منذ أشهر عديدة، لم تعد جامعة الدول العربية تصدر بيانات الشجب والتنديد ردا على مجازر إسرائيل في قطاع غزة وغاراتها على سوريا ولبنان وتدنيسها للمسجد الأقصى المبارك.
وربما يعود نبذ كتاب الشجب والتنديد لظروف داخلية تعيشها الجامعة العربية، في زمن لم تعد فيه القضية الفلسطينية تحظى بالأولوية في بعض العواصم العربية المهمة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ومهما يكن فإن أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط الذي يتقاضى شهريا 42 ألف دولار أميركي، غاب عن واجهة الأحداث السياسية بعد أشهر قليلة من هجوم طوفان الأقصى الذي نفذته المقاومة الفلسطينية ضد المستوطنات والمواقع العسكرية الإسرائيلية في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ردا على انتهاكات الاحتلال بحق الأقصى والمقدسات.
ولكن إذا كان الطوفان أخذ الجامعة العربية بشجبها وتنديدها، فإن الحكومات العربية لم تصمت أبدا إزاء الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على المجتمعات والحدود والمقدسات.
الرد.. الغائب المنتظر
في 2007، وعندما كان نائبا لوزير الخارجية شدد فيصل المقداد على أن سوريا تحتفظ بحق الرد على الانتهاك الإسرائيلي لأجوائها، مؤكدا أن دمشق هي التي “تختار زمان ومكان هذا الرد”.
وحينها نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية قوله “إن سوريا لم تتعود أن تسكت عن الرد على أي انتهاكات لكنها هي التي تختار متى وأين ترد”، مضيفا أن سوريا “سترد على أي عدوان إسرائيلي الآن ولاحقا”.
كان ذلك، تشديدا من المقداد على مبدأ الاحتفاظ بحق الرد في الوقت المناسب الذي تتمسك به سوريا منذ ثمانينيات القرن الماضي، إزاء كل عدوان إسرائيلي على أراضيها ومبانيها.
ولا يزال البلدان في حالة حرب من الناحية القانونية والسياسية حيث تواصل إسرائيل احتلال هضبة الجولان التي تؤكد الوثائق الدولية أنها جزء من سوريا.
وفي الفترة من 2016 إلى 2018 شنت إسرائيل أكثر من 200 غارة جوية على سوريا، وقصفت مرات عديدة مناطق حيوية مثل مطار دمشق الدولي ومنشآت عسكرية وأمنية.
وطيلة العقود الماضية، لم يحن الوقت المناسب لهذا الرد، ولكن سوريا لم تتخل عن هذا الرد ولم تفرط فيه أبدا بل ظلت تحتفظ به.
وقد بدا لمتابعين أن حركة حماس كسرت شوكة إسرائيل وأزالت رهبة جيرانها منها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما عبر رجال القسام الحدود في وضح النهار ودمروا مواقع ومنشآت وفرقا عسكرية وقتلوا أزيد 1200 عسكري ومستوطن إسرائيلي، ثم أسروا خلقا كثيرا وعادوا سالمين غانمين إلى قواعدهم وأنفاقهم.
لكن فيصل المقداد عاد في 2024 وقد أصبح وزيرا للخارجية ليقول إن دمشق لا تزال تحتفظ بحق الرد وفي الوقت الذي تراه مناسبا.
ففي تصريحات صحفية نقلتها قناة “روسيا اليوم”، في فبراير/شباط الماضي، قال المقداد إن “سوريا خاضت حروبا ضد إسرائيل، ومستعدون لخوض حروب أخرى ولكن دمشق هي من تقرر متى وكيف”.
مواعظ في زمن الحرب
وفق آخر تصنيف للجيوش من حيث القوة العسكرية، تحتل مصر المرتبة الـ15 على المستوى العالمي، متقدمة على إسرائيل التي تحتل المركز الـ17.
لكن الرئيس عبد الفتاح السيسي يطالب قواته بضبط النفس وعدم الانجرار وراء الاستفزازات أيا تكن الظروف، في وضع إقليمي ملتهب ومتقلب.
وفي الـ25 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي تحدث السيسي أمام حشد عسكري مهيب قائلا “وهنا يجب أن أؤكد أن مصر عبر التاريخ لم تتجاوز حدودها وكان هدفها الدائم هو الحفاظ على أرضها وترابها دون أن تمس، ومن المهم هنا أن أقول إن الجيش المصري بقوته وقدرته وكفاءته هدفه حماية مصر وأمنها القومي فحسب دون تجاوز”.
ترتبط مصر بمعاهدة سلام مع إسرائيل تعود لعام 1979، لكن الأخيرة انتهكت مقتضياتها أو عرّضتها للخطر على الأقل عندما احتلت معبر رفح وشريط فيلادلفيا المحاذي لغزة.
