يخصص الناقد والمفكر والمترجم السعودي، الدكتور سعد البازعي، الجزء الأول من لقائه مع برنامج “المقابلة” للحديث عن المشهد الثقافي السعودي وخاصة الصراعات المتعلقة بالأصالة والمعاصرة، وما يعرفه اليوم من انفتاح ثقافي واجتماعي.
ويرى البازعي أن المشهد الثقافي السعودي عرف صراعا في مطلع الثمانينيات بين أبناء المدرسة التقليدية والمدرسة الحداثية، حيث عبّر شعراء ونقاد وقاصون وإعلاميون عن أنفسهم بنشر أعمالهم، لكنهم جوبهوا بردود فعل مختلفة من رجال الدين والفئة المحافظة من الكتّاب الذين رفضوا مثلا قصيدة التفعيلة وقصيدة الشعر الحر بحجة أنها تؤدي إلى تدمير وتخريب اللغة والتراث.
وبرأيه لم تكن المعركة أدبية وثقافية فقط بل كانت لها أبعاد أخرى، “لأن الحرية الملتصقة بالشعر كانت لها إيحاءاتها، ما يعني وجود رغبة في إحداث تغيير في المشهد الثقافي السعودي الذي هو جزء من المشهد الاجتماعي”.
ومن رموز تلك المرحلة الكاتب والشاعر السعودي، محمد العلي والأديب السعودي عبد الله نور، بالإضافة بعض رؤساء الأندية الأدبية ومنهم الأديب السعودي، عبد الفتاح أبو مدين، ونقاد وشعراء وقاصون.
وبشأن معركة الحداثيين من كتّاب وشعراء ومثقفين، وما حققته من أهداف، يؤكد الدكتور البازعي -في حديثه لحلقة (2023/6/4) من برنامج “المقابلة”- أن الهامش اتسع واستطاع الناس أن يقولوا أكثر مما كانوا يستطيعون قوله في البداية، ولكن ذلك جاء بعد أن فقدت الحركة وهجها وأصبحت جزءا من التيار الثقافي العام، مشيرا إلى أن لا أحد صار يحتج على قصيدة نثر أو تفعيلة.
ويقول “الحرية اتسعت في التسعينيات بشكل خاص مع ظهور الرواية التي لا يمكن أن تكتب مع قيود صارمة والتي جاءت بشيء مختلف عن القصيدة والقصة القصيرة، رغم أن هناك مشاكل صاحبت هذه الفترة، بدليل أن رواية الشاعر والأديب السعودي غازي القصيبي لم يفسح لها المجال إلا قبل سنوات قليلة لأن مواضيعها كانت حساسة مثل رواية “شقة الحرية” التي تظهر من عنوانها الإشكالية التي تطرحها”.
انفتاح ثقافي واجتماعي
ومن جهة أخرى، يتطرق الكاتب والمفكر السعودي إلى المشهد الثقافي اليوم في السعودية، ويقول إن في قلب هذا المشهد هناك حراك تقوده وزارة الثقافة التي حلت محل الدور الذي كانت تقوم به الأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون والجامعات، مؤكدا أن الوزارة بـ 11 هيئة تشكل كل وجوه الثقافة المعروفة، وفي طليعتها هيئة الأدب والنشر والترجمة (والمتحدث عضو في مجلس إدارتها) ويرأسها الروائي الشاب محمد حسن علوان.
وعن الانفتاح الثقافي الذي تعيشه المملكة في الوقت الحاضر، يقول ضيف برنامج “المقابلة” إن هذا التحول مرتبط بإنشاء هيئات تعنى بالقطاعات الثقافية وتنظيمها، إذ تشهد البلاد إنشاء معاهد لتعليم الموسيقى بعد أن كانت الموسيقى نفسها مشكلة، واليوم هناك هيئة للموسيقى، ووقّعت اتفاقيات مع وزارة التعليم لتدريس هذه المادة، كما أرسل آلاف الأشخاص إلى الخارج لدراسة الموسيقى، والآلاف لدراسة المسرح وسيعودون لتدريس مادة المسرح والإشراف على النشاط المسرحي في المدارس السعودية، وستكون هذه الخطوات جزءا من العملية التعليمية وهو أهم ما يحدث الآن، يضيف الدكتور السعودي.
ويرى الدكتور البازعي أنه من المبكر معرفة الأثر الذي يحدثه هذا الانفتاح على المشهد الثقافي وعلى المجتمع السعودي، مبرزا أن الجانب الترفيهي يبدو واضحا، ونفس الشيء بالنسبة للانفتاح الاجتماعي، فالناس في الأسواق، والمرأة حققت مكاسب غير عادية، ليس فقط في قيادة السيارة بل في جانب حريتها الشخصية، وهي حاضرة في كل الفعاليات وتدير هيئات مختلفة، والحراك جزء منه نسائي.
ويُذكَر أن الناقد والمفكر والمترجم السعودي ولد في شمال المملكة عام 1953. وبعد مشوار دراسي طويل في الولايات المتحدة الأميركية، عاد إلى السعودية بشهادة الدكتوراه والتحق بجامعة الملك سعود أستاذا للأدب الإنجليزي، وكان له نشاط في النوادي الأدبية وحتى الرياضية.
ويعد أحد الفاعلين في المشهد الثقافي السعودي، وله عشرات المؤلفات الثقافية والفكرية والأكاديمية، وترجم العديد من الكتب المهمة.