مع بدء العد التنازلي للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الداعم الرئيسي لأوكرانيا في حربها مع روسيا، يعتزم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي -اليوم الأربعاء- الكشف عن خطته لـ”النصر”، التي استبقتها بتلميحات وانتقادات ضمنية لـ”فتور” الحلفاء، ومن بينهم الرئيس الأميركي جو بايدن.
وكان مقررا أن يطرح زيلينسكي “خطة النصر” في قمة “حلفاء أوكرانيا” في “قاعدة رامشتاين” بألمانيا التي كانت تهدف إلى تأكيد استمرار الدعم لكييف في مواجهة الهجوم الروسي. وكان مقررا لها الانعقاد يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، لكنها تأجلت بعد أن ألغى بايدن زيارته إلى ألمانيا وأنغولا بسبب انشغاله بـ”إعصار ميلتون”.
وكتب زيلينسكي -في منشور على تلغرام- “سنطرح خطة النصر، خطوات واضحة ومحددة لإنهاء الحرب على نحو عادل”، وذلك بعد أن سبق وتحدثت أوكرانيا الشهور القليلة الماضية عن خطة لإنهاء الحرب التي تخوضها في مواجهة جارتها الأكبر روسيا منذ نحو ألف يوم.
وبينما لم يتم الكشف بعد عن تفاصيل الخطة، تقول مصادر أميركية إن زيلينسكي قدمها للرئيس بايدن وكذلك للمرشحين الرئيسيين في الانتخابات الرئاسية الأميركية (كامالا هاريس ودونالد ترامب) عندما زار واشنطن الشهر الماضي.
ويحرص زيلينسكي على إعلان “خطة النصر” قبل أن يؤدي الرئيس الأميركي المرتقب اليمين الدستورية العام المقبل، وذلك رغم أن المسؤولين الأوكرانيين يقولون إن أيا من المرشحين الرئاسيين (ترامب أو هاريس) لن يحسن بالضرورة من موقف كييف في الحرب.
الملاذ الأخير
ويقول المراقبون إن “خطة النصر” تضم عناصر عسكرية وسياسية ودبلوماسية واقتصادية، ويعتبرونها “الملاذ الأخير” لأوكرانيا لتعزيز موقفها في أي مفاوضات وقف إطلاق نار مستقبلية مع روسيا. ومع ذلك، لم تؤيدها أي دولة علنا أو تعلق على جدواها حتى الآن.
كما يرى المراقبون أن توقيت عرض زيلينسكي للخطة أمام برلمان بلاده اليوم يأتي في “مرحلة قاتمة” لأوكرانيا، إذ يتكبد جيشها خسائر مؤلمة على طول الجبهة الشرقية مع اقتراب القوات الروسية من تحقيق “نصر إستراتيجي” مهم بالقرب من المركز اللوجستي الحاسم في بوكروفسك.
وفي كل منعطف، تتفوق موسكو على كييف عدديا تكافح أوكرانيا لتجديد صفوفها بحملة تعبئة، لكنها تبدو غير شعبية، كما أن مخزونات الذخيرة لديها محدودة، في حين يخلف تفوق روسيا الجوي دمارا كبيرا في الخطوط الدفاعية الأوكرانية.
وتتفاوت التصريحات الاستباقية حول حجم ما سيكشفه زيلينسكي عن “خطة النصر” أمام برلمان بلاده اليوم، فبينما يقول مستشار الرئاسة الأوكرانية سيرهي ليشينكو أنه سيتم الكشف عنها بالكامل، يرجح مسؤولون آخرون أن الرئيس “لن يكشف عن أكثر عناصرها حساسية لجميع المشرعين”.
وعلى أي حال، تضع الخطة مستقبل كييف في أيدي حلفائها. وبدونها، فإن أي صفقة مع روسيا ستكون بالتأكيد غير مواتية لأوكرانيا، التي فقدت خُمس أراضيها وعشرات الآلاف من الأرواح في الصراع. ولن تتمكن كييف على الأرجح من استعادة الأراضي المحتلة، أو الحصول على تعويضات عن الدمار الواسع النطاق في جميع أنحاء البلاد.
الناتو والسلاح
وفي ظل التباين حول ما سيعلن من “خطة النصر” والذي ينتظر الحسم خلال ساعات، ظهرت بالفعل عدة عناصر من الخطة يتصدرها نيل أوكرانيا عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو) والسماح لها باستخدام أسلحة غربية بعيدة المدى لضرب العمق الروسي، وتوفير الموارد لتعزيز الدفاعات الجوية وغيرها من الدفاعات الأوكرانية، وتكثيف العقوبات ضد روسيا.
ولأن المادة الخامسة من معاهدة حلف الناتو تنص على أن الهجوم على أحد الأعضاء يعد هجوما على الجميع، يعتقد المسؤولون الأوكرانيون أن إدراج بلادهم في الحلف من شأنه ردع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الغزو مرة أخرى. لكن القادة الغربيين مترددون حتى الآن في ضم أوكرانيا للحلف خوفا من التصعيد من قبل الرئيس بوتين.