وقد قررت مصر على الفور التحلي بضبط النفس وأعرضت عن هذا الاستفزاز الذي اعتقد مراقبون أنه يشكل منعطفا خطيرا قد يوسع الصراع.
وفي 27 مايو/أيار الماضي أطلق جندي إسرائيلي النار باتجاه عسكريين مصريين داخل أرضهم وقتل اثنين منهم وفق الإعلام العبري، فيما أعلنت القاهرة عن مقتل عنصر واحد.
وقد نقلت فايننشال تايمز حينها عن مسؤول مصري قوله إن حادث تبادل إطلاق النار في رفح كان بسيطا وليست له أي أهمية سياسية.
ولا تكتفي بمصر بضبط نفسها إزاء التصعيد، بل تنصح إسرائيل وحماس وحزب الله وإيران والحوثيين جميعا بضبط أنفسهم وعدم جر المنطقة إلى تصعيد خطير.
وترفض مصر الاعتداءات الإسرائيلية على سكان غزة وتعارض تهجيرهم بشكل قاطع وانخرطت في جهود قوية بمجلس الأمن الدولي للمطالبة بوقف حد لمجازر الاحتلال في القطاع.
وحتى الحين أدى العدوان الإسرائيلي على غزة إلى استشهاد أكثر من 40 ألف فلسطيني معظمهم نساء وأطفال، إلى جانب تشريد وتجويع السكان وتدمير البنى التحتية والمرافق الحيوية في القطاع.
ومع تتالي المجازر اليومية في القطاع تطالب الحكومة المصرية إسرائيل بشكل متكرر بضبط النفس وعدم جر المنطقة إلى تصعيد خطير.
وردا على غارات إسرائيل على محافظة الحديدة اليمنية في أعقاب قصف الحوثيين لتل أبيب، “دعت مصر كافة الأطراف لضبط النفس والتهدئة، وتجنب الانزلاق لفوضى إقليمية”.
وعندما ضربت إيران انطلاقا من أراضيها إسرائيل لأول مرة في أبريل/نيسان الماضي، طالب المصريون جميع الأطراف بضبط النفس واحتواء الصعيد لتجنيب المنطقة المزيد من الحرب.
وبعد تبادل حزب الله اللبناني وإسرائيل القصف لساعات عديدة متواصلة اليوم الأحد، أطلت الحكومة المصرية من جديد على العالم لوعظ جميع الأطراف وفق مبادئ ضبط النفس وتجنب الفوضى واحتواء التصعيد.
وقال مكتب الرئيس المصري، في بيان، إن السيسي حذر رئيس هيئة الأركان الأميركية الجنرال تشارلز براون من “أن الوضع الإقليمي الراهن يتطلب وقفة حاسمة من المجتمع الدولي وجميع الأطراف الفاعلة، لبذل كافة المساعي وتكثيف الضغوط، لنزع فتيل التوتر”.
تجنب الانزلاق.. مهمة أردنية
في بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، لمّح وزير الخارجية أيمن الصفدي إلى عدم إمكانية صمود اتفاقية وادي عربة للسلام بين الطرفين، قائلا إنها “ستكون وثيقة على رف يغطيه الغبار في خضم ما ترتكبه إسرائيل” من جرائم.
وبشكل شبه يومي، تطالب المملكة الأردنية بعدم التصعيد، وتحذر من انزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية تهدد أمنها واستقرارها، خاصة في ظل استمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.
واليوم الأحد حذرت وزارة الخارجية الأردنية من التصعيد المتزايد في جنوب لبنان وتداعياته الخطيرة، التي قد تؤدي إلى انزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية تهدد أمنها واستقرارها، خصوصا في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وفي وقت سابق نقلت القناة الإخبارية الأردنية أن “جلالة الملك يؤكد ضرورة خفض التصعيد في المنطقة تجنبا للانزلاق نحو حرب إقليمية، ويشدد على أن الأردن لن يسمح بتعريض حياة شعبه للخطر”.
ووفق الصحافة الإسرائيلية، فإن الأردن شارك في اعتراض صواريخ إيرانية كانت في طريقها إلى إسرائيل في أبريل/نيسان الماضي.
لكن الحكومة الأردنية نفت ذلك، وقالت إنها لم ولن تسمح لأي طرف باستغلال أراضيها وأجوائها لمهاجمة طرف آخر.
أما الحكومة اللبنانية، فإنها لا تفقد الأمل في الشرعية الدولية، إذ تبادر إزاء كل اعتداء إسرائيلي لتذكير العالم بضرورة تطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وبعد اجتماع طارئ مع حكومته اليوم الأحد، شدد رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي على ضرورة “وقف العدوان الإسرائيلي أولا”، مطالبا بتطبيق القرار 1701”. وخلال الاجتماع، كشف ميقاتي أنه يجري “سلسلة من الاتصالات مع أصدقاء لبنان لوقف التصعيد”.