سراييفو – رغم انتصار الثورات المضادة في هذه الجولة حسب توصيفه، لا يبدو الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي -بسنواته التي تقارب الـ80- عازما على الاستسلام، فهو يتحدث عن معركة طويلة مع الاستبداد قد تستغرق أجيالا لكنها ستحسم في النهاية لصالح الشعوب.
وقد أعدّ من أجل ذلك -بالاشتراك مع نخبة من المفكرين والسياسيين- خريطة طريق جديدة للديمقراطية العربية سميت وثيقة “العهد الديمقراطي”، ويرى أنه قد آن أوانها في ضوء التحديات التي فرضتها الحرب على غزة.
وعلى هامش المؤتمر الذي التأم لإصدار هذه الوثيقة بمدينة سراييفو مطلع الأسبوع، تحدث المرزوقي للجزيرة نت عن رؤيته للتحرر الشامل -من الاستبداد والاحتلال والتبعية- وعن أزمة الديمقراطية عربيا وعالميا، كما استشرف المآلات في تونس بعد الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها الرئيس قيس سعيد بولاية جديدة بعد استحواذه على 90.69% من الأصوات.
وفيما يأتي أبرز ما دار في المقابلة:
-
ما الجديد الذي تقدمه وثيقة “العهد الديمقراطي العربي” لحل الأزمات الراهنة؟
السردية السائدة حاليا هي انظروا إلى أين وصل الربيع العربي وإلى أين أوصلكم الربيع العربي، ونحن بحاجة الآن إلى استعادة المبادرة من ناحية السردية، لنقول: أنتم الاستبداديون أوصلتم شعوبنا إلى الثورة وغذيتم أسبابها ثم قمتم بالثورة المضادة وأنتم المتسببون الآن في الوضع الكارثي الذي تعيشه الأمة…
ونرى أن الأمور تزداد تعفنا وتعقدا وخاصة بفضيحة سقوط هذه الأنظمة أمام ما يقع في غزة، وبالتالي نشعر أنه آن الأوان لاستعادة الحراك الثوري الديمقراطي.
وهناك فكرة أساسية أنه لما قامت ثورات الربيع الأولى كانت ثورات متفرقة فلم نكن نشتغل مع بعضنا البعض. والآن نحن نعلم أن غرفة العمليات التي أجهضت الثورات العربية كانت واحدة، وعلينا نحن أن نقوم بشبكة ديمقراطية واحدة حتى نستطيع مواجهتها متوحدين. ونستعد لمعركة طويلة قد تأخذ عقودا وعقودا.
وعندنا 3 أهداف حددتها أكثر من مرة: أن تصبح كل الدول العربية دول قانون ومؤسسات لا دول أفراد وعصابات. وأن تتحرر كل الشعوب العربية وتنتقل من وضع شعوب الرعايا إلى شعوب المواطنين، والرعايا هم الذين يعتبرون أن المشكلة الأساسية هي الخبز، والمواطنون هم الذين يعرفون أن الخبز لا يأتي إلا بالكرامة. ثم نحن نعتبر أننا أمة عظيمة لكن أمة مجزأة ومفككة والحل الوحيد لكي تجد هذه الشعوب وهذه الدول طريقا إلى بعضها البعض هو الديمقراطية.
وأيضا الديمقراطية بالنسبة لنا ليست فقط قضية انتخابات وحريات، إلخ، هي أولا قضية تحرر وطني وهذا ما وضعناه في العهد الديمقراطي، أنه بالنسبة لنا نحن دول تابعة ولا يمكن أن نتحرر إلا بالديمقراطية لأن الاستبداد والاستعمار وجهان لنفس العملة.
-
هناك نماذج الآن قد لا توصف بالديمقراطية لكنها ربما تبدو أكثر جاذبية للجمهور العربي بسبب تبنيها للمقاومة، ما قولك في هذا؟
المقاومة شيء والبناء شيء آخر. نحن نعترف بدور المقاومة سواء كانت مقاومة مدنية للاستبداد أو مقاومة عسكرية للاستعمار، لأنه لا بد أن نقاوم. لكن بعد انتهاء المقاومة لا بد من بناء. ماذا سنبني عندما تتحرر شعوبنا؟ هل سنعيد بناء الاستبداد الذي هو سبب خرابنا أم سنبني نظما ديمقراطية؟.
دعنا نأخذ النموذج السوري، أنت تريدني أن أقول أنا مستعد لأقبل بنظام بشار الأسد.. بأن أسماء الأسد تتحكم في الاقتصاد و(رامي) مخلوف يتحكم في الاقتصاد.. بأن هذا الشخص يرث الحكم من أبيه، وأن يورثه لابنه. تريدني أن أقبل هذا بحجة أنه يقاوم إسرائيل وهو في الواقع لا يقاوم.
