اكتسب ولي عهد دبي الشيخ حمدان بن محمد آل مكتوم شعبية كبيرة في وطنه بسبب مساعيه المثيرة، من قيادة سباقات المشاركة الجماعية وفعاليات ركوب الدراجات إلى تسلق برج خليفة في المدينة.
ويحرص شقيقه الأصغر الشيخ مكتوم على تجنب الظهور بشكل كبير، مفضلاً تجنب الأضواء بينما يسعى إلى تعزيز صورة الرجل التكنوقراطي الماهر.
وتعتمد العائلة الحاكمة في دبي على الصفات المختلفة التي يتمتع بها الإخوة للحفاظ على تنمية الإمارة التي تطورت على مدى عقود من الزمن من ميناء تجاري إلى مركز عالمي للتجارة والسياحة والمالية.
وتبرز قدراتهما بشكل أكبر مع تراجع والدهما حاكم دبي ورئيس وزراء الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تدريجيا عن اتخاذ القرارات في الخطوط الأمامية. والآن يتم تصوير الشيخ محمد البالغ من العمر 75 عاما بانتظام وهو يمشي بعصا، في حين يتم إعداد الأرض لخلافة حمدان في نهاية المطاف.
وقال عبد الخالق عبد الله، وهو عالم سياسي مقيم في دبي: “لا يزال الشيخ محمد في مقعد السائق، لكن مساعدي الطيارين تحملوا المزيد من المسؤولية”.
وكان حمدان (41 عاماً) ومكتوم (40 عاماً) في العشرينات من العمر عندما تم تعيينهما ولياً للعهد ونائباً للحاكم على التوالي، بهدف تولي إدارة الشؤون اليومية لدبي من والدهما في نهاية المطاف.
وقال أحد الرؤساء التنفيذيين في الإمارات: “يُنظر إلى حمدان باعتباره مسؤول التسويق الرئيسي (المسؤول عن) الاستثمارات الجديدة والسياحة والترويج لدبي. أما مكتوم فهو رجل المال، وهو أكثر جدية”.
وتسارعت وتيرة التخطيط للخلافة في يوليو/تموز عندما انضم حمدان إلى الحكومة الاتحادية كنائب لرئيس الوزراء. كما تولى منصب وزير الدفاع الشرفي إلى حد كبير الذي شغله والده منذ عام 1971. وكان مكتوم وزيراً للمالية ونائباً لرئيس الوزراء في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ عام 2021.
وتعد شراكة الأخوين جزءًا من جيل جديد من القادة الناشئين في الخليج. فبعد أن أصبح الشيخ محمد بن زايد آل نهيان من أبو ظبي رئيسًا لدولة الإمارات العربية المتحدة العام الماضي، عين نجله الأكبر الشيخ خالد وليًا للعهد وعزز من مكانة إخوته.
إن إدارة توازن القوة بين أبوظبي، العاصمة الإماراتية الغنية بالنقد، ودبي الأكثر ريادة في الأعمال هي مهمة ستقع بشكل متزايد على عاتق الفئة الأصغر سنا.
وبدأ الانتعاش الأخير في دبي وسط جائحة فيروس كورونا بعد أن أعادت فتح اقتصادها القائم على السياحة والخدمات بشكل أسرع من المدن الأخرى.
كانت دبي، التي تعد أبرز الإمارات السبع التي تشكل دولة الإمارات العربية المتحدة، بمثابة نقطة جذب للمستثمرين الأثرياء في مجال التكنولوجيا والعملات المشفرة، والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، والعاملين عن بعد الفارين من الإغلاق في أماكن أخرى. وقد أدى غزو موسكو لأوكرانيا في عام 2022 إلى تدفق المزيد من الروس الذين نقلتهم شركات متعددة الجنسيات، سعياً لتجنب تأثير العقوبات الغربية، أو تجنب التجنيد.
