اعتبر محللان سياسيان التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن بشأن موقفي إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) تجاه المفاوضات، تؤكد أن واشنطن طرف غير نزيه، وأنها ليست وسيطا حقيقيا بين الطرفين لأن موقفها جزء لا يتجزأ من موقف الاحتلال الإسرائيلي
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن ادعى -في حديث للصحفيين- أن حركة حماس “تتراجع” عن خطة الهدنة المطروحة مع إسرائيل، والرامية للإفراج عن “المحتجزين” الإسرائيليين في غزة، ووقف القتال المستمر منذ أكثر من 10 أشهر في القطاع.
وأمس الاثنين قال بلينكن إن “رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وافق على المقترح” الذي قدمته واشنطن خلال جولة المفاوضات الأخيرة بالدوحة بشأن صفقة تبادل محتملة للأسرى مع المقاومة، والذي انتقدته حماس.
بدورها، أبدت حماس في بيان “استغرابها واستهجانها” الشديدين تجاه تصريحات بايدن التي “ادعى” فيها تراجع حماس عن اتفاق وقف إطلاق النار، كما اعتبرت تصريحاته ووزير خارجيته أنتوني بلينكن “ادعاءات مضللة” لا تعكس حقيقة موقفها الحريص على وقف العدوان على غزة.
ومعلقا على هذه التفاعلات، قال الكاتب والمحلل السياسي محمد الأخرس، إن موقف حماس الذي عبرت عنه في بيانها يعكس استمراريةً في موقفها منذ بداية هذه الجولة من المفاوضات، حيث رفضت المشاركة لأنها لم تكن تتوقع منها نتائج ملموسة.
وأضاف الأخرس أن حماس تدرك تمامًا النيات الأميركية في محاولة تحييد التوتر الإقليمي وتمكين إسرائيل من استفرادها بقطاع غزة؛ وبناءً على ذلك، أصدرت بيانًا كشفت فيه طبيعة الصيغة التي حاولت واشنطن ترويجها، والتي اعتبرتها صيغة إسرائيلية تناسب شروط نتنياهو.
وأشار الأخرس إلى أن المقاومة الفلسطينية ترفض منح الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأميركية ما يسعيان إليه من هذه المفاوضات، مضيفًا أنّ هذه الجولة تهدف إلى استدامة الحرب وليس إنهاءها.
ويرى الأخرس أن المقاومة الفلسطينية باتت ترى أن المشهد التفاوضي لم يعد يؤدي إلى النتائج المرجوة، مما دفعها لاتخاذ مواقف سياسية حازمة تعكس رفضها للمسار التفاوضي الحالي.
خيارات حماس
وحول خيارات حماس، قال الأخرس إن الخيار المتاح أمام الحركة هو الحفاظ على موقفها التفاوضي ومنع حدوث انتكاسة سياسية قد تؤدي إلى تهجير الشعب الفلسطيني في غزة.
وأكد الأخرس في هذا السياق أن قبول حماس بما يُعرض عليها يعني الموافقة على إعادة احتلال القطاع، لافتا إلى أن تصريحات نتنياهو حول عدم الانسحاب من نتساريم وفيلادلفيا تعني أن إسرائيل تهدف إلى تهجير سكان القطاع وإعدام مقومات الحياة في شمال غزة.
وأضاف أن الاحتلال ينظر إلى المفاوضات كإطار لتقويض السقف التفاوضي الفلسطيني واختبار الضغط العسكري على المقاومة، كما يرى الأخرس أن إفشال المفاوضات بهذه الطريقة يحمي الفلسطينيين من مزيد من الجرائم المرتكبة بحقهم وضغط عسكري إضافي.
بدوره، قال إسماعيل مسلماني، الخبير في الشؤون الإسرائيلية، إن التباين بين تصريحات بلينكن حول موافقة نتنياهو على المقترح الأميركي الجديد وتصريحات نتنياهو الرافضة للانسحاب من فيلادلفيا ونتساريم، يؤكد أن المفاوضات غير متوازنة وغير متكافئة.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية نقلت عن نتنياهو قوله إن من غير المؤكد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، مشددا على أن الجيش الإسرائيلي لن ينسحب من محوري فيلادلفيا ونتساريم بأي شكل من الأشكال، وذلك بعد ساعات من لقائه بلينكن.
وأوضح مسلماني أن الولايات المتحدة ليست وسيطًا نزيها بل طرفًا في الموقف الإسرائيلي، وهذا تجلى بوضوح خلال الـ24 ساعة الماضية من خلال تصريحات بايدن وبلينكن.
فرض الإملاءات
وأضاف مسلماني أن ما قام به بايدن من ترويج لمقترح جديد يعكس تراجعًا عن الاتفاقيات السابقة، ويأتي في سياق فرض إملاءات إسرائيلية.
واعتبر أن إسرائيل ترى في المفاوضات فرصة للأخذ دون تقديم أي تنازلات، وهو ما عبر عنه نتنياهو بوضوح حين قال إن المفاوضات ليست “عطاءً وعطاء”.
وأشار مسلماني إلى أن موضوع محور فيلادلفيا ومعبر رفح يتطلب تدخلًا دوليًا عاجلًا، مؤكدًا أن رفض حماس والفصائل الفلسطينية الجلوسَ على طاولة المفاوضات جاء كرد فعل على المجازر والاغتيالات الأخيرة.
وشدد على ضرورة إصدار بيان من الوسطاء القطريين والمصريين لكشف تلاعب الإدارة الأميركية التي تتبنى الورقة الإسرائيلية ولا تمارس دورها كوسيط نزيه في المفاوضات.
وفيما يتعلق بجولة بلينكن الأخيرة، أشار مسلماني إلى أنها تأتي في سياق الترويج لدور أميركي يسعى لتخفيف التوتر في المنطقة، مع محاولة الضغط على حماس عبر الوسطاء في القاهرة والدوحة.
واعتبر مسلماني أن استخدام مصطلح “الفرصة الأخيرة” يعكس تحذيرًا للمنطقة من التحولات المحتملة، وهو يشكل ضغطًا على حماس لقبول الشروط الحالية، رغم أنه في السياسة لا يوجد شيء يُسمى الفرصة الأخيرة.