تواجه إسرائيل قرارا مصيريا بشأن احتمال توجيه ضربة استباقية للمنشآت النووية الإيرانية، في وقت تتزايد فيه التحذيرات من مخاطر الهجوم وتبعاته الإقليمية والدولية.
وفيما يلي معالجتان من زاويتين مختلفتين لهذه المعضلة المعقدة، وردتا في صحيفتي يديعوت أحرنوت ومعاريف، وعكستا الاتفاق الإسرائيلي على ضرورة مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، وأظهرتا حجم التباين والاختلاف بشأن الطريقة المثلى للقيام بذلك، وكذلك تقدير حجم التبعات التي ستترتب على هذه العملية.
خيارات إيران وإسرائيل
المحلل الإسرائيلي المعروف نداف أيال قال، في مقال نُشر بصحيفة يديعوت أحرونوت اليوم الثلاثاء، إن هناك قرارين رئيسيين على وشك أن يُتخذا في المنطقة؛ الأول يتعلق بالقيادة الإيرانية، حيث يتعين على المرشد الأعلى علي خامنئي أن يختار بين 3 خيارات.
وحسب أيال، فإن هذه الخيارات هي “هجوم واسع النطاق على إسرائيل، أو تنفيذ عملية مركزية ومؤلمة، أو الصبر الإستراتيجي لإعادة بناء القدرات العسكرية لحزب الله”، وأشار إلى أن إيران قد جربت الخيار الأول وفشلت في أبريل/نيسان الماضي، لكنها لا تزال تحاول منذ 6 أشهر تنفيذ هجوم مؤلم على إسرائيل.
وعلى الجانب الآخر، فإن القرار الثاني يعود للقيادة الإسرائيلية، إذ يرى أن خيار توجيه ضربة وقائية إلى المنشآت النووية الإيرانية بات أكثر واقعية مما كان عليه في العقد الماضي، لأن الرافعتين الكبيرتين اللتين بنتهما طهران لردع إسرائيل، حزب الله وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، قد تعرضتا لضربات قوية، مما جعل قدرة إيران على الرد محدودة حاليا”.
لكنه يحذر من أن هذا الوضع قد لا يدوم طويلا، مضيفا أن “هذا الوضع قد يتغير إلى الأسوأ في المستقبل القريب”.
ويشير أيال إلى أن الوضع السياسي الحالي قد يوفر فرصة نادرة لإسرائيل لتنفيذ الهجوم دون معارضة كبيرة من الولايات المتحدة. ويوضح أن التوقيت السياسي الحالي سيجعل من الصعب على البيت الأبيض استخدام حق النقض ضد الهجوم، كما يرى أن التغيرات الإقليمية الناتجة عن مثل هذا الهجوم قد تكون “تاريخية”، مما يعزز موقف من يرون أن “الفرصة الذهبية قد حانت لاتخاذ مثل هذه الخطوة”.
مخاطر كبيرة وتحديات تقنية
فيما يتعلق بالتحديات التي تواجه إسرائيل، يشير أيال إلى أنها “لا تستطيع تدمير جميع أجهزة الطرد المركزي أو القدرات النووية الإيرانية بالكامل”، لكنه يرى أنه “لو تمكن سلاح الجو الإسرائيلي من تدمير 40% فقط من القدرات النووية الإيرانية، فإن ذلك قد يكون كافيًا لإحداث صدمة على المستوى العالمي”، ويضيف “يكفي أن يقفز سعر النفط إلى 200 دولار للبرميل لكي يفهم العالم أن هذه المشكلة لم تعد مشكلتنا”.
لكن أيال يحذر من أن هناك اعتبارات ضخمة وثقيلة تعقّد تنفيذ الهجوم، مشيرا إلى أن ذلك “قد يمنح إيران شرعية دولية للتقدم نحو القنبلة النووية”.
وخلص إلى القول إن “مواجهة إيران مواجهة مباشرة قد تستغرق سنوات، بينما لا يزال حزب الله وحماس يمثلان تهديدا عسكريا رغم ضعفهما”.
احتمالات التصعيد الإقليمي
كما يسلط الكاتب الضوء على تحديات أخرى مثل احتمال أن تستهدف إيران القوات الأميركية أو الدول العربية، أو احتمال التدخل الروسي. ويضيف “هناك تقارير أجنبية تشير إلى أن الروس قد يمتلكون القدرة على تعطيل الدفاعات الجوية الإسرائيلية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وربما محاولة إسقاط طائرات سلاح الجو الإسرائيلي”، دون أن يشير إلى الكيفية التي ستقوم بها روسيا بذلك.
