يبدوا أن كارثة تدمير سد محطمة كاخوفكا الأوكراني بداية هذا الشهر لم تنته آثارها، ففي الوقت الذي لم ينته سكان المنطقة من آثار المياه التي غمرت منازلهم، وشوارع المدينة، بدأت المرحلة التالية من آثار هذا العمل الإجرامي الذي أدانه العالم بأكلمه، وذلك مع بدء الحديث عن انتشار الأمراض المميتة نتيجة انتشار المياه الحاملة لكافة أنواع التلوث البيئة، وذلك مع حملها المواد الكيماوية والسامة، والمسببة للعديد من الأمراض.
وفي تصريحات خاصة لصحيفة بوليتيكو الأمريكية، قال وزير الصحة الأوكراني فيكتور لياشكو، إن وزارة الصحة الأوكرانية تستعد لتفشي الأمراض المنقولة عن طريق المياه مثل الكوليرا بعد إطلاق كميات كبيرة من المياه بسبب تدمير سد نوفا كاخوفاكا في منطقة خيرسون في البلاد، فبعد عشرة أيام من تدمير سد محطة كاخوفكا لتوليد الطاقة الكهرومائية، انحسرت مياه الفيضانات وبدأ الأشخاص الذين لم يغادروا منازلهم في تنظيف المناطق المحيطة.
تلك بداية الكارثة
وقع تدمير لسد كاخوفكا في أوكرانيا في 6 يونيو 2023، مما تسبب في فيضانات واسعة النطاق، حيث يقع السد على نهر دنيبر في إقليم خيرسون، وقد سيطر الجيش الروسي على السد في فبراير 2022، في الأيام الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا، وكان السد تحت سيطرته وقت تدميره، وألقت السلطات الروسية باللوم في تدمير السد على القصف الأوكراني، بينما اتهمت أوكرانيا وحلفاؤها القوات الروسية بتفجير السد لعرقلة هجوم أوكراني مضاد كان مخططًا له.
وكانت مستويات المياه في خزان كاخوفكا ترتفع منذ شهور وكانت في أعلى مستوياتها على الإطلاق عندما جرى تدمير السد، وقد أدى ذلك التدمير إلى إجلاء الآلاف من السكان في اتجاه مجرى النهر، حيث غمرت الفيضانات عدة قرى في المناطق الخاضعة للسيطرة الأوكرانية والروسية، ويهدد فقدان المياه في خزان السد إمدادات المياه لشبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا ومحطة زاباروجيا للطاقة النووية التي تسيطر عليها روسيا.
التهديد الصحي خطر داهم ومستمر
ووفقا لما جاء بتقرير الصحيفة الأمريكية، ففي خطاب ألقاه في 8 يونيو ، بعد يومين من تدمير السد، حذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أن المياه يمكن أن تتلوث بسبب فيضان مرافق تخزين الوقود، والمستودعات بالمواد الكيميائية والأسمدة ، ودفن الحيوانات – بما في ذلك اثنان حيث نفقت الحيوانات من الجمرة الخبيثة، وكذلك الصرف الصحي في المياه هو أيضا مصدر قلق، وهنا يقول لياشكو: “نبلغ الناس أنه من الخطر الآن السباحة أو اصطحاب الحيوانات إلى الأنهار والبحيرات، فهذه كلها طرق فعالة لمنع تفشي الكوليرا والجمرة الخبيثة والأمراض الأخرى، ونحن نختبر المياه والمنتجات الغذائية بانتظام ونستعد لمزيد من العمل عندما تختفي المياه”.
وفي الأسبوع الماضي ، أعربت منظمة الصحة العالمية أيضًا عن قلقها بشأن التأثير الصحي، حيث قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس إنه لا يمكن الاستهانة بالتأثير على إمدادات المياه وأنظمة الصرف الصحي وخدمات الصحة العامة في المنطقة، وأضاف أن منظمة الصحة العالمية سارعت إلى العمل على الإجراءات الوقائية ضد الأمراض المنقولة بالمياه.
المرض موجود في العينات البيئية
في نفس الإحاطة ، قالت تيريزا زكريا من منظمة الصحة العالمية إنه على الرغم من عدم وجود حالات إصابة بشرية بالكوليرا منذ بدء الحرب ، إلا أن المرض كان موجودًا في العينات البيئية ، مما يعني أن هناك خطرًا لانتشاره إلى البشر، وأضافت أن منظمة الصحة العالمية تعمل عن كثب مع وزارة الصحة الأوكرانية لضمان وجود آليات لاستيراد اللقاحات إذا لزم الأمر.
وقال لياشكو لصحيفة بوليتيكو: “الوضع الوبائي مستقر حتى الآن”. “لدينا فقط حالات منعزلة من أمراض الأمعاء الناتجة عن استهلاك الفواكه والخضروات غير المغسولة.”
الاستعداد للأسوأ
ومع ذلك، الاستعدادات جارية لتفشي المرض، عاد لياشكو لتوه من منطقة خيرسون، حيث أعدت الحكومة الأوكرانية، كما قال، أكثر من 220 سريرًا للمرضى المصابين المحتملين وزودت المستشفيات بجميع الأدوية واللقاحات اللازمة لعلاج المرضى في حالة تفشي المرض، وقال إن الحكومة الأوكرانية خصصت أيضًا 36 مليون يورو لبناء سلاسل إمدادات مياه بديلة للمناطق المتضررة ، وزادت التمويل لأكثر من سبعة مستشفيات في خيرسون ودنيبروبتروفسك وميكولايف وأوديسا أوبلاست – المناطق الأكثر تضررًا من الفيضانات. .
