صادف أمس الأربعاء ذكرى ميلاد الرسام الهولندي بيتر بول روبنس، الفنان الذي تميز أسلوبه بالألوان المثيرة والرسومات المتوهجة، ومثلت أعماله المدرسة الباروكية في التصوير، وجمعت بين أسلوب المدرسة الإيطالية وواقعية المدرسة الفلمنكية.
ُوُلد روبنس في مدينة زيغن يوم 28 يونيو عام 1577، وتمت تسميته على شرف القديس بيتر والقديس بول، لأنه ولد في يوم عيدهما.
أصبح جان روبنس المستشار القانوني لدى آنا دوقة ساكسون، الزوجة الثانية لويليام الأول، واستقر في بلاطها في زيغن عام 1570.
تُوفي والده عام 1577، وبعدها بعامين انتقل روبنس مع أمه ماريا بايبلينكس إلى أنتويرب، وتربى هناك ككاثوليكي.
ظهر الدين بشكل أساسي في معظم أعماله، وأصبح روبنس لاحقًا واحدًا من الأصوات القائدة في أسلوب رسم الإصلاح المضاد الكاثوليكي.
التدريب في أنتويرب
في أنتويرب، تلقى روبنس تعليمًا من إنسانيي النهضة، ودرس الأدب اللاتيني والكلاسيكي. بعمر الرابعة عشرة بدأ تدريبه الفني مع توبايس فيرهايخت. ولاحقًا، درس تحت إشراف اثنين من الرسامين الرائدين في المدينة في ذلك الوقت، فناني النهجية، آدم فان نورت وأوتو فان فيين.
وتضمن الكثير من تدريبه الأول نسخًا للأعمال الأولى للفنانين، مثل خشيبات هانس هولباين الابن ونقوش مارك أنتونيو رايموندس بعد تصاميم رافائيل.
أنهى روبنس تعليمه عام 1598، وعندئذ دخل نقابة سانت لوك كمُعلم مستقل.
رحلته إلى إيطاليا
في عام 1600 ذهب روبنس إلى إيطاليا. توقف أولًا في البندقية، ورأى هناك لوحاتٍ لتيتيان، وفرونزه وتينتوريتو، قبل أن يستقر في مانتوفا في بلاط الدوق فينشينسو الأول غونزاغا. كان لتشكيلات فرونزه وتينتوريتو وطريقة استخدامهما للألوان تأثير مباشر على رسم روبنس، وكان أسلوبه -الذي نضج لاحقًا- متأثرًا بشكل عميق بتيتيان.
بدعم مالي من الدوق، ذهب روبنس إلى روما عبر فلورنسا عام 1601، ودرس هناك الفن اليوناني والروماني الكلاسيكي ونسخ أعمالًا للأساتذة الإيطاليين.
كان للمنحوتة الهلنستية لاوكون وأبناؤه تأثير خاص عليه، كما كان لفن ميكيلانجيلو، ورافائيل وليوناردو دا فينشي. كان متأثرًا أيضًا بشكل كبير بالرسومات الحديثة الطبيعية لكارافاجيو.
رسم روبنس لاحقًا نسخةً من لوحة كارافاجيو دفن المسيح، ونصح راعيه، دوق مانتوفا، باقتناء لوحة وفاة العذراء (اللوفر).
بعد عودته من أنتويرب، كان له دور رئيسي في شراء عذراء المسبحة (متحف تاريخ الفنون، فيينا) لكنيسة سانت بول في أنتويرب.
خلال بقائه الأول في روما، أكمل روبنس تكليفه برسم لوحة لمذبح الكنيسة، القديسة هيلينا مع الصليب الحقيقي لكنيسة سانتا كروس في الأورشليم للروم الكاثوليك.
مهمة بأراضي إسبانيا
ذهب روبنس إلى إسبانيا في أول مهمة سياسية عام 1603، مُقدمًا هدايا من كونزاغاس لبلاط الملك فيليب الثالث.
