تعيش ليبيا اليوم أزمة سياسية حادة نتيجة لعوامل داخلية وأخرى خارجية تتسم بالتداخل والتعقيد في الوقت نفسه. ومع أن البلاد شهدت عملية تحول ديمقراطي ملحوظة خلال السنوات، 2012-2014، إلا أن الصراع الداخلي الذي اندلع في الشرق والجنوب والغرب الليبي منذ 2014 وبروز مصالح لدول خارجية طامعة بخيرات البلاد فاقم الأزمة وأوصد الأبواب أمام جهود الحل، في ظل تعطيل تام لجهود الأمم المتحدة.
وصلت المبعوثة الأممية الجديدة لدى ليبيا الأمريكية ستيفاني خوري إلى العاصمة طرابلس، منذ يومين، قادمة من تونس حيث من المقرر أن تقوم بعقد سلسلة اجتماعات مكثفة مع كافة الأطراف والأجسام السياسية والعسكرية الفاعلة في المشهد الليبي.
وستيفاني خوري دبلوماسية أمريكية من أصول فلسطينية، حاصلة على درجة الدكتوراه في الفقه القانوني ودرجة البكالوريوس في الآداب من جامعة تكساس بالولايات المتحدة، وتتحدث اللغتين العربية والإنجليزية. لديها خبرة تفوق 30 عاما في دعم العمليات السياسية، وخدمت لأكثر من 15 عام متابعة مع الأمم المتحدة لملفات دول الشرق الأوسط كالعراق ولبنان وليبيا والسودان وسوريا واليمن. كما شغلت منصب مدير الشؤون السياسية في بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان.
والمتتبع لمسيرة خوري المهنية قبل وصولها الى ليبيا يجد أنها دورها ليس نزيها حيث تلتزم بتنفيذ الأجندة الأمريكية التي تتعارض مع مصلحة البلاد التي عملت بها وهو ما يظهر واضحا مع إستمرار الوضع المتأزم في السودان والعراق وسوريا وبقية الدول الأخرى التي لا زالت تواجه أزمات سياسية وأمنية وإنسانية.
وستتولي خوري ملف الشؤون السياسية في البعثة الأممية وإدارة البعثة بعد رحيل عبد الله باتيلي رسمياً من طرابلس يوم 15 أيار/مايو المقبل، حيث ستركز على مسارات الحل الثلاثة في ليبيا وأولها المسار العسكري بتوحيد المؤسستين العسكرية والأمنية وإخراج القوات الأجنبية، والمسار السياسي بتفعيل دور البعثة في جمع الأطراف الليبية للتوافق على ضرورة إجراء انتخابات في موعد زمني محدد، بالإضافة إلى المسار الاقتصادي لمعالجة التحديات التي تواجه المواطن الليبي والاقتصاد الوطني خلال الفترة الحالية.
ويعتبر تعيين خوري أمرا متوقعا خاصة أن معظم خبراتها السابقة في مناطق النزاعات والأزمات، وعادة ما تلجأ إليها الإدارة الأمريكية لفرض رؤيتها وسيطرتها على ملف معين وهو ما يتجه إليه الملف الليبي حيث دفعت المتغيرات التي حدثت في الساحة الليبية واشنطن لإحداث تغيير على مستوى البعثة الأممية لإمساك الملف الليبي مجددًا.
ويتفق العديد من المراقبون على إن تعيين خوري قبيل استقالة باتيلي دليل على دور أمريكي أكبر في المرحلة المقبلة حيث ستعمل الدبلوماسية الأمريكية على قيادة الوساطة الأممية بدعم غربي، على غرار المبعوثة السابقة وصاحبة الفضل في وصول حكومة الوحدة الوطنية في شكلها الحالي في ملتقى الحوار الوطني، الأمريكية ستيفاني ويليامز.
ويتزامن تعيين المبعوثة الجديدة لليبيا مع التوسع الأمريكي عسكرياً في البلاد عن طريق إرسال الوفود العسكرية والأمنية الأمريكية المتكررة، ونيتها إنشاء قاعدة في الغرب الليبي، ناهيك عن وصول شركة عسكرية أمريكية خاصة الى طرابلس منذ فترة قصيرة بهدف توحيد الميليشيات في الغرب مع الجيش في الشرق، وخلق قوة عسكرية شبه موحدة في البلاد.
ويعتقد الكثير من متابعي الأزمة الليبية أن هذا النشاط الأمريكي العسكري، والسياسي عبر تعيين مبعوثة أممية أمريكية الجنسية، جاء ليهدد التواجد الروسي والتركي في البلاد، ويقضي عليه. خاصة بعد أن تُراجع دور البعثة بشكل كبير في عهد باتيلي.
ومن المؤكد أن وجود خوري على رأس البعثة الأممية سيفتح الطريق أمام واشنطن لتمرير سياساتها في ليبيا حيث عادة ما تكون البعثات الدولية أحد الأدوات التي تستخدمها أمريكا لتتفيذ سياساتها في البلاد التي تشهد أزمات دولية.
وربما تعتمد البعثة الأممية في ليبيا في عهد المبعوثة الأمريكية على سياسة العصا والجزرة مع الفرقاء والأطراف السياسة الليبية من أجل تمرير ما تريده واشنطن خاصة في ظل العلاقة الجيدة التي تربط محافظ مصرف ليبيا المركزي بواشنطن ما يجعله يستجيب لما يمكن وصفه بسياسة الابتزاز المالي التي قد تعتمدها خوري في تعاملها مع الأطراف السياسية الليبية التي لا تتفق معها، حيث سيقوم الكبير بلعب ورقة صرف الميزانية أو عدم صرفها للأطراف السياسية بحسب ما تقتضيه مصلحة البعثة ورؤيتها.
كما يمكن أن تقدم خوري للإدارة الأمريكية قائمة بالشخصيات المناهضة للنفوذ الأمريكي داخل ليبيا لتفرض الإدارة الأمريكية عليهم عقوبات وتهددهم بالمحكمة الجنائية الدولية. كما ستستخدم ورقة الهجرة الغير شرعية في وجه الأوروبيين الذين يسعون لنيل حصتهم من السيطرة على ليبيا لأهداف إقتصادية. حيث سيتم العمل على تفاقم أزمة الهجرة من أجل إرضاخ الدول الأوروبية الضالعة في الأزمة الليبية، من خلال زيادة تدفقات الهجرة غير الشرعية لأوروبا.
ووفقا لمنصبها ستتولي خوري ملف الحوار بين الفرقاء الليبين ما يجعلنا نتوقع احتمالية حدوث تغيير في المشهد الليبي وصعود بعض الشخصيات على حساب أخري وفق الرؤية الأمريكية للأوضاع في البلد النفطي الذي يعاني من فوضي سياسية منذ اكثر من 13 عاما والتي يبدو أنها غير كافية لترفع واشنطن والدول الغربية يدها عن ليبيا وتترك شعبها يعيد بناء دولته التي دمرتها التدخلات الأمريكية والدولية الدائمة والتكليفات المشبوهة داخل الدوائر الأممية التي يفترض أن من واجبها إيجاد حل وليس تعقيد المشكلة.