خاص – المغرب
“بات الصيف جحيما لا يطاق والمعاناة تتجدد كل عام”.. بهذه العبارات وصف مصطفى الوردي حال أهل القرى النائية بإقليم بنجرير وسط المغرب، الذين يواجهون صعوبات كبيرة في تأمين حاجياتهم من الماء الذي أضحى أعز ما يطلب في صيف شديد الحر بالمملكة.
القرى التابعة لمحافظة مراكش التي تمثل قلب السياحة النابض في المغرب، شأنها شأن مناطق مختلفة من المملكة، أضحى سكانها يجدون مشقة في الوصول إلى الماء بسبب توالي سنوات الجفاف التي جعلت المملكة تصارع تأثيرات التغيرات المناخية والاحتباس الحراري.
معاناة كبيرة
يقول الوردي للجزيرة نت إن أسرته، إلى جانب سكان قريتي “أولاد إبراهيم” و”أولاد سالم” بجماعة المحرة بمحافظة بنجرير قرب مراكش، أصبحت تجد صعوبة في الحصول على الماء، موضحا: “الآبار جفت جراء الجفاف، وأصبحنا نقطع الكيلومترات من أجل تأمين شربة ماء لأهالينا وماشيتنا التي تعاني هي الأخرى”.
ومع بداية كل يوم، تبدأ رحلة البحث عن الماء، إذ يقطع سكان القرية حوالي 5 كيلومترات من أجل الوصول إلى الماء في منطقة لم تشهد تساقط الأمطار منذ 6 سنوات، وفق ما يقول مصطفى.
وتعمد السلطات المغربية لمجموعة من الإجراءات الرامية إلى تمكين المواطنين وتزويدهم بالماء الصالح للشرب، من خلال حفر آبار جديدة بعمق يتخطى 300 متر من أجل الوصول إلى المياه الجوفية التي يتراجع مستواها سنة بعد أخرى.
الماء حق إنساني
وفي 28 يوليو/تموز 2010، أقرت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة الحق في الحصول على المياه النظيفة كحق من حقوق الإنسان، إذ يواجه ملايين البشر حول العالم نقصا في الحصول على كميات كافية من الماء وبجودة مقبولة.
أفق معقد
عبد الرحيم ازطوطي الناشط المدني والحقوقي بمدينة بنجرير المغربية، يرى أن السكان “يواجهون العطش وقساوة الصيف بوسائل وإمكانيات محدودة”، معتبرا أن الوضع يتجه نحو التعقيد كل سنة بسبب الجفاف.
وأفاد الناشط الحقوقي في حديث مع الجزيرة نت بأن المبادرات الرسمية في هذا المجال تبقى “محدودة وتتطلب المزيد من الاجتهاد، لأن الوضع صعب والمنطقة جافة وتضاريسها وعرة يتطلب الحفر فيها إمكانيات لوجستية ومادية كبيرة”.
وسجل ازطوطي بأن العديد من المبادرات والمحاولات الرامية إلى حفر الآبار ومساعدة السكان على الوصول إلى الماء، كان مصيرها الفشل، بعد عمليات حفر لم تفد في شيء، وهو ما جعل السكان يتوقفون، بسبب الخسائر الناجمة عن تكاليف الحفر التي تقدر بحوالي 50 دولارا للمتر الواحد.
هذه العوامل والإكراهات العديدة جعلت حق الكثير من المغاربة في الوصول إلى الماء معقدا، بل ومهددا في كثير من الأحيان، إذ إن الموارد المائية المتراجعة في المملكة تجعلها من بين المناطق المعرضة للعطش في المستقبل.
محرومون من الحق في الماء
هل يتمتع المغاربة بالحق في الحصول على الماء؟ سؤال مباشر وجهته الجزيرة نت للخبير في الموارد المائية وتوزيعها عبد الرحيم الهندوف، الذي أكد أنه انطلاقا من الشروط والمعايير التي حددتها الأمم المتحدة يتبين أن فئات واسعة من سكان القرى والبوادي “لا تتمتع بهذا الحق”.
وذكّر الهندوف بالمعايير التي حددتها الأمم المتحدة لتمتيع الناس بالحق في الحصول على الماء، وهي توصل كل فرد بكمية من الماء الصالح للشرب تقدر ما بين 50 و100 لتر في اليوم، كما أنه ينبغي ألا تبعد المياه عن سكان البوادي بأكثر من كيلومتر واحد، وألا يستغرق وقت إحضاره نصف ساعة، فضلا عن أن الفاتورة التي يؤديها المواطن لا تتعدى 3% من دخل الأسرة.
وشدد الهندوف على أنه بناء على هذه الشروط فإن “العديد من المناطق المغربية محرومة من الماء”، قائلا إن نسبة ربط سكان البوادي بشبكات الماء الصالح للشرب تقدر بـ40%، بينما 60% تبقى بعيدة عن السكان.
وتفيد المعطيات الرسمية حول توزيع سكان المغرب بأن 40% من المواطنين ينحدرون من القرى والأرياف، بينما 60% يستقرون في المدن، ونسبة مهمة من هذا الرقم نتجت عن الهجرة القروية المدفوعة بالتغيرات المناخية.
إشكالية التدبير
وأشار الخبير ذاته إلى أن المغرب يواجه مشاكل على مستوى تدبير وتوزيع موارده المائية المتناقصة، لافتا إلى أن الدولة تبذل جهودا كبيرة من أجل البحث عن بدائل لا غنى لها عنها، مثل تحلية مياه البحر التي تمثل الآلية المناسبة لإنقاذ المدن الساحلية من العطش، كالدار البيضاء، التي تمثل أكبر تجمع سكاني في البلاد، بمعدل يفوق 5 ملايين شخص.
ولا يعتقد الهندوف أن المغرب يمثل استثناء في المنطقة، بل شأنه في ذلك شأن باقي دول منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وعدد من دول البحر الأبيض المتوسط التي باتت تعرف شحا في الأمطار وتراجعا في الموارد المائية، مؤكدا أن المنطقة ستكون من بين “الأكثر تهديدا بالعطش في السنوات المقبلة”.
ووفق معطيات رسمية يتم تحديثها بشكل يومي من قبل وزارة التجهيز والماء حول وضعية ملء السدود، فإن منحنى الموارد المائية في تراجع مستمر، حيث بلغت 29% في الـ23 من يوليو/تموز الجاري، الأمر الذي ينذر بمزيد من تفاقم أزمة الجفاف الذي يلقي بظلاله على المملكة، ودفع الحكومة إلى تبني مخطط استعجالي لمواجهة الوضع المعقد بالتوجه نحو تحلية مياه البحر وإطلاق عدد من المشاريع في هذا المجال بمدن ساحلية عدة، التي تعرف كثافة سكانية عالية مقارنة مع باقي المناطق.