يعد واحدا من أبرز الشعراء العرب وأكثرهم شهرة، كان في كل حالاته شاعرا كبيرا وهو غاضب صادق وهو متزلف كاذب، مادح الأمراء وقدم شعرا جميلا فيه حكمة.
هو أبو الطيب المتنبي الذي صاحَب أمير حلب “سيفَ الدولة الحمْدانيَّ” في حملاته على بلاد الروم ومدحه في أشعاره، ثم التحق بأمير مصر “كافور الإخشيدي” ومدحه أيضا بقصائد كبيرة.
ورغم ما عرف عنه من شجاعة شهد له بها الأعداء، قيل إن المتنبي كان بخيلا محبا للمال، لا يمَلُّ من جمعه، وربما لنشأته علاقة بهذه الصفة. فقد رأى الناس يحترمون الغني حتى لو لم ينلْهم من ماله شيء. ويروي هو نفسه قصة عن صباه: ساوَمَ بائعا في بطيخة، فطلب البائع ثمناً كبيراً. ثم إذا رجلٌ موسر يتقدم، فبادره البائع مبتسماً وباعه البطيخة بسعر أقل. وقال المتنبي إنه عرف من ذلك اليوم أن المال يعز صاحبه.
كتب المتنبي قصائد في سيف الدولة ووصف حملاته على بلاد الروم وصفا دقيقا، إذ يقول مطلع قصيدة:
الرَّأْيُ قَبلَ شَجاعةِ الشُّجْعانِ هُوَ أَوَّلٌ، وَهِيَ الـمَحَلُّ الثَّاني
فإذا هُما اجتَمَعا لِنَفْسٍ حَرَّةٍ بَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كُلَّ مَكانِ
ويرسم المتنبي في هذه القصيدة صورة معقدة ولكنها مدهشة، ويصف (الأجواء المحيطة) بجند سيف الدولة وهم يعبرون نهر أَرْسَناس، وهو من روافد الفرات ويقع اليوم في تركيا ويسمونه نهر مراد: الغبار كثيف يستر العيون، فالخيول لا ترى بعيونها بل بآذانها:
في جَحْفَلٍ سَتَرَ العُيونَ غُبَارُهُ فَكَأنَّما يُبْصِــرْنَ بِالآذانِ
وعبرت الخيول نهر أرسناس سباحة، وبلغ الماء عمائم الفرسان فنشرها على سطح النهر:
حتى عَبَرْنَ بِأَرْسَناسَ سَوَابِحاً يَنْشُرْنَ فِيهِ عَمَائِمَ الفُرْسَانِ
وفي مدحه لسيف الدولة، يقول المتنبي:
يا مَنْ يُقَتِّلُ مَنْ أرادَ بِسَيْفِهِ أصبحتُ مِنْ قَتْلاكَ بِالإحْسانِ
فإذا رأيْتُكَ حارَ دونَكَ نَاظِريِ وإذا مَدَحْتُكَ حارَ فيكَ لِسَاني
وكما كان يمدحه، كان المتنبي يتجرأ على سيف الدولة بالعتاب:
يا أعدلَ الناسِ إلَّا في معاملتي فيك الخصامُ وأنت الخصمُ والحكمُ
سيعلمُ الجمعُ ممَّنْ ضمَّ مجلسُنا بأنني خيرُ من تسعى به قدمُ
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صممُ
ومن الجرأة في ذلك الزمن وفي كل زمن، أن يمدح الشاعر نفسه في حضرة الأمير. كان المتنبي لا ينسى نفسه في كل قصيدة.
ثم هجر المتنبي حلب وأميرَها والتحق بأميرِ مصر كافور. ومدحه بقصائد كبيرة، حتى وإن لم يُكِنَّ له الحب والاحترام. كان طامعاً، ولكنه ظل شاعراً.
وطوحت الدنيا بالمتنبي فوجد نفسه في بلاد فارس التي لا يعرف لغة أهلها، فقال وأوجز:
ولَكِنَّ الفَتَى العَرَبِيَّ فِيها غَريبُ الوَجْـهِ واليَدِ واللِّسَانِ
ويوصف المتنبي بأنه كان شاعرا كبيرا في كل حالاته، كان شاعرا وهو غاضب صادق، وكان شاعرا وهو متزلف كاذب، وكان أشعر ما يكون وهو يصف غربته وغربة روحه:
يا صاحبيَّ أخمرٌ في كؤوسِكما أم في كؤوسِكما همٌّ وتسهيدُ
أصخرةٌ أنا ما لي لا تحركُني هذي المدامُ ولا هذي الأغاريدُ