وجّه الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية د. نظير عياد الشكر لدولتي مصر وكازاختسان وللأزهر الشريف بقيادة فضيلة الإمام الأكبر على دعم إقامة هذا الحدث العلمي المهم الدي يعكس اهتمام الدولتين الصديقتين والمؤسسة الأزهرية العريقة بالتاريخ الإسلامي وكل من كان لهم دور في بناء الحضارات، كما وجّه الشكر لفضيلة وكيل الأزهر ولقيادات الأزهر على جهودهم في المشاركة قي فعاليات هذا المؤتمر الدولي الذي يجمع على مائدة جلساته باحثين من الجانبين المصري والكازاخي.
وقال الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية العام لمجمع البحوث الإسلامية في كلمته التي ألقاها في المؤتمر العلمي الذي تنظمه الأمانة العامة للمجمع بالتعاون مع جامعة الأزهر وسفارة جمهورية كازاخستان بالقاهرة، بعنوان: “نهضة الحضارة الإسلامية فى عهد السلطان الظاهر بيبرس البندقداري”، إن التاريخ هو مرآة الأمم، يعكس ماضيها، ويترجم حاضرها، وتستلهم من خلاله مستقبلها، لهذا كان من الأهمية بمكان الاهتمام به، والحفاظ عليه، والعمل على نقله إلى الأجيال نقلًا صحيحًا، بحيث يكون نبراسًا وهاديًا لهم في حاضرهم ومستقبلهم، فالشعوب التي لا تاريخ لها لا وجود لها، فالتاريخ به قوام الأمم، فهي تحيى بوجوده وتموت بانعدامه ولم لا وهو مرآة صادقة لها، فهو يعطي للإنسان تصوّرًا دقيقًا وواضحًا عن أحوال العالم وأحداثه وتجارِبِهِ، وفي ذات الوقت يعد مفتاحًا لتجنب أخطاء الماضى والاستفادة منها.
أضاف أن التاريخ يساعد في معرفةِ الأحداثِ وتاريخ حصولها، وما صاحَبَها من تغيراتٍ في الأحداثِ ومجرياتها كما يساعدُ في معرفة أحوال الأمم وأخبار الشعوب وعوامل قيام الحضارات وسقوطها سواء في القوة أم الضعف، والنشاط أم الركود، والعلم أم الجهل وغير ذلك من صفات السابقين وأحوال وأخبار الماضين.
وأوضح عياد أنه نظرًا لأهمية التاريخ وما يمكن أن يؤديه في حياة الأمم والشعوب فقد لجأ أعداء هذه الأمة – فيما لجؤوا إليه- إلى تاريخ هذه الأمة، لتفريق جمعها، وتشتيت أمرها، وتهوين شأنها، والقدح في تراثها والطعن في أعلامها والتطاول علي رموزها والتهوين من قدر رجالاتها والسخرية من رموزها فكان أن أدخلوا فيه ما ليس منه، الأمر الذي قلب كثيرًا من الوقائع، وزيف كثيرا من الحقائق، وأقاموا تاريخًا يوافق أغراضهم، ويخدم مآربهم، ويحقق ما إليه يصبون ولأجله يعملون، موضحًا أن الطعن في رموزها وقادتها أحد أبرز هذه الوسائل التي اعتمدوا عليها؛ ليقينهم بأن التقليل من شأن العظماء والتهوين من أقدارهم والعبث بأدوارهم يسهم في مسخ الهوية والقضاء على الشخصية السوية واستبدال هذا كله بإيجاد الهزيمة النفسية والشعور بالدونية.
