إنقاذهم وخروجهم من تحت الأنقاض، وزادهم صوت الصخور المرعب الذي يشبه الرعد قلقا وخوفا من الموت، وبدأ التوتر يلوح من خلال الشجارات المتكررة.
عمال منجم تشيلي.. ضوء أمل ينعش نفسية الفريقين
بقيت تلك اللحظات المرعبة تتبع عمال المنجم حتى بعد إنقاذهم، وتؤثر في نفسيتهم لدرجة المرض. يقول “جوني باريوس” -وهو أحد عمال المنجم-: لقد عانينا من أذى نفسي خطير جدا، فنحن لا نعرف كيف نجونا، لقد كان ينبغي أن نكون في عداد الموتى الآن.
وبعد مضي 17 يوما على انهيار المنجم، أطل مسبار الإنقاذ من ثقب صغير، حتى وصل إلى الحفرة التي استقر بها العمال تحت الأرض، فبعث ضوء المسبار الأمل في نفوسهم، وتلقت عائلاتهم وفرق الإنقاذ أول مؤشر على نجاتهم.
فقد كانت كاميرا “فيكتور” جالت بين أركان الحفرة المظلمة التي تجمّع بها عمال المنجم المحتجزين، وكان الوضع يشبه زنزانة انفرادية في كهوف التعذيب، فالحرارة والرطوبة لا تطاقان، ولكن صور عائلاتهم المعلّقة فوق أسرّة الطوارئ التي ينامون عليها كانت تمدهم بشيء من القوة من أجل عدم الاستسلام.
ومع صورته أمام الكاميرا وهو يتجرع أقراص الدواء، ظل “جوني باريوس” الذي تحمّل مسؤولية الإشراف على صحة العمال، يعاني من الذكريات المؤلمة التي تتردد في ذهنه جاعلة النوم في الليل مستحيلا بدون الدواء، فقد كان يواجه صعوبة في مناقشة التجربة التي مر بها.
“شُقَّ جسمي، واستأصل ما يجب استئصاله، فأنا أريد أن أعيش”
يستحضر جوني المرض الجلدي الذي أصابه وأصاب عمالا آخرين، فقد بدا أن الفطريات في الفيديو الذي صورته كاميرا “فيكتور” قد غزت أطراف أحد العمال.
وكان عمال المنجم المحتجزون قلقين من إصابتهم بالمرض، وتولى “جوني باريوس” إعطاءهم حقنا ضد الكزار، خوفا من تفشي الأمراض بينهم بسبب شربهم الماء من صهريج صدئ.
يتحدث “جوني” بصعوبة وهو يدير حقنة فارغة بين يديه، ويقول إنه لم يكن لديه خيار آخر، فإما أن يحقن العمال، أو يكون مصيرهم الموت.
وبهذا وُضع “جوني باريوس” أمام اختبار عسير، أصعب من مجرّد حقن العمال، فقد أصيب عامل معه بألم شديد في المعدة، وطلب منه طبيب -تواصل معه من خارج المنجم- أن يجري للعامل عملية جراحية. وكيف له ذلك وهو لم يتلقَّ تدريبا طبيا في حياته؟ حتى أن عهده بحَقن الحُقن قديم، وكان قد تعلمه في صغره حين كان يحقن والدته المريضة. وما يزال “جوني” يستحضر ذلك الاختبار بصعوبة وألم كبيرين، فقد تحمّل خيارا صعبا قد تؤدي نتيجته إلى موت حتمي للعامل المريض.
وقف “جوني” أمام زميله المريض، فقال له: “شُقَّ جسمي، واستأصل ما يجب استئصاله، فأنا أريد أن أعيش”. وكان من حسن حظّه أن الدواء الذي أرسله الأطباء، كان كافيا لتسكين ألم المريض ولم تكن هناك حاجة لإجراء العملية الجراحية.