كان المسؤولون الأوكرانيون يتوقعون ردود فعل من الحلفاء الغربيين في اجتماع لمجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية في قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا، حيث اجتمع قادة الدفاع من أكثر من 50 دولة شريكة لتنسيق مساعدات الأسلحة للحرب.
وتأجلت القمة بعد أن ألغى بايدن حضوره بسبب إعصار ميلتون الذي ضرب بلاده. فما كان من زيلينسكي إلا قيامه بجولة في العواصم الغربية لتقديم مخطط رؤيته لحلفاء رئيسيين آخرين. لكن لم يعط أيٌ منهم حتى الآن أي إشارة إلى أنه سيدعم الخطة.
كما أعرب بعض الحلفاء عن مخاوفهم بشأن الموعد النهائي الضيق الذي حدده زيلينسكي، الذي أعطى الحلفاء -أواخر سبتمبر/أيلول الماضي- 3 أشهر فقط لتبني المبادئ الرئيسية للخطة.
وحتى الآن، كانت الولايات المتحدة الداعم الرئيسي لكييف خلال الحرب التي استمرت عامين ونصف عام. لكن بايدن رفض طلب استخدام أسلحة بعيدة المدى لضرب أهداف محددة داخل روسيا، خوفا من تصعيد محتمل في الحرب.
في غضون ذلك، أدى الصراع المتصاعد في الشرق الأوسط إلى تحويل اهتمام واشنطن. ويتوقع كثيرون أن تواصل المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس سياسة بايدن والحفاظ على الوضع الراهن.
وفي عهد بايدن، كانت المساعدات الأميركية لكييف، على الرغم من كونها كبيرة، تصل دائما متأخرة جدا لإحداث فرق كبير للقوات الأوكرانية.
أما المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب، فيقول إنه سينهي الحرب بسرعة، لكنه لم يوضح كيفية ذلك.
وفي الوقت نفسه، اقترحت البرازيل والصين خطط سلام بديلة رفضها زيلينسكي، قائلا “إنها ستؤدي فقط إلى إيقاف الحرب وإعطاء موسكو الوقت لتعزيز جيشها وصناعة الدفاع المنهكة”.
ماذا بعد؟
بعد شهرين من مباغتة أوكرانيا موسكو في السادس من أغسطس/آب الماضي بتوغلها في منطقة كورسك الروسية، وذلك في أول هجوم على أراض روسية منذ الحرب العالمية الثانية، تتزايد التساؤلات في صفوف الأوكرانيين حول الإستراتيجية طويلة الأجل مع تقدم القوات الروسية بشكل مطرد في مناطق أخرى، خصوصا في شرق أوكرانيا.
وتظهر بيانات “معهد دراسة الحرب” أن موسكو حققت أكبر مكاسب شهرية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022، إذ تقدمت على مساحة 477 كيلومترا مربعا من الأراضي الأوكرانية في أغسطس/آب الماضي. واستولت القوات الروسية على مدينة فوجليدار في وقت سابق من هذا الشهر، وتقترب من بوكروفسك، المركز اللوجستي السابق.
وتنقل وكالة الصحافة الفرنسية عن يوهان ميشيل، الخبير العسكري الفرنسي وزميل الأبحاث في معهد الدراسات الإستراتيجية والاجتماعية في ليون، قوله إن “هجوم الجيش الروسي يتسارع مخلفا خسائر فادحة، ولا نستطيع أن نقول إن هجوم كورسك حقق أهدافه”.
أما أوليفييه كمبف، الزميل المشارك في مؤسسة البحوث الإستراتيجية، فيقول “إذا اضطرت أوكرانيا إلى الدخول في مفاوضات، فإن الاحتفاظ بجزء من الأراضي الروسية قد يحسن موقفها، لكن احتمال إجراء أي محادثات يبدو بعيدا”.
ويرى أن “المكاسب المعنوية مؤقتة وتتلاشى، وهذا منطقي في ضوء المفاوضات، ولكن إذا لم تكن المفاوضات في الاعتبار، فإنه أمر سخيف تماما، ومن عجيب المفارقات أن روسيا قد تستفيد من إبعاد القوات الأوكرانية عن الجبهة الرئيسية في شرق أوكرانيا”.
ويوضح كمبف، الذي يرأس أيضا شركة البحوث الإستراتيجية، أنه “يمكن لروسيا أن تحول هذه النكسة الأولية إلى أصل إستراتيجي حقيقي”. وبالقرب من الجبهة الشرقية، يخشى البعض أن تتورط أوكرانيا في كورسك.
وقال جندي، رغب في عدم الكشف عن هويته، “الآن، السؤال هو ماذا سنفعل بعد ذلك؟ من أين سنحصل على الأشخاص والقوة والوسائل لمواصلة هذه القصة أو إكمالها بطريقة ما؟ الله وحده يعلم كيف ستنتهي هذه القصة”.