تعد دورة الانتخابات الحالية هي الأهم في تاريخ تركيا بعد سقوط السلطنة العثمانية، حيث قاربت نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع الـ90%، مع اشتداد حدة الجدال السياسي وتدهور الأوضاع الاقتصادية في البلد العضو بالناتو وأحد اللاعبين البارزين في الحرب الروسية الأوكرانية، وفي جولة الإعادة المنتظرة ستكون هناك كلمة الحسم التاريخية، فهل تنحاز تركيا للرئيس الحالي رجب طيب أردوغان بعد أن حسم تحالفه انتخابات البرلمان، أم ستكون المفاجأة ويتفوق زعيم المعارضة كليجدار أوغلو، وهنا نرصد تحليل نتائج الجولة الأولى، وتحركات جولة الإعادة.
حزب أردوغان يخسر 28 مقعد وتحالفه يفوز
وفق القانون المنظم للانتخابات، يشترط حصول أي حزب يطمح لدخول البرلمان المكون من 600 مقعد، على نسبة 7% من أصوات الناخبين، أو أن يكون جزءا من تحالف يحصل على هذه النسبة، ويصوت الناخبون الأتراك للقوائم الحزبية وليس للمرشحين بموجب نظام التمثيل النسبي، ومن ثم فإن عدد المقاعد تحدده الأصوات التي تمنح لكل حزب وليس التحالفات.
وقد أظهرت النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية التركية، حصول تحالف الجمهور على 322 مقعداً من أصل 600 مقعد في البرلمان التركي، وحصول تحالف الأمة على 212 من مقاعد البرلمان، في حين حصل تحالف “العمل والحرية” على عدد 66 من المقاعد، وجاءت مقاعد تحالف الأمة مقسّمةً على حزب “الشعب الجمهوري”، الذي حصل على 168 مقعداً، وحزب “الجيد” بـ44 مقعداً، أمّا تحالف “العمل والحرية” اليساري، فقد حقّق فيه حزب اليسار الأخضر 62 مقعداً، وحزب العمال التركي 4 مقاعد.
وفي التالي نتائج كل حزب وفق وكالة الأناضول الرسمية التركية:
- العدالة والتنمية: 267 مقعدا
- حزب الشعب الجمهوري: 169 مقعدا
- حزب اليسار الأخضر: 61 مقعدا
- حزب الحركة القومية: 50 مقعدا
- الحزب الجيد: 44 مقعدا
- حزب الرفاه: 5 مقاعد
- حزب العمال التركي: 4 مقاعد
نتائج التحالفات البرلمانية:
- الجمهور (العدالة والتنمية – الحركة القومية – الاتحاد الكبير – الرفاه): 322 مقعدا
- الأمة (الشعب الجمهوري – الحزب الجيد): 213
- تحالف العمل والحرية (الشعوب الديمقراطي “اليسار الأخضر” – العمال التركي): 65 مقعدا
وعليه، خسر حزب العدالة والتنمية 28 مقعدا، لكنه حصل من خلال تحالفه مع أحزاب الحركة القومية والاتحاد الكبير والرفاه على 321 مقعدا.
الرئاسة متأرجحة .. والحسم في الإعادة
وفي نتائج تعد تاريخية، استطاع مرشح المعارضة أن يحصل على أعلى نسبة لأي مرشح تنافس معه أردوغان، ولذلك كانت المرة الأولى في تاريخ الانتخابات الرئاسية التركية، ألا تحسم النتائج من الجولة الأولى، وهو ما أجل الحسم إلى جولة الإعادة، فوفقا للنتائج الأولية، فإن أردوغان حصل على نسبة 49.5% من الأصوات، بينما حصد منافسه الرئيسي كليجدار أوغلو نسبة 44.89% من الأصوات، وذلك بحسب وكالة الأناضول التركية الرسمية.
أما سنان أوغان، النائب السابق لليمين المتطرف، فهو صاحب المفاجأة الثانية، وأصبح ورقة الحسم في جولة الإعادة، في ظل سعى مرشحى الإعادة للتحالف معه للحصول على أصوات ناخبية، فقد حصل على 5.17% من الأصوات، وهي النسبة التي تحسم النتائج في جولة الإعادة إذا ما ضمنها أردوغان، أو منافسه.