عمال منجم تشيلي.. رسائل البوح للأم
حتّم الاحتجاز داخل الحفرة على العمال أن يضعوا نظاما يرتب حياتهم ويدفع عنهم القلق، فتكفّل “عمر ريغاداس” -وكان أكبرهم سنا- بحل الخلافات بينهم، وكانت مهمة “جوني” تقديم الرعاية الطبية لهم، والتزم كل العمال المحتجزين بالصلاة يوميا، وتضرعوا إلى الله من أجل بعث بعد الممات.
ولم تكن الصلاة وحدها التي أبقت معنويات عمال المنجم مرتفعة، فقد حرص “عمر” على جمعهم والتحدث معهم، حتى بدا أنهم نسوا محنتهم وهم يشاهدون مباراة كرة القدم، بل إنهم بدوا متحمسين وكأنهم على مدارج الملعب، حتى غطّى صراخهم الحماسي على صرير الصخور فوقهم وصوت انهيارات أخرى في المنجم.
وقد قدمت اتصالات العمال بعائلاتهم بالفيديو بعض العزاء، لكن ذلك لم يكن كافيا لهم، فيبدو في أحد المشاهد “فيكتور سيغوريا” منكبا على كتابة رسائل لأمه، وخطّ لها بعاطفة غير مسبوقة له، فكتب كل ما لم يصارحها به من قبل، وبدت تلك الرسائل كأنها آخر الفرص لاعترافه بالتقدير لأمه، وطلب الغفران إن هو لم ينجُ من تحت الأنقاض.
وقد احتفظت والدته بتلك الرسائل، وكانت تحمل وعودا بالاعتناء بعائلته، وبالتغيير الذي سيقود حياته إليه إذا عاد إلى عائلته حيا. وفي إحدى رسائله كتب قائلا: لا أعلم هل تكفّر هذه المحنة عن ذنوبي أم لا، ولكن حين أخرج من هنا، أعدكما أن أغيّر حياتكما.
الخروج من الحفرة.. فتحة من الضوء تقتحم ظلمة المنجم والنفوس
بعد انقضاء 69 يوما تحت الأرض، بدأت ساعة الحسم تلوح، فاصطف العمال المحتجزون وصاحوا بصوت حماسي واحد “تشي تشي تشي.. نحن عمال المناجم في تشيلي”، واستعدوا للخروج كل على طريقته، فقد حلق “عمر ريغاداس” لحيته وتعطّر حتى يستقبل من ينتظرونه بشكل لائق، وتحدث الجميع عن مكان لقائهم بعد خروجهم من الحفرة.
تظهر مشاهد الفيلم تجمّعا لعائلات المنكوبين، وكان الجميع ينتظر اللقاء بتأثر كبير، حين بدأ ما يشبه القفص الحديدي يلوح من فتحة الممر الذي يربط قاع المنجم بسطح الأرض، فظهر “عمر ريغاداس” وكان أول العائدين من الجحيم، ثم بدأ العمال يطلون واحدا تلو الآخر من قاع المنجم، إلى أن حان دور “فيكتور”، فحمل معه الكاميرا وصوّر صعوده إلى الأعلى.
كان المشهد مرعبا، فتحة صغيرة من الضوء تصعد وسط عتمة كبيرة وغبار كثيف، وبدا المشهد مثل أفلام هوليوود التي تروي مغامرات داخل أعماق الأرض.
خرج كل عمال المنجم بحزمة من التقدير للفرصة التي حصلوا عليها، فاستعاد “فيكتور” عائلته، وأما “عمر ريغاداس” فكان ممتنا حتى للنجوم التي تسطع في السماء، وأما “جوني باريوس” فقد جرّ وراءه ألم الذكريات التي عاشها تحت أنقاض المنجم، ولم يكن متيقنا إلا من شيء واحد، وهو أن يتحرر من العمل في المنجم ويفتح مطعما، ليكمل حياته مع زوجته بهدوء، بعيدا، بعد 69 يوما في الجحيم.