بين خيام النازحين الفلسطينيين في قطاع غزة وعلى أرض مليئة بالقاذورات والعوائق، تركض الطفلة كاميليا أبو خضر (9 سنوات) مع رفيقاتها وهن يلهون حافيات الأقدام، لا يدركن مخاطر الأمر ولا يبالين بالأمراض التي قد تنتقل إليهن من الأرض الملوثة.
مشهد يعكس حقيقة شح الأحذية تحت الظروف القاسية التي فرضها العدوان الإسرائيلي المدمر على القطاع والمتواصلة منذ 8 أشهر، مما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين من مكان لآخر ولأكثر من مرة.
أمراض منتشرة
لا يبالي الأطفال بالأمراض والجراثيم التي تنتقل من التربة الملوثة بالقاذورات ومياه الصرف الصحي، وهو ما يعرض صحتهم للخطر في ظل انتشار الأمراض المعدية ونقص العلاج والمستلزمات الطبية.
يواصلون اللعب دون أحذية تقي أقدامهم المتسخة، سعيًا للاستمتاع بأوقاتهم رغم الظروف القاسية الناجمة عن الحرب والنزوح، دون أن يُدركوا الخطر المحتمل لانتشار الأمراض المعدية التي قد تصيبهم.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة، يوجد حوالي 20 ألف حالة عدوى بالتهاب الكبد الوبائي الفيروسي نتيجة للنزوح بالقطاع.
وفي 24 مايو/أيار الجاري حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، من أن أعداد المصابين بالأمراض المعدية تتزايد في القطاع، وفق ما تبيّن تقارير منظمة الصحة العالمية.
وقالت الأونروا في منشور على منصة إكس: تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن أعداد المصابين بالأمراض المعدية بما في ذلك الإسهال والتهاب الكبد الوبائي (أ)، آخذة في الارتفاع في غزة.
وفي أبريل/نيسان الماضي أشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أوتشا إلى تفاقم أزمة الصرف الصحي الخطيرة في الأصل مع اقتراب فصل الصيف، لا سيما بعد انهيار نظام معالجة مياه الصرف الصحي.
ويشكو سكان غزة من تكاثر حشرات البعوض والقوارض، مع تكدس النفايات وتسرّب مياه الصرف الصحي، إضافة إلى الخطر المتمثل بالجثث المتحللة تحت الأنقاض دون التمكن من انتشالها في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ 8 أشهر.
حذاء مفقود
تقول الطفلة كاميليا التي نزحت من منطقة بيت لاهيا شمالي القطاع: فقدت حذائي في شارع صلاح الدين أثناء النزوح، وأنا الآن لا أمتلك حذاء وأمشي حافية القدمين.
وأضافت للأناضول: كان والدي يعمل ويبذل جهده لشراء الأحذية لنا عندما كنا في بيت لاهيا، لكن اليوم لا يوجد عمل ولا توجد أحذية.
وأوضحت أنها أثناء نزوحها شاهدت جثثا وأطفالًا على الأرض، وعندما وصلت وسط قطاع غزة لجأت إلى مستشفى شهداء الأقصى، حيث لم تجد ملابس وأغطية، فلحفت نفسها بأكفان الموتى.
وذكرت أنها عندما كانت في بيت لاهيا، كانت تمتلك أحذية وملابس، لكن القصف الإسرائيلي استهدف منزلهم ففقدت كل شيء.
أزمة الأحذية في مخيمات النزوح
وداخل خيمة صغيرة تفتقر لأبسط مقومات الحياة، تجلس الأم نيرمان أبو السعود، وعلى وجهها آثار جهد وتعب، حافية القدمين جراء اهتراء حذائها.
تحاول نيرمان (36 عامًا) جاهدة توفير لقمة العيش لأسرتها وزوجها بدلًا من شراء حذاء بديل لحذائها الذي أصبح باليا ومهترئًا.
تقول لمراسلٍ للأناضول: نزحنا من منطقة الشيخ رضوان شمال مدينة غزة إلى مستشفى شهداء الأقصى، ونعيش ظروفًا إنسانية صعبة.
وتضيف: مشينا مسافات طويلة خلال النزوح، إذ لم تكن هناك وسائل نقل كافية لحمل النازحين.
وتتابع: نعاني الآن من شح في الأحذية لي ولأطفالي، والمتوفر في خيمتنا مهترئ ولا يصلح للمشي.
وتذكر أنها وأطفالها يمشون حفاة في مخيم النزوح، وأنهم غير قادرين على شراء أحذية بسبب ارتفاع أسعارها الناجم عن شح البضائع.
وتوضح أن هذا الحال لا ينطبق فقط عليها، بل على الكثيرين في مخيمات النزوح الذين لا يمتلكون أحذية ويمشون حفاة.
وتبين السيدة الفلسطينية أن شح الأحذية يعود إلى إغلاق إسرائيل للمعابر ومنع دخول البضائع والمساعدات الإنسانية إلى القطاع.
وتعرب عن تخوفها من انتقال الأمراض لها ولأطفالها جراء المشي حفاة، خاصة في دورات المياه والمناطق الملوثة بالقاذورات ومياه الصرف الصحي.
وتتمنى الأم أن تنتهي الحرب وتعود الأجواء إلى طبيعتها بسلام وأمان، وأن تتوفر الأدوية والمستلزمات الطبية والاحتياجات الأساسية.
إصلاح المهترئ
بدوره، يحاول زوجها يوسف أبو السعود (44 عاما) إصلاح حذاء طفله المهترئ، برتق الأجزاء المقطوعة منه ببعض المسامير والأسلاك.
يقول يوسف: الأحذية شحيحة وأسعارها مرتفعة لا أستطيع شراءها، والأطفال يمشون حفاة رغم انتشار القاذورات ومياه الصرف الصحي.
ويضيف: أخشى أن يصاب أطفالي الثلاثة بعدوى مرضية بسبب المشي حفاة في ظل انتشار الأمراض بين النازحين.
ويلفت إلى أن قدميه أصيبتا بفطريات وتقرحات جراء مشيه حافيا، ولا يوجد علاج لهذه الحالات في قطاع غزة في ظل نقص الأدوية.
ويوضح أن أسعار الأحذية مرتفعة، ويصل سعر الواحد 90 شيكلا (24 دولارا)، وليس بمقدوره شراؤه مع غياب فرص العمل واعتماده على المساعدات.
ويقول إنه يحاول إصلاح الأحذية القديمة المهترئة باستخدام المسامير والأسلاك، لكن سرعان ما تتلف، ولا تصلح للمشي لمسافات طويلة.
ومع العدوان الإسرائيلي، نزح مليونَا فلسطيني من منازلهم، يعيشون حاليا في ظروف إنسانية صعبة، وفقًا لبيان صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة مؤخرًا.
ويواجه الفلسطينيون نقصا كبيرا في الوقود والأدوية وغيرها من الضروريات الحياتية، في ظل إغلاق إسرائيل للمعابر، والأعداد الكبيرة من النازحين التي تحتاج مساعدات إنسانية.
ويعاني الفلسطينيون من أوضاع مالية صعبة، حيث لا يوجد لهم مصدر دخل في ظل استمرار الحرب للشهر الثامن على التوالي.
وفي السابع من مايو/أيار الجاري احتل الجيش الإسرائيلي معبر رفح، الذي يعد الممر الرئيس لدخول المساعدات إلى القطاع ولسفر المرضى والجرحى للعلاج في الخارج.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول تشن إسرائيل عدوانا مدمرا على غزة خلف أكثر من 118 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل.