شهدت الصحف الإسرائيلية اليوم الاثنين كما كبيرا من الكتابات التي أثارتها الاحتجاجات العارمة التي عمت إسرائيل أمس، وإضراب اتحاد نقابات العمال (الهستدروت) اليوم، لمطالبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالموافقة على صفقة تبادل الأسرى مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وقال الكاتب الإسرائيلي المعروف بن كسبيت في صحيفة معاريف إن المعضلة الحقيقية لدى نتنياهو ليست محور فيلادلفيا، وإنما الوزيران المتطرفان إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
واعتبر أنه “يريد حقا إعادة المحتجزين، ولكن الشيء الوحيد الذي يريده أكثر هو الحفاظ على الائتلاف، وهكذا يدير المفاوضات كما لو كان شيطانا.. الطريقة الوحيدة لجعله أكثر خوفا من الاحتجاج هي الاستمرار فيه بكل طريقة ممكنة”.
وقدم الكاتب لنتنياهو 3 مطالب، أولها “أن ينعطف ويسعى بكل قوته وقدرته للتوصل إلى اتفاق رهائن”، مضيفا “يقولون إن (يحيى) السنوار لا يريد ذلك؟ نحن لسنا مسؤولين عن السنوار. صحيح أن نتنياهو هو المسؤول عنه في الواقع، بعد كل شيء، أطلق سراحه من السجن، لكن السنوار هو زعيم حماس. أعيننا على قائدنا تماما كما قرر إعادة جلعاد شاليط بسبب احتجاجات صيف عام 2011″.
وأضاف “عندما يفعل نتنياهو كل ما في وسعه لإعادة الرهائن، سنعرف ذلك.. الآن نحن نعلم أنه يفعل الحد الأدنى بيد واحدة، ويحبط ويمنع وينسف باليد الأخرى”.
أما المطلب الثاني، فهو “إجراء انتخابات مبكرة، والابتعاد عن تأثير اثنين من مقاولي التدمير، بن غفير وسموتريتش قبل فوات الأوان”.
وأضاف أن المطلب الثالث هو تشكيل لجنة تحقيق حكومية، مشيرا إلى أنه من شأن تحقيق ذلك أن “يوقف غرق إسرائيل في الهاوية”.
ولكنه في المقابل دعا المحتجين والمضربين إلى تجنب استخدام ألفاظ مثل “العدو” أو “الخائن” أو “القاتل”.
وقال “دعونا نترك هذه التعريفات للتاريخ.. صدقوني، لن يفيد ذلك نتنياهو. الاحتجاج الحالي ينتمي إلى كل الشعب الإسرائيلي وليس إلى أي فصيل سياسي معين. كنت في ساحة الاحتجاج ورأيت ممثلين (تقريبا) للجميع هناك. إن تصعيد النبرة وجعل الرسالة متطرفة سيبعد جماهير مهمة جدا عن هذا الاحتجاج.. لا يمكننا تحمل ذلك”.
ضغط هائل لإسقاط الحكومة
أما الكاتب يهودا شاروني، فركز على دعوة الشارع لممارسة ضغوط من نوع آخر على نتنياهو، ودعا الإسرائيليين للخروج الجماعي إلى الشوارع لإسقاط حكومة نتنياهو.
وقال في مقاله في معاريف “لسوء الحظ، لا يهتم رئيس الوزراء بمصير المختطفين فحسب، بل لا يهتم أيضا بحالة الاقتصاد، لذا فإن إغلاق الاقتصاد اليوم لن يساعد بعد أن عهد نتنياهو بمستقبلنا الاقتصادي إلى المدمر بتسلئيل سموتريتش”.
وأضاف “حالة الاقتصاد لا تحرك نتنياهو، وباسم البقاء السياسي هو على استعداد لزيادة العجز، وليس زيادة الضرائب، وعدم اتخاذ الخطوات اللازمة حتى بعد تخفيض وكالات التصنيف الائتماني الدولية لمكانة إسرائيل”.
وتابع “بعد أن أصبح واضحا في الأيام الأخيرة أن نتنياهو مستعد للتضحية بالرهائن من أجل بقائه، وأن مصير الاقتصاد لا يحركه أيضا، فإن الضغط الهائل فقط على أعضاء الكنيست في الائتلاف الذين لم يفقدوا عارهم، والذين ما زالوا لا يدركون أن التاريخ سيحكم عليهم بسبب سلوكهم في هذه الأوقات الحرجة هو ما يمكن أن يؤدي إلى إسقاط الحكومة”.
واعتبر أنه لا يزال هناك عدد من أعضاء الكنيست الذين يمكن أن يقودوا تصويتا لحجب الثقة أو الضغط من أجل موعد الانتخابات”، قبل أن يقول إن “نتنياهو محترق بالفعل، لكنه يريد على طول الطريق حرق النادي مع سكانه”.
نتنياهو خصم مرير وصعب
من جهته، أبدى الكاتب إفرايم غانور تشاؤما بفرص إسقاط نتنياهو أو ثنيه عن موقفه من صفقة الأسرى أو محور فيلادلفيا.
وقال في مقاله بمعاريف “من كان يحلم بأن نتنياهو سينكسر، وأن الحرب والواقع سيدفعانه إلى الاستقالة، كان مخطئا. من ساعة إلى أخرى يتبين أن نتنياهو ينوي أن يكون خصما مريرا وصعبا لأي شخص يتوقع رؤيته يخرج من المسرح السياسي. هذا ما يدفعه إلى السلوك والقرارات التي من الواضح أنه لا يوجد حد لما هو على استعداد للتضحية به من أجل بقائه. وهذا واضح في استسلامه التام لبن غفير وسموتريتش اللذين هما مرساة بقائه”.
وأضاف “هذا ينعكس بوضوح في تحويل محور فيلادلفيا إلى مذبح للتضحية بالرهائن، ويتجلى بوضوح في تجاهل الشمال وسكانه، ويتجلى ذلك في صراعه ضد وزير الدفاع ورؤساء مؤسسة الدفاع، وبشكل عام في السلوك المخادع لرئيس الوزراء في زمن الحرب.. رئيس وزراء لا يهتم إلا بنفسه وبقائه ويصد بقوة كل ذرة من المعلومات التي تثبت أنه تعرض قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول) لتحذيرات من هجوم من قبل أعدائنا”.
وختم بالقول “مما لا شك فيه، هذه أيام رهيبة عندما يتخذ شخص واحد بمفرده، لا يهتم إلا بنفسه، مثل هذه القرارات المصيرية في حياة أمة وبلد”.
11 شهرا من الأخطاء
وفي يديعوت أحرونوت، وجه محللها السياسي الأبرز ناحوم برنيع اللوم على مسؤولين أمنيين وسياسيين ومكونات المجتمع الذين لم ينجحوا في لجم نتنياهو، بما يتسبب في استمرار الأزمة التي تواجهها إسرائيل.
وقال “الحماسيون هم الذين ضغطوا على الزناد، لكن أيدينا جميعا ليست نظيفة من دماء المخطوفين، وليس فقط نتنياهو الذي يستخدم حق النقض (الفيتو) ضد الصفقة ويضلل الجمهور والعائلات، بل أيضا مسؤولون كبار في الجيش الإسرائيلي، الذين يواصلون ترديد شعار “الضغط العسكري فقط هو الذي سيعيد الرهائن”، ووزراء الحكومة الضعفاء، الذين تجاهلوا تحذيرات وزير الدفاع يوآف غالانت”.
وتابع “قتلناهم.. أولئك الذين ضغطوا على الزناد كانوا من الحماسيين: إنهم القتلة.. لكن الشخص الذي تسبب في وفاتهم أخلاقيا وبالمعنى التشغيلي المباشر، كان نحن. أيدينا ليست خالية من الدماء”.
واستدرك قائلا “يجب ألا يكون هناك سوء فهم: هذا ليس تسامحا مع نتنياهو أو تثبيطا للآخرين، إنها محاولة لشرح كيف أصبح الفشل الرهيب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) مزمنا وخبيثا، حيث أخطأنا في 11 شهرا من القتال وحيث نواصل ارتكاب الأخطاء والتضحية بالمختطفين والمقاتلين دون جدوى”.
وانتقد برنيع تشجيع القادة والجيش والمجتمع للجيش بأن القتال وحده سيؤدي لتحرير الأسرى، وقال جازما “فليعرف كل قائد من الآن فصاعدا أن الضغط لا يؤدي إلى اتفاق، إنه يؤدي إلى وفاة المختطفين، وتقع المسؤولية على عاتق رؤساء الأركان والقائد العام وقادة الفرق والألوية. وعلى مدى 10 أشهر وهم يرددون هذا الشعار، متجاهلين الواقع على الأرض. حان الوقت لمواجهة الحقائق”.
ثم انتقد افتقاد جيش الاحتلال لإستراتيجية الحرب، وقال “من وقت لآخر، نتلقى أخبارا عن عملية عسكرية ناجحة في غزة أو لبنان أو اليمن، وننسى الشيء الرئيسي: نحن منغمسون في أطول حرب في تاريخنا ضد أصغر وأضعف عدو. وبدلا من الخروج منه، نغرق فيه أكثر فأكثر. أين الحس السليم؟ أين الحيلة؟ أين الحكمة الإستراتيجية؟ الجيش الإسرائيلي عالق منذ ما يقرب من 11 شهرا في غزة”.
كما وجه اللوم لصمت المستوى الأمني على مراوغات نتنياهو ورفضه لصفقة تبادل الأسرى، مشيرا إلى مسؤولية رئيسي الموساد ديفيد برنيع، والشاباك رونين بار، في عدم مساندة موقف وزير الدفاع يوآف غالانت الرافض لموقف رئيس الوزراء الإسرائيلي المستمر في تعطيل الصفقة.
ثم انتقل إلى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ الذي قال إنه “لم يجند هيبة منصبه من أجل إعادة الحكومة إلى رشدها (عندما صدّقت على قرار الاحتفاظ بمحور نتساريم)”.
وختم بالقول “خرج مئات الآلاف من الإسرائيليين للاحتجاج على عدم إعادة المختطفين، واحتضنوا أولئك الذين عادوا من هناك.. اتضح أن هذا لا يكفي: هناك الكثير الذي يتعين القيام به. وإلى أن نفعل ذلك، يتحمل كل واحد منا المسؤولية”.
أما الكاتبة في يديعوت أحرنوت سيما كدمون، فقد هاجمت بعنف الحكومة الإسرائيلية التي وافقت على قرار التمسك بمحور صلاح الدين لإتمام صفقة تبادل الأسرى، وقالت “من أنتم، أولئك الذين فضلوا بقاء قوات جيش الدفاع الإسرائيلي في محور فيلادلفيا على حياة المحتجزين، في أي منزل نشأتم؟ من أين حصلتم على قيمكم؟ متى كانت آخر مرة شعرتم فيها بمشاعر الرحمة والتعاطف والحزن الحقيقي والشلل، ومن أنتم لتقرروا من هو على قيد الحياة ومن هو ميت ، ولسحب الزناد في لعبة الروليت الروسية هذه؟!”.
احتجاج واحد لا يكفي
وفي هآرتس، وصف محلل الشؤون الحزبية في الصحيفة يوسي فيرتر موقف نتنياهو المتفاعل مع الأسرى بعد الإعلان عن العثور على جثث 6 منهم في غزة، بأنه منافق، وقال إن دوام الاحتجاجات ليوم واحد لن ينجح في تغيير موقفه المتشدد من المفاوضات.
وقال “كانت المظاهرة في تل أبيب ضخمة. من المحتمل أن ينتهي الإضراب العام الجزئي الذي بدأ هذا الصباح بحلول المساء. سيقول نتنياهو لنفسه: لقد نجوت. سأتحرك للأمام. ولكن يجب عدم السماح له بذلك. لقد حان الوقت لاتخاذ تدابير جذرية”.
وتابع “إن عائلات المختطفين والناشطين نيابة عنهم مستعدون لذلك. لقد يئسوا أخيرا من هذا الزعيم القاسي، لكنهم لن يكونوا قادرين على التأثير بمفردهم. إذا بقيت أحداث الليلة الماضية لمرة واحدة، فإن الحكومة الدموية ستستمر في مسارها”.
وأضاف “في كلا الاحتمالين (الاستمرار أو التوقف)، من الأفضل عدم زراعة الأمل. أدى الغضب الشعبي الذي تم التعبير عنه في “ليلة غالانت” العام الماضي (الاحتجاجات التي قامت في إسرائيل على قرار نتنياهو إقالة غالانت جنبا إلى جنب مع الضغوط الأميركية الشديدة) إلى إلغاء إقالة وزير الدفاع، ولكن بعد ذلك لم يكن مصير الحكومة على المحك. “ليلة غالانت 2″ لن تدفع نتنياهو إلى صفقة، لأن بقاءه الشخصي والسياسي أهم ألف مرة بالنسبة له من حياة المختطفين”.
وانتقد مواقف وزراء الحكومة وتأييدهم لنتنياهو ووصفهم بـ “قطيع وحيد القرن”، وقال “الحكومة بتشكيلتها الحالية لن توافق أبدا على صفقة”.
كذبة نتنياهو
أما الكاتبة في صحيفة هآرتس نوا لانداو، فقد قالت “إن إصرار نتنياهو الجديد على وجود إسرائيلي على طريق فيلادلفيا على حساب التخلي عن المختطفين في غزة، هو دوران قاس بشكل خاص حتى بالنسبة لشخص منفصل وساخر.
وأضافت أن “السيطرة العسكرية الإسرائيلية على طريق فيلادلفيا، كما أوضح وزير الدفاع يوآف غالانت صراحة يوم الأحد، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي مباشرة لوزراء الحكومة، ليست ضرورة أمنية على الإطلاق، وإنما ضرورة سياسية”.
وأضافت “يريد نتنياهو أن يخلق لقاعدته السياسية معادلة صادمة للوعي، التي بموجبها تكون الخيارات الوحيدة على جدول الأعمال الآن هي إما صفقة لإطلاق سراح المختطفين وإما الأمن الشخصي لبقية المواطنين. وبعبارة أخرى، فإن صفقة إطلاق سراح الرهائن ستضر حتما بالأمن، إذا جاز التعبير، وبالتالي فهو يتخذ هذا القرار “الصعب” من أجل الصالح العام الوهمي”.
ونقضت الكاتبة هذه النظرية بالقول “هذه معادلة خاطئة تماما. ليس فقط لأن رؤساء مؤسسة الدفاع والجيش يوضحون ذلك مرارا وتكرارا، وليس فقط لأنه من الواضح أن هناك أكثر من إجابة صحيحة للوضع المعقد الحالي، ولكن أيضا لأنه يجب أن نتذكر أن الرجل الذي كان يركب بطاقة “السيد الأمن” طوال حياته السياسية قد روج، بثبات مثالي، لنموذج سياسي أمني تسبب بالفعل في النتيجة المعاكسة تماما”.
وواصلت بالقول “لم يفعل نتنياهو شيئا قبل وبعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) لتعزيز الأمن الشخصي للمواطنين الإسرائيليين. والدليل على ذلك أن أنصاره مدعوون إلى أن يسألوا أنفسهم وأن يعطوا أنفسهم بهدوء إجابة صادقة: هل تشعر بأمان أكبر الآن؟”.
وذهبت إلى القول إن “التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب هو جزء من الخيار الوحيد الذي سيضمن أيضا الأمن الدائم على المدى الطويل. بعد كل شيء، القتال إلى الأبد ليس حلا حقا. بعد 10 أشهر من القتال، من الواضح أنه لا يوجد شيء اسمه “النصر الكامل” أو “القضاء على العدو”، وأنه من المستحيل الحكم عسكريا على شعب آخر إلى الأبد، وأننا لن نقنع المجتمع الدولي بهذه الطريقة”.
وأضافت “محور فيلادلفيا هو خيال شعبوي آخر من مدرسة (النصر الكامل). الحقيقة هي أنه بغض النظر عن مدى تبرير كل حرب في البداية، فإن كل صراع ينتهي بنوع من التسوية، تماما كما انتهت كل جولة من القتال في غزة حتى يومنا هذا باتفاقات وقف إطلاق النار التي أخفتها حكومات نتنياهو عن الجمهور”.
وأصرت لانداو على القول إن “صفقة إطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب هي خطوة أولى في تعزيز الأمن، في حين أن التخلي عنهم لصالح احتلال أبدي لغزة يقوض الأمن. لن تتمكن إسرائيل من القضاء على مليوني فلسطيني. المعادلة الحقيقية هي إما دورة لا نهاية لها من إراقة الدماء أو اتفاق مستقبلي”.