نحن نرفض القول بأن المقاومة تبرر الاستبداد، غير صحيح. نحن نقاوم الاستبداد ونقاوم الاستعمار، ونعتبر الاستعمار والاستبداد وجهين لنفس العملة. نحن نعتبر أن شعوبنا محتلة من طرف الاحتلال الداخلي.
-
يقال إن الدول الغربية فشلت في اختبار القضية الفلسطينية. هل المسألة في أنها فشلت أم أن منظومة الديمقراطية الغربية هي في الأصل من يقود ويدعم مشاريع الاحتلال والفصل العنصري والانقلابات في بلدان عديدة؟
لا وجود لشيء اسمه الغرب. ما يسمى الغرب هو قيم وحضارة، وهو دول، وهو شعوب. هكذا يجب أن نتعامل مع الأمر. وعندما تنظر إلى هذا الثلاثي في قضية الحرب تجد أن هناك دولا غربية مع إسرائيل 100 بالمئة مثل ألمانيا وأميركا، لكن تجد دولا مثل إسبانيا وأيرلندا والنرويج بدأت تغير موقفها تماما وهي مع القضية بحيث لا يمكن أن تقول إن كل الدول الغربية مع إسرائيل.
أما عن الشعوب الغربية، فأين خرجت أكبر المظاهرات دعما لغزة؟ هل خرجت في بلداننا العربية أم خرجت في أميركا وفي أوروبا؟ وهذا دليل على أن هناك جزءا كبيرا من الشعوب الغربية التي تناضل لا تشتري السردية الإسرائيلية، بالعكس هي معك.
ثم عندك القيم، التي هي قيم الديمقراطية العالمية، هل تريد أن تناقش في أن الحرية أحسن من الاستبداد؟ هل تناقش في أن النظام الديمقراطي رغم كل شيء هو الذي يضمن التداول السلمي على السلطة؟ إذن يجب أن نفرق بين هذه المستويات الثلاثة.
ونحن نعتبر -وهذا القرار الذي أخذناه في المؤتمر- أن الديمقراطية الغربية كما تمارس الآن هي الشكل الأكثر تقدما فيما نسميه الحكم المجالسي، لكن نعتبر أن هذا الحكم المجالسي على الطريقة الغربية ليس كاملا، ظهرت كثير من عيوبه ونواقصه، وعلينا نحن العرب أن نتقدم خطوة أمامية لابتكار نظام مجالسي أو شوروي يأخذ من هذه التجربة الديمقراطية ويطورها ويحسنها. نحن لسنا تُبّعا، نحن نريد أن نبني على تجارب هذه الديمقراطية الغربية التي هي أكثر تقدما ثم نتجاوزها.
-
ما تعليقك على نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في تونس؟ وكيف ترى المستقبل في ضوء هذه النتائج؟
هي تمثل انتصار الثورة المضادة بكيفية رهيبة، أولا لأنه ألغي دستور الثورة، دستور 2014 الذي كان أحسن دستور في تاريخ تونس. عدنا إلى دستور 1959 الذي هو دستور بورقيبة، دستور الشخص. عدنا إلى نظام الحكم الفردي وانتصار الشعبوية. لكن هذه مرحلة لن تدوم لأن هذه الشعبوية تقدمت كأنها لها الحلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، لكن في الواقع هذا غير صحيح، المشاكل الاقتصادية والاجتماعية تتعمق.
وبالتالي نحن نمضي إما إلى إعادة نفس الهيكلية، أي أنه إذا بقي هذا الشخص (قيس سعيد) في الحكم حتى 2029 سيحاول تغيير الدستور لكي يضمن فترة ثالثة، سيحاول أن يفعل نفس ما فعله: انتخابات تسعينية، وستجد نفس الأشخاص الذين يقولون إننا سنشارك، ويشاركون في هذه اللعبة المغشوشة. هذا السيناريو تقريبا بالنسبة لي هو الذي سيقع، اللهم إلا إذا وصلت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ذروتها وتحرك الشارع من جديد وهذا ما أدعو إليه، أنا أدعو إلى المقاومة المدنية بإسقاط هذا النظام باعتبار أنه نظام غير شرعي.
هذا الشخص أنا أعتبره منقلبا لأنه منقلب على الدستور وأعتبره مغتصبا لأنه اغتصب السلطة. وانظر إلى بلاهتهم، عندما تضع نتائج انتخابات 90% كأنك قلت هذه انتخابات مزورة يعني نسبة الـ90 هي شهادة انتخابات مزورة.
وهذا المنقلب المغتصب ورط نفسه، وسيحاول البقاء في السلطة طيلة حياته. كل هؤلاء الدكتاتوريين عندما ينخرطون في انقلابات يورطون أنفسهم، ليس لهم من خيار للبقاء أحياء أو لعدم دخول السجن إلا التمسك بالسلطة، وبالتالي سيحاول التمسك بالسلطة لكن سينتهي إما مثل بن علي بثورة شعبية ويخرج، أو بانقلاب طبي عندما تكتشف المجموعة التي تدور به أنه أصبح عبئا ثقيلا عليها.