ارتفع إجمالي عدد سكان دبي بنسبة 9% بين عامي 2019 و2023، وفقًا لتقديرات الحكومة، ليصل إلى 3.7 مليون نسمة. وساعدت أعداد المغتربين المتزايدة في توليد ثالث طفرة عقارية في دبي هذا القرن، بعد النمو الذي شهدته في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
ولكن هذا الازدهار السابق انتهى بعد تسع سنوات وسط الأزمة المالية العالمية، عندما استخدمت دبي أكثر من 20 مليار دولار من قروض الإنقاذ من أبو ظبي لتجنب التخلف عن السداد. وخلال الانتفاضات العربية في عام 2011، كانت دبي تُعَد ملاذًا آمنًا للثروات الإقليمية، مما أدى إلى طفرة في النمو استمرت حتى انهارت أسعار النفط في عام 2014.
لقد كان آل مكتوم، “رجل المال”، يستخدم بهدوء عائدات الخصخصة وإيرادات الضرائب المتزايدة لسداد ما يقدر بأكثر من 100 مليار دولار من السندات والقروض التي تراكمت خلال فترة الطفرة المليئة بالديون في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ووضع مالية الإمارة على أساس أكثر استدامة.
وقد جاء بعض هذا من استراتيجية أسواق رأس المال في دبي، والتي تقوم من خلالها بإدراج الكيانات المرتبطة بالدولة لتعزيز السيولة والتنافس بشكل أكثر فعالية مع البورصات الأكبر في المملكة العربية السعودية وأبو ظبي.
وعندما تولى السلطة الفعلية في عام 1995، حول الشيخ محمد دبي إلى مدينة عالمية من خلال تعزيز التجارة وتطوير البنية الأساسية لجذب الاستثمار وفتح قطاعات جديدة في العقارات والإعلام والتمويل.
ويظل مستشارو الشيخ محمد يتمتعون بنفوذ، ولكن نفوذهم يتضاءل تدريجيا أمام مساعدي حمدان وآل مكتوم، مثل محمد الحسيني، وزير الدولة للشؤون المالية، وهلال المري، الذي يرأس الدوائر الاقتصادية والسياحية في دبي.
وقال ناصر الشيخ، المدير العام السابق لدائرة المالية في دبي: “يعكس الحسيني الحكمة والإدارة المالية والانضباط، بينما يعكس المري أجندة النمو”.
ويشغل الحسيني منصب عضو مجلس إدارة في بنك الإمارات دبي الوطني ومؤسسة دبي للاستثمار التي تبلغ قيمتها 320 مليار دولار وتشرف على حصص الدولة في الشركات الرائدة في المدينة.
وفي وزارة المالية، يشرف على تطبيق الإمارات العربية المتحدة لمعدل ضريبة الشركات بنسبة 9%، والذي من المتوقع أن يجلب للحكومة إلى جانب ضريبة المبيعات بنسبة 5% التي تم تقديمها في عام 2018 عائدات كبيرة. ومع ذلك، حذر المحللون من أن الضرائب ستحتاج إلى إدارة حذرة لتجنب ردع المستثمرين الذين اجتذبتهم في السابق حالة الإعفاء الضريبي للبلاد.
ويرأس المري، الذي يشغل أيضا منصب عضو مجلس إدارة المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص، سوق الأسهم المحلية ويقود جهود دبي لتصبح مركزا للعملات المشفرة ومضاعفة حجم الاقتصاد بحلول عام 2033.
ويُنظر إلى المحاسب القانوني الذي تلقى تدريبه في المملكة المتحدة، والذي عمل في KPMG وMcKinsey، باعتباره جسرًا إلى مجتمع الأعمال الدولي. وقال أحد كبار المصرفيين: “عندما تواجه مشكلة، تلجأ إلى هلال”.
ورغم أن العديد من الإماراتيين يعترفون بفعالية القيادة الجديدة والتزامها بالحكمة المالية، فإن العصر الجديد أدخل أجواء من عدم اليقين.
وقال رجل أعمال إماراتي: “يبدو الأمر وكأنه حالة من الغموض. هناك قدر كبير من الثقة فيهم، لكن الطاقم الجديد غير معروف إلى حد ما أيضًا”.
وعلى الرغم من النفوذ المتزايد الذي يتمتع به الإخوة، فإن العديد من رجال الأعمال ما زالوا يعتقدون أن والدهم هو الذي يتخذ القرارات. وكما قال أحد أقطاب الأعمال في دبي: “الشيخ محمد ما زال في السلطة”.