بابتسامة رضا يرحب بكل المارين أمام دكانه الصغير بأحد الحواري القديمة بمدينة نقادة جنوب قنا ، متعاملاً مع تراجع الإقبال على حرفته العتيقة بنوع من الرضا والاستسلام الحقيقى، للتطور الذى فرض نفسه على الكثير من المهن والمجالات، وأجبر الكثير من العاملين على تركها لصالح الآلات الحديثة التى تنافس البشر فى السرعة والإنجاز، دون أن تجاريهم الدقة والإتقان.
قضيت نصف قرن فى تصليح الأحذية
الفترة الزمنية التى قضاها داخل الدكان الصغير والتى تجاوزت نصف قرن من الزمان، هى من تدفع العم سعيد أمين، صاحب الثمانين عاماً، أن يظل وفياً لحرفته فى تصليح الأحذية، التى لم تعد كما كانت بنفس الإقبال، فهو لا يجيد غيرها، ولم يعد فى العمر أكثر مما كان حتى يتعلم حرفة أخرى تعينه على تحمل أعباء المعيشة، لكن قرر ألا يعيش أبنائه فى جلباب هذه الحرفة التى يرى أنها عفى عليها الزمان.
“جزمجى، منقل، اسكافى، جزماتى، صانع أحذية” كلها وغيرها من الألقاب حصل عليها خلال فترة عمله فى حرفة تصليح الأحذية، والتى لا يهتم أو يعبأ بها كثيراً، طالماً أنها مهنة حلل تغنيه عن سؤال الآخرين، لكنه يشير إلى أن كل مصطلح منها له دلالة خاصة، فالجزمجى يتواجد فى مكان محدد ويتخصص فى تصليح ما تلف فى الأحذية أو يضع لها الخيوط التى تحافظ عليها لفترة زمنية أطول، أما “المنقل” فيقوم بنفس المهام مع تنقله بين القرى والنجوع، فيما يتميز صانع الأحذية بأنه كان النعال والجلود ويتولى تصنيعها وحياكتها بالكامل داخل المحل، لكنها لم تعد موجودة حالياً.
جزمجى بدون صحة معادلة صعبة
الصبر والصحة البدنية، متطلبات ضرورية لمن يعمل فى هذه الحرفة المتواضعة، فبدون الصبر، لن يتمكن من إصلاح الثقوب والعيوب الصغيرة، وحياكتها بطريقة تعالج الخلل دون أن يظهر، وبدون الصحة وخاصة النظر، لن يتمكن من وضع الإبر والخيوط متنوعة الألوان والخامات، فى المكان المناسب بالأحذية، ولن يتحمل الجلوس لساعات طويلة لإنهاء حذاء واحد، خاصة الجلد الطبيعى.
قال سعيد أمين، بلغت من العمر ثمانين عاماً، قضيت أكثر من نصف قرن فى تصليح الأحذية، تطورت فيها الحرفة من حرفة ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها، لعدم انتشار بيع الأحذية وعدم ظهور الماكينات الحديثة التى تصلح الأحذية فى دقائق معدودة، كما أنها كانت لفترة معينة حرفة لها قيمتها كون الكثير من البشوات وكبار العائلات يقصدون العاملين بها لحياكة أحذية خاصة بهم، وكان عددنا فى المنطقة التى أعيش بها أكثر من 20 صانع أحذية، أما الآن فعدد من يعملون بها على مستوى مركز نقادة لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.
لن يعيش أبنائى فى جلباب مهنتى
وتابع أمين، تعلمت الحرفة على يد أعمامى منذ أن كان عمرى 15 عاماً، أتقنت خلالها صناعة الأحذية وشد الحذاء على القالب ودق المسامير الصغيرة، لكن المحل أو الدكان الذى أعمل به حالياً بشكل خاص، بدأت العمل به قبل 50 عاماً من الآن، وكما تعلمتها علمتها للكثير من الراغبين فى العمل بها، لكننى لم ولن اعلمها لأبنائي، لأننى لا أريدهم أن يعيشوا فى جلباب هذه الحرفة الشاقة، والتى لم تعد كما كانت من قبل ولا يمكن أن تفتح بيتاً.
وأضاف جزماتى نقادة، بأن المبالغ التى كنا نحصل عليها قديماً مقابل تصليح الأحذية كانت مليم ولا يتجاوز 25 قرشاً، وحالياً تصل لـ 50 جنيها فى بعض الأحذية، لكن الملاليم القديمة كانت أفضل بكثير من جنيها الوقت الحالى، فقد كان العمل مستمر والمكان مفتوح بشكل دائم لاستقبال الزبائن، وتراجعت قيمة الحرفة، لعدم احتياج الناس لها، ما يجعل الكثير ينظر إليها بشكل سيء.
كل منطقة تسمى حرفتنا باسم مختلف
وأشار سعيد، إلى أن كل شخص أو منطقة تنادينى باسم مختلف لحرفتى، لكننى لا أهتم كثيراً بمسمى الحرفة بقدر اهتمامى بأن تظل موجودة تعيننى على مواجهة أعباء المعيشة وتلبي احتياجاتى اليومية، وأتمنى أن تعيننى صحتى على إنهاء وإصلاح ما يأتى من أحذية، لأنها تحتاج إلى نظر قوى، وقوة بدنية للتعامل مع شد الخيوط وحياكتها بشكل جيد.