وبحسب أيال، فإن الدفاعات الجوية الإيرانية نفسها تشكل تحديا كبيرا، حيث يمكن لإيران الرد بقوة على أي هجوم يستهدف منشآتها النووية. ويوضح أن “إيران قد تستعيد قدراتها بسرعة بعد الهجوم”، مما يجعل الهجوم الإسرائيلي غير فعال على المدى البعيد.
ويحذر الكاتب من أن الهجوم قد يؤدي إلى “حرب إقليمية شاملة”، قد تشمل مواجهة مباشرة مع إيران تستمر لسنوات. ويضيف “الإيرانيون يتمتعون بصبر إستراتيجي، ولن يكونوا في عجلة من أمرهم للرد، لكنهم سيستخدمون حلفاءهم في المنطقة مثل حزب الله وحماس للرد على إسرائيل”.
في الختام، أشار أيال إلى أن القرار النهائي قد لا يعتمد فقط على تل أبيب، بل على طهران أيضًا. فإذا قررت إيران استباق مهاجمة إسرائيل، فإن هذا سيمنح السلطات الإسرائيلية الشرعية لتنفيذ الضربة الوقائية وتحقيق أهدافها، وربما بمساعدة أميركية.
وقال “نحن في لحظة دراماتيكية تتطلب يدا ثابتة جدا على عجلة القيادة”.
الهجوم على إيران يتطلب تحالفا دوليا
في مقابلة أجرتها معه صحيفة معاريف، اتفق المقدم (احتياط) يارون بوسكيلا مع الموقف القائل بضرورة تدمير المنشآت النووية الإيرانية، لكنه تناول المسألة من منظور مختلف بالتركيز على أهمية التحالف الدولي في أي خطوة عسكرية ضد إيران.
يعتبر بوسكيلا أن إيران تشكل “التهديد الرئيسي في المنطقة، فهي المحرك الرئيسي لكل الأنشطة العدائية ضد إسرائيل، سواء عبر حزب الله في لبنان، أو المليشيات في اليمن، أو حماس في غزة”.
ولذلك فهو يرى أن “ضرب إيران مباشرة هو السبيل الوحيد لإضعاف هذه الشبكة الإرهابية المعقدة”.
ولكنه مع ذلك، يُحذر من أن الهجوم على إيران لن يكون سهلا أو خاليا من المخاطر. إذ يوافق رأي المحلل نداف أيال في أن إسرائيل لن تتمكن وحدها من تدمير كامل البرنامج النووي الإيراني، رغم قدرتها على توجيه ضربات مؤلمة إلى المنشآت النووية الإيرانية.
ويقول إن “إسرائيل تستطيع إلحاق أضرار بالمنشآت النووية، ولكنها لن تكون قادرة على تدمير المشروع النووي الإيراني بالكامل”.
وينطلق من ذلك للتشديد على ضرورة وجود تحالف دولي واسع لدعم أي هجوم إسرائيلي، ليس فقط لضمان الشرعية السياسية للهجوم، ولكن أيضًا لتوفير الدعم العسكري اللازم لتدمير المنشآت النووية الإيرانية بشكل كامل.
ويضيف أن الهجوم على إيران لن يكون مجرّد عملية عسكرية، بل سيكون له تأثيرات اقتصادية كبيرة، خاصة على أسعار النفط والغاز، مما يستوجب التنسيق مع الدول الكبرى.
ويعتبر بوسكيلا أن الهجوم على إيران قد يُعقد المشهد السياسي الدولي، خاصة وأن الولايات المتحدة على وشك خوض انتخابات رئاسية. ويقول “أي تحرك ضد إيران سيؤثر بشكل كبير على السوق الأميركية والعالمية، وبالتالي يجب أن يكون هناك تحالف دولي لضمان استقرار الأسواق وعدم حدوث أزمة اقتصادية”.
كما يشير إلى أن إسرائيل بحاجة إلى استنساخ تجربة تدمير المنشأة النووية السورية في 2007، حيث استطاعت إسرائيل حينها إخراج هذا الخيار من أيدي النظام السوري بشكل كامل.
ورغم أنه يرى أن إسرائيل قد تُقدم على الهجوم بمفردها إذا لزم الأمر، فإنه يرى أنه لضمان النجاح الكامل تحتاج إلى دعم دولي لتدمير جميع المنشآت النووية الإيرانية في وقت واحد.