ويستعد العشرات من الأطباء للعمل في المناطق المتضررة ليحلوا محل زملائهم المنهكين أثناء تفشي محتمل ، بينما يقوم العلماء وعلماء الأوبئة باختبار المياه المحلية كل أربع ساعات بحثًا عن جميع أنواع التلوث المحتملة ، بما في ذلك الإشعاع، فيما قال نائب وزير الصحة الأوكراني وكبير أطباء الصحة العامة في الولاية إيهور كوزين للصحفيين إنه يُمنع الآن شرب الماء من الآبار الفردية في المناطق التي غمرتها الفيضانات ، وكذلك السباحة والصيد في نهر دنيبرو والبحر الأسود.
المياه مليئة بالأمراض التي تنتظر البشر
“الآن نرى علامات تلوث المياه البرازي، وقد تم العثور على الإشريكية القولونية والمكورات المعوية والسالمونيلا والفيروسات النجمية والفيروسات المعوية في سطح الماء في منطقة أوديسا، وكل واحد منهم يمكن أن يثير تطور الالتهابات المعوية في حالة عندما يبتلع الشخص الماء المتسخ أو يأكل بأيد غير مغسولة بعد الاستحمام”.
ويأمل لياشكو في بناء إمدادات المياه البديلة لمناطق خيرسون وميكولايف ودنيبروبتروفسك في أقرب وقت ممكن للمساعدة في تقليل التهديدات التي يتعرض لها السكان المحليون، لكنه حذر من أنه حتى عندما تختفي المياه ، سيواجه المتخصصون في الرعاية الصحية الأوكرانيون تحديات جديدة، حيث ستبدأ التربة في الجفاف، وسيبدأ الغبار في الارتفاع في الهواء وانتشاره. من الضروري معرفة ما في هذا الغبار وما قد يحتويه من مواد سامة، وأضاف الوزير “هذا أحد خيارات التنبؤ”.
من تقع عليه مسؤولية تلك الكارثة
حتى الآن هناك خلاف حول الجهة المسؤولة عن تدمير السد، وما يتبها من آثار، حيث تبادل الروس والأوكرانيين الاتهام بالضلوع في هذه الواقعة، ولكن لم يُقدم أي من الجانبين أدلة علنية فورية لدعم اتهاماتهما، حيث قالت السلطات الأوكرانية إن القوات الروسية قد دمرت السد، وصرحت وكالة الطاقة الكهرومائية الحكومية الأوكرانية، Ukrhydroenergo، أن السد “دُمر بالكامل” بعد انفجار من داخل غرفة المحرك ولا يمكن ترميمه، وقال مسؤولون أوكرانيون إن روسيا دمرت السد “في حالة من الذعر” لإبطاء هجوم أوكرانيا المضاد المزمع.
وقد انتقد وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا وسائل الإعلام الدولية لتقديمها الادعاءات الأوكرانية والروسية على أنها ذات مصداقية متساوية، بحجة أن هذا “وضع الحقائق والدعاية على قدم المساواة”، وأشار المستشار الألماني أولاف شولتز “بكل المقاييس، هذا عدوان من الجانب الروسي لوقف الهجوم الأوكراني”، فيما قال عمدة نوفا كاخوفكا الذي نصبته روسيا في البداية إن السد لم يتضرر لكنه اتهم أوكرانيا في وقت لاحق، ونفى ديمتري بيسكوف، السكرتير الصحفي لفلاديمير بوتين، الاتهامات الموجهة لروسيا بالتورط في تدمير السد ووصفه بأنه تخريب أوكراني. وعزت وسائل الإعلام الرسمية الروسية الدمار إلى نيران المدفعية من قاذفة صواريخ فيلخا متعددة.
تاريخ تفجير سدود نهر دنيبرو
ويبدوا أن النهر الأوكراني له تاريخ كبير مع تفجير السدود، فخلال الحرب العالمية الثانية في أوكرانيا، كان هناك تدميرين مميتين بارزين في السدود على نهر دنيبرو، الأول بسبب انسحاب قوات NKVD في أغسطس 1941 وقتل ما يقرب من 100 ألف مدني أوكراني، والثاني بسبب انسحاب المحتلين النازيين في عام 1943. جرى بناء سد Kakhovka في عام 1956، وقد أصبح النهر وسدوده تحت السيطرة الروسية، فقد استولت القوات الروسية على السد في فبراير 2022، خلال الأيام الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022.
ثم جاء التفجير الأخير لسدود النهر بالعصر الحديث، ففي أواخر عام 2022، مع اقتراب هجوم خيرسون المضاد من نهر دنيبر، اتهمت أوكرانيا روسيا بالتخطيط لتدمير السد باستخدام المتفجرات رداً على ذلك، وخلال الهجوم المضاد، نفذت القوات الأوكرانية غارة HIMARS على إحدى بوابات السد، في اختبار أظهر أنها يمكن أن تجعل النهر يفيض في اتجاه مجرى النهر لمنع العبور الروسي، وعندما انسحبت القوات الروسية من خيرسون في نوفمبر 2022، دمرت سطح الجسر، وألحقت أضرارًا ببعض بوابات السد. ثم فتح الروس عن عمد بوابات سد إضافية، مما سمح للمياه بالخروج من الخزان.