يصادف اليوم ذكرى ميلاد أحد رواد القصة العربية، الأديب المصري محمود تيمور، الكاتب الذي استطاع أن يقدم ألواناً مختلفة من القصص الواقعية والرومانسيه والتاريخية والاجتماعية، وبرع في فنون القصة القصيرة والرواية.
وُلد محمود تيمور في 16 يونيو عام 1894، ونشأ في أسرة عريقة على قدر كبير من العلم والثراء؛ فقد كان والده أحمد تيمور باشا أحد أبرز أقطاب الفكر والأدب في عصره، وله العديد من المؤلفات التي تكشف عن عبقرية فريدة.
تميز حي درب سعادة الذي وُلد فيه محمود تيمور يتميز بأصالته الشعبية؛ فهو يجمع من الطوائف والفئات التي تشمل الصناع والتجار وأرباب الحرف؛ وقد استقى من تلك الأجواء الشعبية منذ صغره، واختزنت ذاكرتُه العديدَ من صور الحياة والشخصيات الحية التي وقعت عيناه عليها، وأعاد تجسيدها لاحقاً في الكثير من أعماله القصصية.
ثم انتقلت أسرته إلى ضاحية عين شمس؛ فعاش في ريفها الساحر الجميل الذي فجر فيه ملكات الإبداع بما فيه من مناظر جميلة وطبيعة خلابة ساحرة.
محنة ومنحة.. دراسة الأدب
تعلم محمود تيمور بالمدارس المصرية الابتدائية والثانوية الأميرية، والتحق بمدرسة الزراعة العليا، ولكن أصابته بمرض التيفود جعلته ينقطع عن دراسته الزراعية، ولزم الفراش ثلاثة أشهر، قضاها في القراءة والتأمل والتفكير، وسافر إلى الخارج للاستشفاء بسويسرا، ووجد في نفسه ميلاً شديدًا إلى الأدب؛ فألزم نفسه بالقراءة والاطلاع، وهناك أتيحت له دراسة عالية في الآداب الأوربية؛ فدرس الأدب الفرنسي والأدب الروسي، بالإضافة إلى سعة اطلاعه في الأدب العربي. واتسعت قراءاته لتشمل روائع الأدب العالمي لعدد من مشاهير الكُتاب العالميين .
باكورة أعماله
تأثر محمود تيمور بأخيه محمد في اتجاهه نحو المذهب الواقعي في الكتابة القصصية، والذي ظهر واضحًا في مجموعته القصصية الأولى «ما تراه العيون»، فأعجب بها محمود إعجابًا دعاه إلى أن يؤلف على غرارها؛ فكتب باكورته القصصية «الشيخ جمعة» عام 1925.
تأثير الرحيل
تُوفي أخوه محمد فجأة؛ فشعر محمود بانهيار آماله، وأصابه اليأس والإحباط. وبمرور الأيام أقبل من جديد على الحياة، وراح ينفض عن نفسه الفشل والإحباط، واعتمد على نفسه مهتديًا بخطى شقيقه الراحل في الأدب والإبداع، وأقبل على الكتابة بنشاط وروح جديدة.
صفات وراثية
ورث محمود تيمور عن والده العديد من الملكات والصفات؛ فقد كان مغرمًا بالأدب واللغة، شغوفًا بالقراءة والبحث والاطلاع، محبًا للكتابة والتأليف.
وقد حرص أبوه منذ سن مبكرة بتوجيهه إلى القراءة والاطلاع، وتنشئته على حب فنون الأدب واللغة؛ فأقبل الابن على مكتبة أبيه العامرة بحب شديد، ينهل منها، ويجني من ثمارها.
النزعة الرومانسية
وكان له شغف خاص بالمنفلوطي الذي غرس فيه نزعته الرومانسية، كما تأثر بعدد من الشعراء، خاصة شعراء المهجر، وعلى رأسهم جبران خليل جبران، الذي كان لكتابه «الأجنحة المتكسرة» بنزعته الرومانسية الرمزية تأثير خاص في وجدانه.
فقدان الولد.. الضربة الثالثة
لم يكن المرض هو مأساة تيمور الوحيدة؛ فقد كان فقدُهُ لأخيه محمد مأساةً أخرى، صبغت حياته بحالة من الحزن والتشاؤم والإحباط، لم يستطع الخروج منها إلا بصعوبة بالغة.
وكان على موعد مع مأساة ثالثة أشد وطأة على نفسه ووجدانه، زلزلت حياته، وفجعته في ولده الذي اختطفه الموت وهو ما زال في العشرين من عمره؛ وقد تركت تلك المأساة في نفسه مرارة لا تنتهي، وحزنًا لا ينقضي.
وكان ملاذه الوحيد وسلواه في كل تلك المحن والأحداث هو الكتابة، يَهرع إليها ليخفف أحزانه، ويضمد جراحه، ويتناسى آلامه. وقد انعكس ذلك في غزارة إنتاجه وكثرة مؤلفاته.
مكانة محمود تيمور الأدبية
حظي محمود تيمور بحفاوة وتقدير الأدباء والنقاد، ونال اهتمام وتقدير المحافل الأدبية ونوادي الأدب والجامعات المختلفة في مصر والوطن العربي، كما اهتمت به جامعات أوروبا وأمريكا، وأقبل على أدبه الأدباء والدارسون في مصر والعالم.
ومثَّلَ محمود تيمور مصر في العديد من المؤتمرات الأدبية، مثل: مؤتمر الأدباء في بيروت عام 1954، ومؤتمر القلم ببيروت في نفس العام أيضًا، ومؤتمر الدراسات الإسلامية في جامعة بشاور بباكستان، ومؤتمر الأدباء في دمشق.
كما نال إنتاجه القصصي جائزة مجمع اللغة العربية بمصر عام 1947، وما لبث أن عُيِّن عضوا فيه عام 1949.
الجوائز والتكريم
حصل الأديب محمود تيمور على جائزة الدولة للآداب عام 1950، وجائزة “واصف غالي” بباريس عام 1951، و جائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1963، من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب. واحتفت به جامعات روسيا والمجر والولايات المتحدة، وكرمته في أكثر من مناسبة.
مؤلفات محمود تيمور
يتميز إنتاج محمود تيمور بالغزارة والتنوع؛ فقد شمل القصة والمسرحية والقصة القصيرة والبحوث الأدبية والدراسات اللغوية. وقد لاقت مؤلفاته اهتمامًا كبيرًا من الأدباء والنقاد والدارسين؛ فتُرجم كثيرٌ منها إلى عديد من اللغات: كالفرنسية، والإنجليزية، والألمانية، والإيطالية، والعبرية، والقوقازية، والروسية، والصينية، والإندونيسية، والإسبانية.
وفاته
تُوفي محمود تيمور عن عمرٍ بلغ نحو ثمانين عامًا، في 25 أغسطس عام 1973، بعد أن أثرى الأدب العربي بأكثر من سبعين كتابًا في القصة والرواية والمسرحية والدراسات اللغوية والأدبية وأدب الرحلات.