لن تكون الطريق أمام الحكومة السورية الجديدة مفروشة بالورود بالنظر إلى الملفات الأمنية والحقوقية والاقتصادية والسياسية التي يجب عليها التعامل معها، كما قال مشاركون في برنامج “الاتجاه المعاكس”.
فقد ورث السوريون بلدا مثقلا بالمشاكل والتحديات المعقدة التي تتعلق في جزء كبير منها بالمحيط الإقليمي والموقف الدولي، وهو ميراث يتطلب عملا جادا وعدالة حقيقية وتجاوزا للمحاور والانحيازات.
ورغم النجاح المفاجئ للسوريين في استعادة بلدهم من قبضة بشار الأسد، فإنهم في الوقت نفسه يعيشون لحظة مفصلية شديدة الخطورة من تاريخهم، كما يقول الكاتب والمحلل السياسي ياسر سعد الدين.
فليس ضروريا -برأي سعد الدين- أن تذهب سوريا الجديدة في المسار الذي يحلم به أبناؤها لأنها “قد تتعرض لانتكاسة تاريخية ما لم تتعامل بجدية وكفاءة مع أوضاعها الأمنية والإنسانية، ومع قوى تتربص بها وتتأهب للانقضاض عليها”.
الانتباه للثورة المضادة
لذا، فإن حكومة محمد البشير التي تسلمت الحكم مؤقتا أن تجد مقاربة جديدة تمنع ظهور الشبيحة وتضبط الحدود بما يمنع دخول العناصر الخارجية التي يمكنها إشعال ثورة مضادة، برأي سعد الدين.
ولإيجاد هذه المقاربة، فإن هذه المرحلة الانتقالية -كما يقول سعد الدين- تتطلب مؤسسات أمنية وعسكرية رصينة، “مع إلزام كل مسؤول بالحكومة الجديدة بتقديم براءة ذمة والتعهد بإجراء انتخابات نزيهة دون المشاركة فيها لضمان تأسيس دولة مدنية حقيقية تتسع لكل من قدم التضحيات من كل التيارات دون إقصاء”.
لكن الأكاديمي علاء الدين العلي يرى أن حديث سعد الدين “ينم عن حماسة”، ويرى أن سوريا انتقلت من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة، وأن حكومة البشير التي نجحت في إدارة الوضع بمدينة إدلب من دون إمكانيات تقريبا يمكنها فعل الشيء نفسه في عموم البلاد.
وعلى خلاف الرأيين السابقين، يقول الناشط والإعلامي مشعل العدوي إن سوريا بحاجة لتعامل جدي وواقعي مع ما تواجهه من تحديات خصوصا وأن السلطة الجديدة لم توقف أيا من “مجرمي الحرب الذين علموا سنوات لصالح بشار الأسد”، ولم تبدأ بإدارة تلفزيون الدولة الرسمي ولم تضع على رأس الخارجية من يتحدث باسم سوريا الجديدة.
ضبط الأمن والخارجية والإعلام
ومن هذا المنطلق، فإن العدوي يخشى التشدق بشعارات التسامح والعفو “لأنها قد تودي بما تحقق من نصر وتعيد تكرار ما حدث في دول عربية عادت فيها الدولة العميقة للانتقام ومن الثورة، والتنكيل بالناس”.
وحتى لا تقع سوريا فيما وقعت فيه غيرها من الدول العربية، فإن على الحكومة الجديدة التعامل مع ملفات الأمن والخارجية والإعلام بشكل رئيسي، مع طرد كل من كانوا يشغلون مناصب مهمة في عهد الأسد وتعيين سفراء جدد لتقديم الرواية السورية للعالم.
كما أن حياة المواطنين وأمنهم وتسهيل استخراج أوراقهم وجوازات سفرهم وإعادة المنشقين لوظائفهم التي طردوا منها بشكل تعسفي، كلها أمور تعد من الأولويات حاليا، برأي العدوي الذي يرى أن حكومة البشير لم تتحرك لفعل شيء من هذه الأمور حتى اللحظة.
وركز العدوي بشدة على ملفات الأمن والإعلام والخارجية التي يعتقد أن سوريا الجديدة لن تنجح في فعل أي شيء ما لم تتعامل بكفاءة مع هذه الملفات الثلاثة.
الابتعاد عن صراع المحاور
هذه الملفات التي تحدث عنها العدوي، تحدث عنها أيضا الأمين العام لحزب اللواء السوري بالسويداء مالك أبو خير، الذي يرى أن سوريا تواجه اليوم تحديات معقدة جدا تفرض عليها التعامل بحكمة وواقعية من خلال عدم الانتقال من محور إلى محور آخر.
فالأمر ليس مجرد استلام سلطة من نظام سابق، بل يتعلق بملفات أمنية واستخبارية ودولية وإقليمية معقدة لأن كل العيون متجهة إلى سوريا حاليا، كما يقول أبو الخير.
وللتعامل بواقعية مع هذه الملفات الحساسة، فإن الحكومة الجديدة “مطالبة بإعادة بناء مؤسسات الدولة المدنية وتحديدا الشرطة ووزارة الدفاع وضبط الحدود، والانتباه إلى أن إيران خرجت من سوريا لكنها ستحاول العودة إليها من باب آخر”، وفق تعبير أبو الخير.
ليس هذا فحسب، فهناك دول أخرى -يضيف أبو الخير- ستحاول التدخل في سوريا، وهناك مئات الضباط الذين اختفوا وهم يملكون الملفات الأمنية والاستخبارية المهمة ولا أحد يعرف أين هم ولا لِمَ يخططون.
وحتى النظام الذي سقط، ستكون له خلاياه التي ستحاول العودة من باب الإرهاب أو إحداث الاضطرابات، ومن ثم فلا بد من إخضاع أسماء كبيرة مثل علي مملوك (ضابط المخابرات القريب من الأسد) مثلا لمحاكمات عادلة لأن هؤلاء يمكنهم قلب المشهد تماما وفتح حرب أخرى.
وبالنظر إلى كل هذه التحديات، فإن اللحظة الراهنة -برأي أبو الخير- تتطلب التعامل بجدية مع ملف تهريب المخدرات إلى دول الخليج، ومع علاقة سوريا بالعالم ومع تنظيمات مرتبطة بإيران وأخرى مثل تنظيم الدولة الذي يمكنه إحداث مشاكل كبيرة.
وقبل هذا وذاك، فإن على الحكومة السورية الحالية التأكيد على أن سوريا لم تتحول من محور لآخر، وأنها لن تكون طرفا في صراع النفوذ حتى لا ينتهي بها الأمر كالعراق أو لبنان، كما يقول أبو الخير.