وبناء على النتائج أعلاه، تتجه الانتخابات الرئاسية إلى جولة ثانية في 28 من مايو، ويفترض بالمرشح صاحب الأصوات الأعلى أن يتجاوز نسبة الـ 50% كي يتمكن من الفوز بالسباق من الجولة الأولى، وهذا ما لم يتحقق في استحقاق 14 مايو، وعليه، سينتقل المرشحان صاحبا نسبة التصويت الأعلى، أي أردوغان وكليجدار أوغلو إلى الجولة الثانية.
أردوغان تحدث من الشرفة وأوغلو وثيق من الفوز
وعقب إعلان النتائج خرج كلا المرشحين بتصريحات تحمل الثقة بالفوز بجولة الإعادة، فمن جانبه ظهر أردوغان أمام حشد من المؤيدين بعد منتصف الليل بقليل، ليعلن استعداده لـ “قيادة الأمة” لمدة خمس سنوات أخرى، وخاطب الرئيس البالغ من العمر 69 عاما أنصاره من شرفة مقر حزب العدالة والتنمية في أنقرة، قائلا:”أنا أؤمن بشدة بأننا سنواصل خدمة شعبنا في السنوات الخمس المقبلة”.
وأضاف:”شخص ما في المطبخ، ونحن هنا على الشرفة”، في إشارة إلى كليجدار أوغلو الذي نشر مقاطع فيديو من مطبخه خلال الحملة الانتخابية، وتابع: “على الرغم من عدم ظهور النتائج النهائية، إلا أننا ما زلنا متقدمين كثيرا. وما زلنا لا نعرف النتائج الرسمية النهائية، وما زلنا ننتظر ظهور إرادة الأمة. وبينما كنا ننتظر النتائج، قررت أن ألقي خطاب الشرفة التقليدي مسبقا”.
أما كليجدار أوغلو الذي يرأس تحالفا واسعا من ستة أحزاب معارضة، قال:”إذا كانت أمتنا تريد جولة ثانية، إذن سننتصر في الجولة الثانية”. مشيراً إلى أنّ “الرغبة في التغيير في المجتمع أكبر من 50 في المئة”.
الحصان الأسود وورقة الحسم
ومع تحضر تركيا لخوض دورة ثانية للانتخابات الرئاسية، ومع نتائج الجولة الأولى، يبرز اليوم اسم المرشح الثالث، سنان أوغان، فبعد أن كان الحصاد الأسود في نتائج الجولة الأولى، أصبح الآن مفتاح الفوز لأي من المرشحين إذا ما جيّر له أصواته، لكن مقابل هذا الدعم، تبرز خلافات جوهرية بين أوغان وكل من أردوغان وكليتشدار أغلو، حيال عدد من الملفات بينها اللاجئين والأكراد، حيث وجهت هذه النتيجة الأنظار إلى أوغان، الذي خاض الانتخابات كمرشح عن تحالف “آتا” الأجداد، وأصبح عامل مؤثر وأساسي في تحديد الرئيس المقبل للبلاد.
ويرى مراقبون سياسيون أن جلّ ما كان يتمناه هذا المرشح، “الجديد” نسبيا على الساحة السياسية التركية، أن تذهب الانتخابات إلى دورة ثانية، ليصبح هو العامل المقرر بمن سيتمكن من الوصول إلى سدة الرئاسة بعد أن يجيّر له أصواته. وكان أوغان قد قال قبل الانتخابات إن هدفه هو أن يكون هناك دورة ثانية، وحينها سيتفاوض مع المرشحين ويقدم لهما شروطه، ومن يستجب معه سيطلب من مؤيديه أن يصوتوا له.
من هو أوغان ؟
وسنان أوغان (55 عاما)، أكاديمي من أصول أذربيجانية، درس في كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية ثم حصل على الدكتوراه بالعلاقات الدولية من جامعة موسكو الحكومية في روسيا، ويتحدث اللغتين الإنكليزية والروسية، وقد خاض الانتخابات كمرشح لتحالف “آتا” (الأجداد) المكون من أربعة أحزاب يمينية قومية متطرفة، أبرزها حزب النصر وحزب “العدالة”.
وبدأ أوغان مسيرته السياسية في 2011 حين تمكن من حجز مقعد له في الندوة البرلمانية عن مسقط رأسه بولاية إغدير (أقصى شرق تركيا على الحدود مع أذربيجان) عن حزب الحركة القومية اليميني (حاليا جزء من تحالف “الجمهور” الذي يضم حزب العدالة والتنمية)، وفي 2015، وعقب استبعاده من قوائم الحزب الانتخابية للبرلمان، دبت خلافات بينه وبين قيادة الحزب انتهت بطرده من الحركة القومية بموجب قرار حزبي داخلي. وبعد أن كسب دعوى قضائية ضد قرار طرده من الحزب، عاد أوغان إلى صفوف الحركة القومية مجددا، ليعود ويُطرد مع آخرين في 2017 ويعلن انتهاء علاقته مع هذا الحزب.