درس المجموعات الشاملة لرافائيل وتيتيان التي جمعها الملك فيليب الثاني. رسم أيضًا البورتريه الفروسي لدوق ليرما خلال بقائه هناك (متحف برادو، مدريد) والتي تبين تأثرًا بأعمال تيتيان مثل تشارلز الخامس في مولبرغ (1548؛ برادو، مدريد).
كانت هذه الرحلة الأولى بين رحلات كثيرة خلال مسيرته المهنية التي جمعت ما بين الفن والدبلوماسية.
العودة إلى إيطاليا
عاد إلى إيطاليا عام 1604، وبقي هناك لأربع سنوات، بدايةً في مانتوفا وبعدها في جنوى وروما.
في جنوى، رسم روبنس لوحات بورتريه كثيرة، مثل مارشيسا بريجيدا سبينولا– دوريا (المتحف الوطني للفن، واشنطن، العاصمة)، ولوحة بورتر يه لماريا دي أنتونيو سيرا بالافيشيني، بأسلوب أثر على رسومات لاحقة لأنطوني فان ديك وجوشوا راينولدس وتوماس غينزبرة.
بدأ أيضًا بوضع كتاب رسومٍ توضيحية للأماكن في المدينة، الذي نُشر عام 1622 باسم أماكن جنوى. ومنذ عام 1606 إلى 1608، أمضى أغلب وقته في روما. خلال هذه الفترة تلقى روبنس، بمساعدة الكاردينال جاكوبو سيرا (شقيق ماريا بالافيشيني)، تكليفه الأهم حتى ذلك التاريخ للمذبح الرئيسي لكنيسة المدينة الجديدة الأكثر أناقة، سانتا ماريا في الوادي الصغير المعروفة أيضًا باسم تشيزا نوفا.
كان موضوع اللوحة، خشوع غريغوري الأول وقديسون مهمون محليون لأيقونة العذراء والطفل. كانت النسخة الأولى، رسم منفرد على الخيش (الآن في متحف الفنون الجميلة، غرينوبل)، استبدلت حالًا بنسخة ثانية من ثلاثة ألواح من الأردواز التي تتيح إظهار الصورة المقدسة الإعجازية الحقيقية «للقديسة ماريا في الوادي الصغير» في أيام الاحتفالات المقدسة المهمة من خلال ألواح نحاسية قابلة للإزالة.
استمرت تجارب روبنس في إيطاليا بالتأثير على عمله. استمر بكتابة العديد من رسائله وردوده بالإيطالية، موقعًا اسمه «بييترو باولو روبنس»، وتحدث بشوق عن عودته إلى شبه الجزيرة؛ أمل لم يتحقق أبدًا.
العودة إلى أنتويرب
بعد سماعه بمرض والدته عام 1608، خطط روبنس لترك إيطاليا والذهاب إلى أنتويرب. لكن، توفيت قبل وصوله.
صادفت عودته فترة ازدهار متجددة في المدينة بعد توقيع معاهدة أنتويرب في أبريل عام 1609، التي استهلت هدنة الإثني عشرة سنة.
في سبتمبر عام 1609 عُيِّن روبنس كرسام البلاط من قبل ألبرت السابع، أرشيدوق النمسا، والإنفانتا إيزابيلا كلارا يوجينيا، حاكما البلدان المنخفضة.
تلقى إذنًا خاصًا لتأسيس مرسمه في أنتويرب بدلًا من بلاطهما في بروكسل، وأن يعمل أيضًا لزبائن آخرين.
بقي قريبًا من الأرشيدوقة إيزابيلا حتى وفاتها عام 1633، ودُعي ليس فقط كرّسام بل أيضًا كسفير ودبلوماسي.
أوثق روبنس ارتباطه بالمدينة أكثر حين تزوج -في 3 أكتوبر عام 1609- من إيزابيلا برانت.
وفاته
رحل بيتر بول روبنس في الثلاثين من مايو عام 1640، عن عمرٍ ناهز 62 عامًا. وتم دفنه في كنيسة سانت جيمس في أنتويرب.
بعض أعمال بيتر بول روبنس