وأشار الأمين العام إلى أن دراسة التاريخ والعمل علي قراءته ونقله وتعريف الأجيال به وما تضمنه من أحداث عظام واشتمل عليه من أمور جسام لها فوائد عظيمة؛ ومنها على سبيل المثال لا الحصر: استلهام العظة والعبرة التي تؤدي بدورها إلى الثبات على الإيمان والمبادئ الرشيدة والقيم الصحيحة، وتجنب الوقع في أخطاء الأوائل أو تكرار زلاتهم وهناتهم، وكذلك معرفة السنن الكونية والإحاطة بمعالم الحضارات والأمم السابقة، كما نستطيع من خلاله أن نبرز الصورة الصحيحة والمشرقة للمسلمين وواقعهم التاريخي للناس جميعًا، ونرد على تلك الدعاوى التي أثارها – ومازالوا – «المستشرقون» و «المستغربون» في أدبياتهم المتنوعة؛ حيث إنهم قد كرسوا جهودهم لتشويه صورة الإسلام وتاريخه وتشكيك الناس في عقيدته وشريعته، مشيرًا أن أهم ما يمكن أن نفيده من دراسة التاريخ إبراز «القدوة الصالحة» للأجيال الإسلامية المتعاقبة، وذلك بدراسة حياة الأشخاص العظام، ورجالات الإسلام الذين كان لهم الدور الأكبر في لم شمل الأمة الإسلامية، والدفاع عن بيضتها، وصد عدوان الباغين والمعتدين عنها، وهذا المقصد كان من أهم مقاصد المؤرخين الكبار الذين عُنوا بالتاريخ وتسجيل أحداثه وتحليلها واستخراج الدروس والعبر منها.
وبيّن عيّاد أن من رجالات الإسلام العظام الذين يجب علينا جميعًا أن نُعنى بهم ونبرزهم كقدوة صالحة وأسوة حسنة للناس جميعًا: الملك الظاهر بيبرس رحمه الله (625 – 676 هـ = 1228 – 1277م)؛ وذلك للجهود العظيمة التي قام بها وقدمها خدمة للإسلام والمسلمين، وللدور الإصلاحي التجديدي الكبير الذي قام به أثناء فترة ملكه في الجوانب الدينية والعمرانية والاقتصادية والسياسية بمصر بشكل خاص وبالعالم العربي والإسلامي بشكل عام، حيث أفرد كثير من المؤرخين ترجمات متنوعة ومتعددة للملك الظاهر في كتاباتهم العلمية، وعلى رأسهم العلامة تقي الدين المقريزي وغيره من المؤرخين، مضيفًا أن الظاهر بيبرس وضع لنفسه سياسة واسعة الأفق استهدفت في الخارج أمورًا: أولها: صد أخطار المغول والصليبيين عن بلاد الشام. ثانيها: نشر نفوذه على شبه الجزيرة العربية والنوبة، واستهدفت في الداخل: 1) توطيد الأمن. 2) القضاء على الثوار والمناوئين. 3) تخفيف الأعباء الملقاة عن كواهل الأهالي، ثم وضع قواعد النظام الإداري في مصر والشام في العصر المماليكي، فضلًا عن القيام بقدر ضخم من الإصلاحات المتنوعة.
قال إن هذا كله يشهد بعظم دوره وجميل فضله فيما قام به من خدمة للإسلام والمسلمين وما أسهم به في القيام بواجب الأخوة الإنسانية التي توجبها الشريعة الإسلامية؛ إذ مثل موقفه في مواجهة التتار دفاعا عن بني الإنسان الذين كانوا يعيشون على أرض الحضارة الإسلامية دون نظر إلى دينهم أو لونهم.
وختم الأمين العام كلمته بالتأكيد على أهمية ما فعلته الدولة الكازاخية عندما تعاونت مع الدولة المصرية ومؤسساتها الدينية والدعوية والعلمية لتعريف الأجيال الحالية بهذا القائد العظيم الذي ينبغي أن نتمثل سيرته ونتدبر أخباره وأحواله لعله يكون النموذج الأمثل في التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل والتمسك بقيم المروءة وشيم الرجولة والتي نحن في أمس الحاجة إليها في هذا الوقت الذي تتكالب فيه الكثير من الجهات الخارجية التي تعمل على مسخ الهوية الإسلامية والعربية وإيجاد شخصية لا كيان لها ولا وجود.