ولطالما اشتهر المرشح عن “تحالف الأجداد” بخطاب متشدد من قضية اللاجئين، وصف في كثير من الأحيان بالخطاب “العنصري”. ودعا أوغان مرارا إلى إعادة اللاجئين، خاصة السوريين، إلى بلادهم، متعهدا بإعادتهم “قسرا لو تطلب الأمر” في حال فوزه بالانتخابات.
لمن سيمنح أوغان أصوات قاعدته الانتخابية؟
ومن المنتظر أن تلعب أصوات الكتلة الناخبة لتحالف “الأجداد” دورا أساسيا في حسم الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بناء على نتائج المفاوضات المتوقع أن يجريها أوغان مع كل من أردوغان وكليتشدار أوغلو، لكن بناء على ما تقدم حتى الآن من مواقف وبرامج، فمن المتوقع أن تتمحور المفاوضات حول ملفين رئيسيين: اللاجئون والعلاقة مع الأحزاب الداعمة للأكراد.
وكان أوغان، الذي سوّق نفسه كصوت للأتراك الرافضين لسياسات الهجرة واللجوء في تركيا، قد صرح بمناسبات عدة أنه يرفض التعاون بتاتا مع الأحزاب المتهمة بدعم منظمة “حزب العمال الكردستاني” المصنفة كمنظمة إرهابية في تركيا وعدة دول غربية، في إشارة إلى “حزب الشعوب الديمقراطي” الداعم للأكراد والذي أعلن تأييده لكليتشدار أوغلو.
في هذا الإطار، يذكر أن أردوغان يحظى بدعم من حزب كردي إسلامي هو حزب الدعوة الحرة “هدى بار” الناشط بالمناطق ذات الغالبية الكردية، وتتشكل قاعدة هذا الحزب من أكراد محافظين وإسلاميين معارضين لحزب العمال الكردستاني، فهل يمكن لهذا التحالف أن يؤثر على قرار أوغان بدعم أردوغان؟ وهل من الممكن أن يتخلى أردوغان عن “حزب الدعوة الحرة” مقابل أن يحظى بأصوات أوغان؟، وهي تسائلات يجيب عنها تفاصيل المشاورات المنتظرة خلال الأسبوعين القادمين.
من جهة أخرى، يختلف أوغان مع أردوغان بملف اللاجئين، فموقف حزب العدالة والتنمية كان مع العمل على إعادة اللاجئين السوريين طوعا إلى بلادهم بعد أن تتوفر الظروف الملائمة لذلك، ما قد يستغرق وقتا طويلا. في حين يطالب أوغان بإعادتهم فورا.
على المقلب الآخر، يبدو أن التقارب بين أوغان وكليتشدار أوغلو فيما يتعلق بملف اللاجئين أكثر وضوحا، حيث كرر الأخير مرارا تعهده بترحيل السوريين إلى بلادهم في غضون عامين من توليه الرئاسة، لكن تبرز هنا قضية العلاقة مع الأحزاب الكردية، ما قد يعيق التواصل بين الرجلين، كون أوغان يصر بأنه لا يمكن أن يدخل في أي تحالف قد يشمل أيا من تلك الأحزاب.
وبعد ظهور النتائج ومع توجه البلاد لدورة انتخابية ثانية قال أوغان “القوميون والكماليون الأتراك هم مفتاح الفوز فيها”، معربا عن أن قرار دعم مرشح خلال الدورة الثانية سيكون مبنيا على حوار قد يجريه مع الأطراف المتنافسة، وأورد أوغان إنه لم يلتق بعد بأردوغان أو كليتشدار أوغلو منذ انتخابات الأحد، لكنه أشار إلى أنه سيكون منفتحا للتفاوض “على أساس مبادئهما”، مضيفا “على سبيل المثال، يمكننا توقيع بروتوكول مع تحالف الأمة (كليتشدار أوغلو) يوضح أنهم لن يقدموا أي تنازلات لحزب الشعوب الديمقراطي. الأمر بهذه البساطة”.